إذا كان هناك نجاح يمكن أن يسجل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذاهب إلى الانتخابات العامة وربما إلى ولاية ثانية في رئاسة الحكومة بعد قضاء ولاية امتدت نحو ثلاث سنوات فهو النجاح في وضع العالم كله ضد السياسة الإسرائيلية التي يقودها ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان. وتعتبر فترة حكمه الأخيرة مثالاً على الفشل والعجز في كل الميادين. فالعملية السياسية والحمد لله انتهت أو في أحسن الأحوال تعيش حالة موات سريري، وذلك بفضل الاستيطان ووضع العراقيل أمام أية امكانية للتقدم ولو سنتيمتراً إلى الأمام.صحيح أن نتنياهو يكرر ليل نهار ومعه الكثيرون من الإسرائيليين، الذين بعضهم لا يعلم ماذا يدور حوله في الموضوع السياسي، أنه مستعد للدخول في مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة، وكل الأمور ستكون مطروحة على الطاولة، وأن الموقف الفلسطيني الذي يربط المفاوضات بوقف الاستيطان هو موقف مناهض للسلام، وأن الرئيس أبو مازن لا يختلف كثيراً عن "حماس" وأنه يتنصل من العملية السياسية، وأشياء شبيهة من هذه الديماغوجية السياسية الكاذبة، ولكن لا يعلم الكثيرون أيضاً أن نتنياهو هو من يضع شروطاً حقيقية في وجه عملية المفاوضات وعملياً هو يقتلها قبل أن تبدأ. فعدا الإصرار على مواصلة البناء الاستيطاني هو يعيد الازمة السياسية التي تحضر معه في كل مناسبة والتي تقول إنه غير مستعد للانسحاب إلى حدود العام 1967 حتى في إطار تبادل للأراضي. ولا يوافق على التفاوض حول القدس، ولا يقبل أي انسحاب من منطقة غور الأردن، ولا يريد حلاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود الدولة الفلسطينية، ثم يضيف شرطاً آخر يتمثل بضرورة الاعتراف مسبقاً بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي.شروط نتنياهو هذه لا تجعل امكانية التفاوض واردة، ولن تكون في حال بدأت تحت أي ظرف من الظروف أكثر من عملية عبثية تساعد على شرعنة النشاطات الاستيطانية وتسهيلها. ولا يقبل اي قائد فلسطيني أن يذهب نحو عملية تفاوضية محكوم عليها بالفشل المؤكد، ولا توجد أمامها أية فرصة أو احتمال. وإذا كان الفلسطينيون فشلوا في شرح وجهة نظرهم أمام أوسع قطاعات الجمهور الإسرائيلي بحيث استطاع نتنياهو أن يخدع مواطنيه، وأضحى الرأي العام الإسرائيلي مقتنعاً بصورة كبيرة بأن المشكلة هي لدى القيادة الفلسطينية التي لا ترد بالايجاب على يد نتنياهو الممدودة للسلام، فهو لم ينجح في خداع النخب الإسرائيلية كما أنه لم ينجح في إقناع المجتمع الدولي بأنه يريد السلام فعلاً، ولعل اللجنة الرباعية الدولية هي الأكثر احتكاكاً بمواقفه السلبية.سياسة نتنياهو هذه قادت إلى انهاء العملية السياسية وجعل الفلسطينيين يبحثون عن خيارات وبدائل أخرى ليست ضد فكرة المفاوضات بالضرورة أو هي تمثل تخلياً عن مرجعيات العملية السياسية القائمة أساساً على قراري مجلس الأمن 242 و 338 والمبادرة العربية للسلام و"خارطة الطريق" وكل مالا يعترف به نتنياهو، وهذه البدائل تهدف إلى إحياء العملية السياسية ولكن على أسس واضحة غير قابلة للاختلاف حوله وخاصة مسألة الحدود.المسعى الفلسطيني كان يمكن أن يسهل الطريق على نتنياهو لو أراد فعلاً انقاذ العملية السياسية، فالاعتراف الدولي بدولة فلسطين كدولة غير عضو أو بصفة مراقب في حدود العام 1967 يساهم في انهاء الجدل حول الحدود ويمكن أن يشكل أرضية مناسبة للمفاوضات وحتى لمواجهة من يرفضون فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين، وذلك من خلال الإقرار بالإرادة الدولية الواضحة والموقف الذي لم يعد يقبل الجدل حول مبدأ التسوية السياسية. لكن نتنياهو واصل الهروب إلى الأمام بقفزة غبية في الهواء عندما نجح في اغضاب كل أطراف المجتمع الدولي حتى أصدقاء إسرائيل الذين عارض بعضهم الاعتراف بفلسطين بقرار البناء في المنطقة الواقعة بين مستوطنة "معاليه أدوميم" ومدينة القدس. فهذا الإعلان يثبت بشكل قاطع أن نتنياهو يكذب بشكل وقح حين يقول إنه يؤيد حل الدولتين كما أعلن في خطابه الشهير في بار إيلان.الطريق الوحيدة التي أبقاها نتنياهو أمام الفلسطينيين هي اللجوء للمجتمع الدولي والأمم المتحدة على وجه الخصوص لإنقاذ عملية السلام كفرصة أخيرة لم يتبق لها الكثير من الوقت. لكن خطوات نتنياهو المتسارعة قد تقود إلى القضاء على هذا الجهد الإيجابي وتضع المنطقة من جديد في دوامة من العنف. لا يبدو نتنياهو غبياً بحيث لا يحسب ما يترتب على خطواته التي يتخذها ضد السلطة الوطنية مثل وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية لخزينة السلطة، فمن الواضح أن نتنياهو يريد التسبب في انهيار السلطة التي لم يعد يربط الناس بها الكثير عدا الرواتب بعد فشل عملية "أوسلو" في تحقيق حلم الدولة.لا شك أن نتنياهو يلعب بالنار لأنه يريد خلق وضع لا تستطيع فيه أجهزة السلطة بما فيها الأمنية القيام بوظيفتها في حفظ النظام والهدوء والأمن في مناطق السلطة. فعدم دفع الرواتب لعناصر وقادة هذه الأجهزة سيؤدي إلى تفككها وإلى انهيار السلطة، وكذلك إلى انفجار الوضع في وجه إسرائيل. هذا الوضع قد يحقق لنتنياهو الانتقام لكرامته المهدورة وهو يحصد الفشل تلو الآخر ولكن سيضع مواطني اسرائيل أمام واقع مرير وقاسٍ سينتهي بحرب واسعة يتدخل فيها العالم مجدداً ضد إسرائيل، ولكن بطريقة تجعل نتنياهو يذهب إلى التسوية صاغراً، وبثمن كبير من الضحايا.في اسرائيل يحصون اخفاقات نتنياهو ليس فقط في المجال السياسي وفي عزل اسرائيل دولياً، وفي هزيمتها معنوياً مقابل فصائل المقاومة في غزة، وإنما أيضاً في المجال الاقتصادي حيث تفوق نتنياهو على غيره في جعل الغلاء فاحشاً بصورة لم يعد يحتملها الاسرائيليون. وفي عهده انطلقت أوسع حركة احتجاج جماهيرية ضد الغلاء وسياسة الحكومة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. والسؤال الموجه للإسرائيليين هو ما حاجتهم برئيس وزراء يعترفون ويقرون أنه فاشل.