خبر : مشعل يغير قواعد اللعبة...بقلم: هاني عوكل

الأحد 16 ديسمبر 2012 01:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
مشعل يغير قواعد اللعبة...بقلم: هاني عوكل



لاشك أن المستوى السياسي في "حماس" استثمر واستفاد من النتائج التي حققتها المقاومة المسلحة والتي تشكل كتائب عز الدين القسام أحد أهم وأقوى أذرعها، ولم يكن من الممكن إنجاز الزيارة التاريخية لرموز وأقطاب "حماس" في الخارج برئاسة خالد مشعل، لولا نصر المقاومة في قطاع غزة. لقد خدم انتصار المقاومة موقف "حماس" بشكل عام وإلى حد كبير، وعزز من وجودها وشعبيتها، ولاحظوا أن التوقيت الذي وضعه مشعل لزيارة غزة، بالإضافة إلى أهم أعضاء المكتب السياسي، إنما يدل على أن لدى الحركة أجندة تتصل باستثمار هذا الانتصار خدمةً لأغراض داخلية. إذا أردنا الحديث عن الأغراض الداخلية، فعلينا التأكيد هنا أن مشعل وصل إلى غزة ليثبت أنه الرجل الأول في "حماس"، وأنه مهما غادر موقع رئاسة المكتب السياسي، سيظل الرجل الأقوى، ولعله حصل على المكانة والاهتمام الذي كان يحظى به المؤسس والزعيم الروحي لحركة "حماس" الشهيد الراحل أحمد ياسين. يدرك الجميع بطبيعة الحال أن هناك خلافاً بين القيادة السياسية لدى الحركة في الداخل والخارج، وأن أهم من يمثل هذا الخلاف في قطاع غزة هو محمود الزهار، لكن لم يكن الخلاف واضحاً أثناء زيارة مشعل، الذي حرص على تقديم نفسه باعتباره رئيس السلطة في قطاع غزة، إلى جانب رئيس الحكومة إسماعيل هنية. ولعل هذه الزيارة والاحتفاء الذي حظي به مشعل في غزة، ستجعله يفكر كثيراً في عدم مغادرة موقعه الحزبي الحالي، والترشح مرةً أخرى للفوز بمنصب رئيس المكتب السياسي، أو إصرار أعضاء "السياسي" على ترشحه لرئاسة ولاية أخرى في الحركة. المشهد الداخلي لـ"حماس" يقول إن مشعل سيبقى في الموقع الأول للحركة، وهذا يبدو واضحاً في الخطاب الجماهيري الحاشد الذي أقامته "حماس" مؤخراً في الذكرى 25 لانطلاقتها السنوية، حين اعتبر "أبو الوليد" نفسه هذه المرة، زعيم الحركة والمصلح الوطني، وكما قلنا سابقاً رئيس السلطة في غزة. ثم إن الزيارة التي شارك فيها إلى جانب مشعل، أعضاء من المكتب السياسي، تريد أن توضح رسالة قوية، بأن امتداد الداخل هو الخارج، وأن الأخير لديه أوراق القوة التي تمكنه من صياغة القرار الحزبي، وعدم الطعن أو التشكيك بمرجعية الخارج. لقد أكد مشعل ضمنياً عدم مغادرته موقع رئيس المكتب السياسي، عبر الخطاب المهم الذي ألقاه في احتفالية "حماس"، وانطلاقاً من موضوعين، يرسمان حتماً ملامح توجه الحركة في المستقبل المنظور، فعلى صعيد الوحدة الداخلية، بدا مشعل متفائلاً وقادراً على إعادة اللحمة الوطنية، حينما أعلن استعداده من أجل العمل الفوري على إنجاز مصالحة حقيقية. حتى فيما يتعلق بموضوع منظمة التحرير، لم يفتح مشعل "الرشاش" على هذا الإطار المرجعي كما كان يفعل في مرات كثيرة، واعتمد في خطابه سياسة التكيف مع المستجدات الراهنة، والدخول في شراكة وطنية تحت مظلة المنظمة، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. في موضوع الصراع مع إسرائيل، بدا مشعل شديد اللهجة وأثلج قلوب المتشددين في "حماس"، كما فصائل المقاومة المختلفة، حين