عادةً ما تكون المهرجانات التي تُقيمها الفصائل الفلسطينية مناسبةً لمراجعة العمل التنظيمي خلال عام، وفرصةً لتنشيط الكادر الحزبي والأعضاء وحشد الأنصار، والوقوف عند جمهور كل تنظيم، ومستوى حضوره السياسي داخلياً وحتى خارجياً، ودأبت العادة على أن تجامل الفصائل بعضها البعض في "أعيادها" التي لا يتورّع البعض عن اعتبارها وطنية، المهم أنه مع مرور الوقت وخلال السنوات الخمس الماضية باتت انطلاقتا "حماس" و"فتح"، على التوالي، وبالتحديد تثيران الاهتمام، من زاوية كيفية تعامل كل منهما مع الآخر، الأولى في غزة والثانية في الضفة.هذا العام وبعد أن احتفت "حماس" بذكرى انطلاقتها الخامسة والعشرين، بحضور رئيسها الأخ خالد مشعل الذي عاد خصيصاً من الخارج، ولم يقم فيها ـ ربما كانت هذه هي حدود الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي، وربما كانت هناك أسباب داخلية أخرى حالت دون اتخاذه قرار الإقامة الدائمة في غزة ـ وبهدف توفير الزخم الوطني لاستعراض القوة الذي عادة ما تقوم به الفصائل في مثل هذه المناسبات، وجهت "حماس" الدعوة إلى "فتح" في غزة لحضور مهرجانها، وربما كانت هي فرصة لدعوة رئيس "فتح"، أبو مازن، ليشكل حضوره إنهاء للانقسام، لكن ربما كان هو يفضّل أن يعود بعد الاتفاق على إنهاء الانقسام ـ فحضور قادة "فتح" في غزة مهرجان "حماس"، دون أن يعني ذلك الشيء الكثير على صعيد إنهاء الانقسام، شكّل خطوةً على طريق المصالحة.ولأن المصالحة شيء وإنهاء الانقسام شيء آخر، فإن "فتح" ردّت بالمثل، واتفق الطرفان على أن يسمح كل منهما للآخر بإقامة مهرجان محلي، كل في منطقة السيطرة الخاصة به، "حماس" أعلنت أنها ستسمح لـ"فتح" في غزة بإقامة مهرجان انطلاقتها الذي يصادف بعد نحو أسبوعين، فيما أعلنت "فتح" أن "حماس" في الضفة يمكنها أن تقيم مهرجان انطلاقتها، وأنها ليست حزباً محظوراً في الضفة، لكن طبعاً، من الواضح أن "حماس" لن تسمح لـ"فتح" بإقامة مهرجانها في مقر الكتيبة، وهو أكبر ساحة في القطاع، ولكن في مكان آخر، قد يكون السرايا أو ملعب فلسطين، فيما "حماس" تقيم مهرجاناً محلياً في الضفة بعد أن أقامت مهرجانها المركزي في كتيبة غزة!.بكلام آخر، مع الإبقاء على أن "حماس" هي عنوان غزة، و"فتح" هي عنوان الضفة، يمكن لكل منهما أن يتعايش مع الآخر، هذا تحت سقف ذاك هنا، وذاك تحت سقف هذا هناك، هذه أجواء تصالحية ولا شك، ولكنها لا تعني إنهاء الانقسام، لأنه كما قلنا مراراً في مناسبات أو مقالات سابقة، فإن المصالحة يمكن أن تقوم بين دول وكيانات وحتى منظمات، دون أن يعني ذلك توحدها، بل نزع حالة العداء أو الخصام بينها، وقد حدث هذا بين فصائل فلسطينية فيما مضى، حين كانت حالة من الخصام السياسي قائمة بين الجبهتين: الشعبية والديمقراطية بعد انقسامهما على بعضهما، أو انشقاق إحداهما عن الأخرى، إلى أن تعايشتا مع الواقع، وباتتا تعترفان إحداهما بالأخرى، وتحضر كل منهما مهرجان انطلاقة الأخرى.