خبر : لإيقاد مشعل المصالحة ..أمجد عرار

الجمعة 14 ديسمبر 2012 12:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
لإيقاد مشعل المصالحة  ..أمجد عرار



كثيراً ما سمعنا من آبائناً تعليقاً تشبيهياً حين ننجز شيئاً ونخرّبه، فيقولون لنا “مثل حراثة الجِمال”، والشاهد هنا أن الجمل يخرّب ما يحرثه . هناك خشية من انطباق هذا التشبيه على واقع الانقسام الفلسطيني الذي بات يتحول إلى داء مزمن . في مرات عديدة يلتقي الطرفان المنقسمان في مكة والقاهرة وصنعاء ودمشق، ويعلنان عن اتفاقات للمصالحة لا تلبث أن تذروها رياح المصالح الضيّقة، ليعود المواطن الفلسطيني إلى وضع رأسه بين راحتيه تحسّراً على الحالة الفلسطينية التي يصّر البعض على إخضاعها لاستنساخ تجارب انقسامات ثورة ال ،36 حيث انتهت بفعل الانقسامات العشائرية واستغلال الثورة لتصفية الحسابات والثارات، وبفعل التدخلات المشبوهة لبعض الأنظمة العربية، بفشل ذريع بلغ ذروته بمحاصرة ظاهرة الشيخ عز الدين القسام وتجفيف جذورها وسيقانها في أحراج منطقة جنين . زيارة زعيم “حماس” خالد مشعل إلى غزة بعد أيام من نجاح المقاومة في صد العدوان “الإسرائيلي” بشجاعة واقتدار، ومن ترفيع التمثيل الفلسطيني إلى مرتبة “مراقب”، وما رافقها من مواقف وخطب نارية على الاحتلال، ومائية على العلاقات الداخلية، هذه الزيارة أنعشت آمال معظم الفلسطينيين بفتح صفحة جديدة للعلاقات الداخلية وصولاً لإنهاء الانقسام وتتويج “الانتصارين” باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية . النبرة السياسية العالية التي طغت على خطابات مشعل في غزة، إن لجهة التأكيد على المقاومة أو التمسّك بفلسطين التاريخية، تصبّ في خانة الدفاع عن الثوابت الوطنية، لكنها بالمقابل تطرح تساؤلاً مشروعاً بشأن ملاءمتها للمصالحة مع مشروع حركة “فتح” والرئيس محمود عباس الذي أكد للتو  تمسّكه بخيار المفاوضات، بل إن السلطة أطلقت مبادرة مشتركة مع الجامعة العربية لاستئناف عملية التسوية، فإذا صدق كلام الجانبين عن نوايا المصالحة، فعلى أي برنامج سياسي؟ . محللون يرون أن مشعل الذي اختتم الاثنين زيارة إلى قطاع غزة، يسعى إلى توظيف النجاح الذي حقّقته الحركة خلال المواجهات الأخيرة مع “إسرائيل” والتغيرات الإقليمية، ليملي شروطه على المصالحة الفلسطينية . لا داعي للاستعجال فمن الواضح أن حواراً مع “فتح” سيعقد قريباً، رغم أن المفروض أن يكون حواراً شاملاً، لكن على أية حال، عندها سيكذّب الماء الغطاس، وسنرى الأسس التي ستقوم عليها المصالحة إن حصل اتفاق بشأنها، والأهم إن تم تنفيذه . لكن اللافت للعديد من المراقبين أن المواقف السياسية التي حفل بها خطاب مشعل السياسي في غزة أعلى بطبقات من المواقف التي نطق بها لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، حيث هبط كثيراً جداً حتى عن مستوى التكتيك السياسي وأحدث تشققات في جدار الاستراتيجية التي قامت عليها “حماس” . هذا ليس تحليلاً انطباعياً، فمشعل أبدى استعداداً لقبول “عدم اللجوء إلى العنف”، وأبدى قبولاً بدولة فلسطينية بحدود عام ،67 إضافة لقبول مبدأ التفاوض مع “إسرائيل” . ربما أراد مشعل أن يُظهر تطابقاً بين التحالفات الجديدة للحركة، والمواقف السياسية، لكن التصريحات التي تصدر عن قائد في الموقع الأول لأي حركة، لا تمثّل كلاماً عابراً إنما تؤكّد سياسة متبناة أو تؤسس لسياسة مختلفة، ما لم يتم نفيها من المؤسسات المركزية في الحركة . على أية حال، تبدو ولادة المصالحة الفلسطينية مرتبطة بالمخاض السياسي والتنظيمي الذي تمر به حركة “حماس”، ولا ينبغي المرور سريعاً على تناقضات طغت على السطح بين قيادات في الحركة، أولاً بعد اتفاق القاهرة قبل بضعة شهور، وأخيراً إبان تحرّك السلطة في الأمم المتحدة . وإلى أن يهدأ المخاض، يبقى إيقاد مشعل المصالحة أهم كثيراً من زيارة مشعل .