لم يسقط الحق في المقاومة المشروعة، مع عدم الاعتراف بإسرائيل، كما عدم التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين التاريخية. هذه التصريحات تقودنا إلى التأكيد على أن الدور الذي يريده مشعل ويطمح الحصول عليه، يتجاوز دور القائد الحزبي إلى القائد الوطني، وربما يسعى "أبو الوليد" إلى الحصول على المكانة التي كان يتمتع بها الرئيس الراحل ياسر عرفات، من حيث الإجماع والالتفاف الشعبي حوله. قد تكون هناك خطة لدى "حماس" غير معلنة، بصد استثمار الانتصار العسكري، وأيضاً استثمار زيارة مشعل إلى قطاع غزة، نحو المضي فعلاً في مصالحة تؤدي إلى وضع "حماس" على رأس العمل السياسي الفلسطيني، وربما تتأهل للعب السلطة الحامية للشعب. بمعنى أن خطاب مشعل يضع قواعد لعبة جديدة وفرتها هذا الانتصار الذي حققته المقاومة، والغطاء العربي والمصري الإخواني الداعم لـ"حماس"، خصوصاً وأن الحركة لا يبدو أنها مستعدة لمغادرة الحكم في غزة، ولا حتى الاستغناء عن المقاومة العسكرية والتحول إلى السلم الأهلي. ربما خطة "حماس" تقتضي الدخول في مصالحة وطنية، تؤهلها للخوض في انتخابات تشريعية ورئاسية توفر لها الأغلبية، وتضمن لها ربما الحصول على الموقع الأول في قيادة الدولة الفلسطينية، دون نفي "فتح" إنما تجاوزها من حيث السلطة والقوة الشعبية. هذه السيناريوهات ينبغي حقيقةً أخذها بعين الاعتبار، حتى وإن كانت صعبة التحقيق والتصديق، لكن من حقنا أن نتساءل هنا عن عدم الاستعجال في إنجاز الوحدة الوطنية، في الوقت الذي كان فيه مشعل يدعو إليها ومن غزة أيضاً، وفي الوقت الذي رحبت فيه "فتح" بهذا الخطاب؟ ألم يكن من السهل تحقيق المصالحة في قطاع غزة، بدلاً من استهلاك الوقت واستدعاء بعض الراعين العرب، لتوفير الأجواء التي من شأنها تأكيد المصالحة؟ ألم يكن من الأجدر تحقيق هذه الوحدة الوطنية في قطاع غزة، طالما توفرت الرغبة لدى الطرفين لإنجازها؟ على كال حال، يبقى الكلام السياسي مهماً لكن لا فائدة منه، إذا لم يرتبط بأجندة واضحة وملزمة وقابلة للتطبيق، ومثلما قلنا في المقال السابق إن الفرصة جداً مواتية لإنهاء الانقسام الداخلي، فإن هذا يعني بأن علينا العمل والاجتهاد من أجل إنجاز الوحدة وعدم تضييع الوقت. ولا أحد يختلف على أن إسرائيل ستدخل بقوة من أجل ضرب مشعل بالرئيس أبو مازن، وتعميق الانقسام عبر استخدام جميع الوسائل التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف، لأن مغادرة الانقسام بالنسبة لها ستعني فشل مخططاتها العنصرية الهادفة إلى إضعاف وتمزيق الفلسطينيين وتشتيتهم. الآن نحن انتصرنا في قطاع غزة، وانتصرنا في الأمم المتحدة، وهناك المزيد لنقوم به من أجل المراكمة على هذه الانتصارات، لكن في ظل الوقت الحالي لا أعتقد أن هناك ما هو أهم من تحقيق الوحدة الوطنية، فهي وقبل كل شيء، تخدم المواطن الفلسطيني قبل أن تخدم الفصائل والقضية والهوية الفلسطينية. إذن، لا تضيعوا هذه الانتصارات في إدامة الانقسام، لأن الشعب الذي أحبكم وقدر جهدكم الحثيث والدؤوب للوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم، هو نفسه الشعب الذي سينظر إليكم بعين أخرى، في حال أفشلتم الوحدة واستثمار هذه الإنجازات المهمة.