ليس «إلى اليمين در» وإنما «إلى اليمين سر» هو التوصيف الدقيق لحالة المجتمع الإسرائيلي وانتخاباته قبل حوالي شهر على موعد الانتخابات العامة في النصف الثاني من شهر كانون الثاني المقبل. وهذا ليس مجرد تقدير عابر قابل للتغير الكبير أو الطفيف وإنما هو واقع الحياة الفعلي كما تبرزه كل استطلاعات الرأي في إسرائيل. فاليمين الديني والقومي بتياراته المتطرفة ينال وحده ومن دون التحالف مع يمين الوسط أكثر من نصف مقاعد الكنيست. ويظهر الوسط واليسار في أضعف حالاتهما بامتلاكهما مع العرب ما يقترب فقط من ثلث المقاعد. ولا يغير من واقع الحال شيئاً إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، يهودا فينشتاين، تقديم لائحة اتهام للرجل الثاني في كتلة «الليكود بيتنا»، أفيغدور ليبرمان. فالواضح أن اتحاد «الليكود» و«إسرائيل بيتنا» أنتج كتلة تستجيب لغرائز المجتمع الإسرائيلي التواق للتطرف، والذي يوفر القوة أيضاً لكل من حركة «شاس» و«البيت اليهودي» و«يهدوت هتوراه» و«عوتسماه ليسرائيل». وبحساب بسيط للمقاعد، وفق استطلاعات مختلفة نشرت في الصحف الرئيسية، فإن الحكومة المقبلة، برئاسة بنيامين نتنياهو، يمكنها أن تتشكل من اليمين من دون أي مشاركة من قوى أخرى. لكن واضح أيضاً أن تجربة الكنيست الأخير أظهرت أن بقاء أحزاب وسط، مثل «كديما»، في صفوف المعارضة ليس أكثر من وصفة مضمونة للفناء. لذلك تتسابق الأحزاب «المعارضة» من حزب العمل إلى «حركة» تسيبي ليفني إلى «هناك مستقبل» ليائير لبيد على المشاركة في الحكومة المقبلة. وخلافاً لغالبية المعارك الانتخابية السابقة في تاريخ إسرائيل، لم يسبق أن كانت نتائج الانتخابات محسومة كما هي عليه الحال الآن. فغلبة اليمين، وتوافقه، في ظل تشرذم الآخرين وصراعاتهم، واضحان. لكن ذلك لا يظهر واقعاً غريباً آخر، وهو خلو المعركة الانتخابية تقريباً من أي صراعات جدية فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وتبدو المعركة كأنها تدور بين أشخاص لا أكثر بالرغم من محاولات ضئيلة من هنا وهناك لإظهار تباينات ما، لا تغدو جذابة لأحد. عموما أظهر استطلاع نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة نتنياهو أن «الليكود بيتنا» سينال وحده في الانتخابات المقبلة حوالي ربع مقاعد الكنيست ويحصل على 39 مقعداً. وهذا هو الرقم الأعلى في استطلاعات الرأي التي كانت تظهر أن «الليكود بيتنا» يحصل على ما بين 37 و38 مقعداً في المتوسط. وقد توقع كثيرون أن تزايد الفجوات الاجتماعية والتوتر في العلاقات مع الإدارة الأميركية وتفاقم العزلة الدولية، كلها عوامل ستقود مع اقتراب موعد الانتخابات إلى المزيد من تردي مكانة هذه الكتلة، إلا أن ذلك لم يحدث. وفي كل الأحوال بيّن استطلاع «إسرائيل اليوم» أن الحزب الثاني الأكبر في الانتخابات هو حزب العمل، وسينال 19 مقعداً. ويركز الاستطلاع على الحقيقة الأهم في الحياة السياسية في إسرائيل وهي أن معسكر اليمين مع «الحريديم» سينال وحده 66 مقعداً تشكل 55 في المئة من مقاعد الكنيست. وبكلمات أخرى فإن معسكر الوسط ـ يسار ـ العرب سينال 43 في المئة. وهذا يعني واقعياً استحالة توفر ما كان يعرف بـ«الكتلة المانعة»، وهي توفر قوة تستطيع منع اليمين من تنفيذ برامجه. ومن اللافت للانتباه في استطلاع «إسرائيل اليوم» أن الجمهور الإسرائيلي بغالبية تقترب من الثلثين لا يرى في الفلسطينيين شريكاً في عملية السلام، فقد أجاب 62,4 في المئة بالسلب في رده على السؤال حول هذا الموضوع، بينما رأى 28,2 في المئة أن هناك شريكا فلسطينيا في عملية السلام. واللافت أيضاً أن الاستطلاع أشار إلى أن أكثر من 40 في المئة يرون أن نتنياهو هو الأصلح لرئاسة الحكومة مقابل 13 في المئة فقط لليفني، و7,6 في المئة لزعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش. وبديهي أن يكون استطلاع «إسرائيل بيتنا» أقرب إلى أهواء حكومة نتنياهو، لكن قراءة استطلاع «معاريف» تظهر أن الصورة ربما أشد قتامة. صحيح أن الاستطلاع يُبين أن «الليكود بيتنا» سينال 38 مقعداً فقط إلا أنه يظهر أن معسكر اليمين سيحظى بـ69 مقعداً وليس 66 فقط. وبكلمات أخرى فإن نسبة اليمين المئوية تزداد أكثر من نقطتين الأمر الذي يعني خسارة مساوية لمعسكر وسط ـ يسار. ويعني ذلك أنه حتى إذا امتلك معسكر وسط ـ يسار شخصية كاريزمية مقبولة عند بعض الأوساط اليمينية، يبدو مستحيلاً عليه أن يفكر حتى في تشكيل «كتلة مانعة» أو الحلم بتشكيل حكومة. ويلحظ استطلاع «معاريف» أن الليكود سيخسر بعض الأصوات لكنها لن تذهب يساراً بل يميناً إلى حزب «البيت اليهودي» الذي يزداد قوة، حيث انه سينال 11 مقعداً هي ذاتها مقاعد حزب «شاس». وبحساب بسيط، فإن هذه الأحزاب اليمينية الثلاثة تملك وحدها نصف مقاعد الكنيست من دون حساب أحزاب أشد تطرفاً منها، مثل «عوتسما ليسرائيل» والكتلة الحريدية «يهدوت هتوراه». ويحاول استطلاع «يديعوت» إظهار اختلاف عن الاستطلاعات السابقة لكنه من الناحية الجوهرية ليس مختلفاً. صحيح أنه يمنح «الليكود بيتنا» 35 مقعداً، ويشير إلى تراجع قوته إلا أنه يبقي خسائر الليكود في معسكر اليمين. فمعسكر اليمين وفق الاستطلاع سينال 65 مقعداً بالإضافة إلى احتمالات نجاح حزب يدعى «الإسرائيليين» وهو حزب للمهاجرين الروس في الغالب، ومزاجهم يميني أيضاً، وسينال ثلاثة مقاعد. أما معسكر وسط يسار والأحزاب العربية فلن ينال إلا 53 مقعداً، وهي تقريباً الحصة التي ينالها هذا المعسكر في كافة الاستطلاعات. بقي من المفيد القول ان أحزاب اليمين باتت أشد يمينية وأحزاب الوسط صارت أقرب ما تكون إلى أحزاب اليمين.