بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل فان مصطلح الليبرمانية يعادل الفاشية، وذلك لأن رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اعتبر ان الفلسطينيين في تلك الدولة يمثلون خطراً أمنياً وديمغرافياً، وقد تفرغ هذا الحزب في الكنيست الثامنة عشرة لتقديم اقتراحات قوانين والعمل على تنفيذها تتعلق بالتضييق على الفلسطينيين، بدءاً بقانون الولاء والمواطنة والذي يرهن الحصول على المواطنة بإعلان الولاء للدولة كدولة يهودية ولرموزها وسيادتها ولوثيقة استقلالها. حزب "إسرائيل بيتنا" الذي تحول من حزب لظاهرة في السنوات الأخيرة لينجح في الوصول إلى الحزب الثالث في انتخابات الكنيست السابقة، بواقع خمسة عشر عضو كنيست بشكل لافت، وقد تشكل هذا الحزب قبل ثلاثة عشر عاماً فقط على يد الرجل الذي أعد له المستشار القانوني يهودا فاينشتاين لائحة اتهام مخففة من معظم التهم المنسوبة إليه لتختزل في تهمة صغيرة واحدة وهي الغش وخيانة الأمانة، والتي من المنتظر أن تتمكن من الإطاحة بمستقبله السياسي.فقد اتخذ ليبرمان منذ تشكيل حزبه خطاً قومياً هو الأكثر تطرفاً بين الأحزاب الإسرائيلية، وقبل أن يشكل الحزب كان ليبرمان مدير عام الليكود نهاية تسعينات القرن الماضي، وقد استقال على أثر توقيع رئيس الحزب بنيامين نتنياهو اتفاقية واي ريفر، فقد اعتبر ليبرمان أن رئيسه جنح نحو اليسار تاركاً الليكود ليشكل حزبه الذي اعتمد على أصوات الروس الذين وصل عدد المهاجرين منهم إلى إسرائيل مع نهاية التسعينات إلى مليون روسي كان معظمهم يصوتون لحزب إسرائيل بعلياه الذي كان يترأسه حينها نتان شيرانسكي، وقد اعتبر ليبرمان أن حزب إسرائيل بعلياه أقرب لحزب العمل فأراد أن يجر اليهود الروس نحو اليمين.وقد كان ذلك حين تمكن من خوض انتخابات عام 99 وفاز بأربعة مقاعد. واليهود الروس بطبيعتهم مؤهلون للتصويت نحو أقصى اليمين، حيث إن معظمهم من كبار السن، وقد عاشوا معظم تجربتهم في عهد الاتحاد السوفياتي، والذي كان يعتبر رأس اليسار في العالم، ولأنهم عاشوا تجربة القمع القومي والاثني والديني، فقد هاجروا إلى إسرائيل يحملون نقمة كبيرة على كل ما هو يساري، حتى انعكس ذلك في رؤيتهم لليسار الإسرائيلي وحزب ميرتس ليجدوا أنفسهم على يمين اليمين القومي في الدولة العبرية.ليبرمان المهاجر إلى إسرائيل نهاية سبعينات القرن الماضي سكن في القدس وعمل فيها أول وظيفة كحارس لملهى ليلي ( بودي جارد ) ثم انتقل إلى السياسة ليمارسها على نمط البودي جارد يلاكم كل من يجده في طريقه، وآخر الذين دفعوا الثمن الرجل الثاني في حزبه داني أيلون نائب وزير الخارجية الذي وجد نفسه فجأة الأسبوع الماضي خارج الكنيست وخارج قائمة الحزب للانتخابات، وقبله كان يطالب بضرب إيران والسد العالي، ولم يتوقف عن عدوانيته حتى نهاية الأسبوع الماضي، حين قال قبل ثلاثة أيام في ندوة عقدتها صحيفة جيروسالم بوست في هرتسيليا يغمز على بعض زعماء أوروبا "الكثيرون مستعدون للتضحية بإسرائيل ".