تبادل المهرجانات بين "فتح" و"حماس"، يشبه إلى حد ما تبادل السفارات، فبنتيجته بات يمكن لـ"فتح" في غزة أن تمارس عملها السياسي والتنظيمي، مثل الفصائل الأخرى، ولكن ضمن "قوانين" سلطة "حماس" في غزة، فيما بات بإمكان "حماس" في الضفة أن تمارس نشاطاتها دون ملاحقة من سلطة "فتح"، وضمن سياستها العامة، كما هو حال الفصائل الأخرى، وقد لوحظ ذلك جيداً خلال الشهر الماضي، حين شاركت " قوات "فتح" العسكرية ـ كتائب شهداء الأقصى "في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وحين دعمت قيادات "حماس" في الضفة معركة الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة. وحيث إن معركة الفلسطينيين في كل من الضفة وغزة، تبدو الآن واضحة أكثر من أي وقت مضى، وإن كان هناك بعض الاختلاف، فالأولى معركتها سياسية، تتحقق بممارسة المقاومة الشعبية / السلمية، من أجل تحرير الدولة تحت الاحتلال، حيث يمكن أن تشارك منظمة "حماس" ذات التوجهات السياسية، المتوافقة مع برنامج "فتح"، في مثل هذه المقاومة التي لابد أن تندلع في أي وقت لاحق، فيما معركة غزة باتت، الحفاظ على تحررها الداخلي وتحريرها الخارجي، من خلال إقامة توازن عسكري، تتوافق معه إستراتيجية "فتح" في غزة، التي اقتربت كثيراً من إستراتيجية "حماس" في غزة، هكذا يمكن النظر إلى حالة من التوافق وربما حتى التكامل بين "فتح" و"حماس"، وعلى أساسها يمكن صياغة برنامج وطني، يعلن الوحدة أو التوحد بينهما، وهذا الإطار الموحد، يمكن أن يكون (م.ت.ف)، وحتى انتخابات قادمة تجري في الضفة والقدس وغزة، تلحظ سيطرة كل طرف في المنطقة الخاصة به، انسجاماً مع الوضع الخاص بكل منطقة، على أساس التعدد ليس الفصائلي أو الحزبي فقط، ولكن الواقعي والبرنامجي أيضاً.وربما جاء إعلان إقامة حزب "حارس" في القدس، انسجاماً مع هذه الحالة التي تتشكّل الآن، على أساس أن الموضوع الفلسطيني متعدد البرامج، ولابد من الاهتمام بتفاصيله، التي تكمن فيها دقة الصورة، حتى يتم زج كل الطاقات الفلسطينية، وحتى يتحول التعدد إلى باعث قوة وليس إلى مصدر ضعف، حيث إن مشاركة فلسطيني الـ48 بالانتخابات الإسرائيلية، لم تضعف من فلسطينيتهم، بل عززتها، فيما يبقى الشتات بحاجة إلى برنامج خاص به وإلى قيادة، ربما تتوافر في إعادة بناء وصياغة (م.ت.ف) وتفعيلها.المهم أن الفلسطينيين، طووا صفحة الخصام الداخلي، وباتت لحظة الاقتتال وراء ظهورهم، وإذا كان تحررهم التام دونه كفاح طويل، فلابد من خوضه بكل الطاقات الذاتية الممكنة، بقوة غزة الموحدة داخلياً، والمحصنة عسكرياً، ووحدة الضفة الداخلية، والجاهزة لممارسة الكفاح الشعبي ضد الاستيطان، وكذلك "فتح" المجابهة في القدس التي تحتاج أدوات خاصة أيضاً، وكذلك متابعة حراك الخارج من أجل حق العودة، وبذلك يمكن القول إن مفهوم التوحد والوحدة بات أقرب إلى صيغة التكامل منه إلى صيغة الاندماج، وهذا أمر حري بالترقب والتدقيق والمتابعة. Rajab22@hotmail.com