أكثر من عشرة قوانين كنيست استهدفت الأقلية الفلسطينية بهدف سحقها أو دفعها للهجرة خارج إسرائيل، هذا بعد أن لم يستطع تطبيق برنامجه السياسي القائم على إلقاء تلك الأغلبية وتحديدا في منطقة المثلث، حتى أنه مستعد للتنازل عن الأرض مقابل إلقاء البشر إلى السلطة الفلسطينية، هذا ما يقوم عليه برنامجه السياسي.يتنفس الفلسطينيون في إسرائيل الصعداء بعد نبأ استقالة ليبرمان، فعلى الأقل تلقى أحد ألد أعدائهم ضربة قوية وإن كان هذا الشخص أصبح فكرا سائدا في إسرائيل، وكل الذين سيتم انتخابهم للكنيست على قائمته التي اندمجت مع الليكود لتشكل "الليكود بيتنا" ليسوا أقل تطرفاً منه، ولكنه مثل بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل رأس حربة محور الشر.لكن الفلسطينيين في مناطق 67 لا يتوافقون مع ذلك، فقد اعتبر ليبرمان في السنوات الأخيرة من أفضل الذين قدموا خدمات كبيرة لهم على مستوى العالم بشخصيته الكريهة وأسلوبه الفج، وتمكنوا في عصر ليبرمان من عزل إسرائيل، فقد مثل الوجه القبيح لتلك الدولة، واكتسبت إسرائيل في عهده مزيدا من الخصوم والأعداء، ومزيدا من المقاطعة، ومعظم دول العالم رفض استقباله. فمن كان يتصور أن تتهرب وزيرة الخارجية الأميركية لسنوات من مقابلة وزير خارجية إسرائيل، هذا لم يكن ليحدث لو كان رأس الدبلوماسية الإسرائيلية ووجهها الخارجي دبلوماسيا مثل شمعون بيرس أو تسيبي ليفني، ولكن ليبرمان وفر على الفلسطينيين الكثير من الوقت والجهد لكشف صورة إسرائيل، فهو الذي دفع باتجاه اقتحام سفينة مرمرة، وهو الذي يقف حتى اللحظة ضد تقديم الاعتذار الذي تطلبه تركيا، وهو الذي وبخ وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا عندما رد عليه أيهود باراك قائلا: بريطانيا ليست تنزانيا.بعد دخوله للكنيست بأشهر عام 99 بدأت الشبهات تدور حول ليبرمان وصلاحيته السياسية، فقد كان هناك شك في نزاهته، وقد شكت الجهات الفضائية بطبيعة جمعه للأموال وطبيعة نشاطاته التجارية، حيث يمنع عضو الكنيست أن يكون له أعمال اقتصادية تجعل ازدواجية العمل، فأقام ليبرمان شركات وهمية لاحقته التحقيقات منذ البدايات، ولكنه كان على درجة من الدهاء والتهرب إلى أن تمكنت تلك الجهات من ضبط الدلائل.بدأت التحقيقات تلاحق ليبرمان بالفساد واكتشف أن تعيين سفير إسرائيل في بيلاروسيا كان خارج سياق النظام الطبيعي، حيث تجري العادة بترشيح لجنة للسفراء والوزير فقط يصادق، واكتشف أن بعض تعيينات ليبرمان أشخاص كانوا على علاقة بشركاته الوهمية، لكن المستشار القانوني قام باختصار للشبهات، وتمت تبرئة ليبرمان من تهمة الفساد وبقيت فقط التهمة الأصغر وهي الغش وخيانة الأمانة، وهي تهمة يمكن فقط أن تذهب بمعاقبته بالخدمة المدنية ولكنها تمنعه من الترشح للانتخابات، وبالتأكيد تؤثر على سمعته ومستقبله وإن كان مصوتوه من الروس لن يتأثروا بتلك الوصمة.الجميع بدا منزعجا من ليبرمان ولكن الحقيقة أن أكثر من استفاد من وجوده هو السياسة والدبلوماسية الفلسطينية والتي حققت انجازات كبيرة بفضله وتوجتها بقبول فلسطين دولة في الأمم المتحدة وذهاب ليبرمان سيشكل خسارة للدبلوماسية الفلسطينية .. فقد كان جيدا للفلسطينيين ..! Atallah.akram@hotmail.com