جيد أن تشعر كل من "حماس" وقيادة منظمة التحرير أنهما حققتا انتصارات على إسرائيل، الأولى في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وأرادت فيها استعادة قوة الردع التي فقدتها في المواجهات مع فصائل المقاومة في غزة وفشلت في ذلك وسجلت الفصائل انتصاراً معنوياً مهماً. والثانية بحصول دولة فلسطين على اعتراف دولي في الأمم المتحدة بصفة دولة غير كاملة العضوية أو عضو مراقب. ولكن الأهم هو كيفية تحويل هذه الانتصارات إلى فعل سياسي حقيقي يدفع المشروع الوطني إلى الأمام . فهذه الانتصارات هي جزئية وتعتبر خطوات إضافية على طريق التحرير والاستقلال. و يجب ألا يشعر أحد بأننا أنجزنا المهمة ويجب أن نحصد الثمار بمصالح ضيقة هنا وهناك. صحيح أن الأجواء السائدة بعد الانتصارات الأخيرة ايجابية على مستوى أجواء العلاقات الوطنية بين السلطة و "فتح" من جهة و"حماس" من الجهة الأخرى، وفي هذا الإطار يمكن تسجيل بعض السوابق مثل السماح للفصيلين بالاحتفال في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة؛ أي السماح لـ"فتح" بتنظيم مهرجان مركزي في غزة، وآخر لـ"حماس" في الضفة، وأيضاً تمكن فضائية فلسطين من البث المباشر من غزة، والإفراج عن المعتقلين لدى الجانبين، والإكثار من الحديث عن الوحدة الوطنية، وخاصة ما ورد على لسان رئيس المكتب السياسي لحركة"حماس"خالد مشعل الذي زار قطاع غزة للمرة الأولى وشارك في احتفالات النصر التي نظمتها "حماس" والذي قال: إن فصيلاً وحده لا يستطيع أن يتحمل مهمة قيادة الشعب، وان "حماس" لا يمكنها أن تستغني عن "فتح" وبالعكس، ولكن تطبيع العلاقات والأحاديث الايجابية العامة لا تمثل خطوة فعلية وجدية على طريق المصالحة، وهناك خلاف جوهري في النظر للمصالحة. "حماس" تريد الانتخابات ولكن لمؤسسات منظمة التحرير لسببين أولهما صعوبة إجراء هذه الانتخابات خاصة وأن جزءاً منها سيجري في دول عربية قد لا ترغب بعضها في حصول هذه الانتخابات على أراضيها، وعملياً هذه ستحتاج لوقت طويل لتنظيمها وبالتالي ستأخذ" حماس" فترة طويلة من الوقت تعزز فيه شرعيتها وسلطتها. وإن حصلت الانتخابات تعتقد "حماس" أنها ستأخذ فيها الأغلبية مما يمنحها صفة الفصيل الرئيس في منظمة التحرير وتحظى بنصيب الأسد من التمثيل الفلسطيني، وبعدها يمكن أن تفعل ما تشاء بما في ذلك الإبقاء على سيطرتها في القطاع تحت غطاء الشرعية. مهما يحصل تبقى "حماس" في وضع المتفوق والقائد وطنياً. وهذا مبني على حسابات تقديرية بأن لدى "حماس" أغلبية في أوساط الفلسطينيين في الشتات والمهاجر.من جانب آخر تريد "فتح" ومنظمة التحرير أن تبدأ الوحدة على أرض الوطن لأن هذا يقوي القيادة في مواجهة إسرائيل ويحول مشروع الدولة المستقلة إلى واقعي وقابل للتحقيق بسرعة ويدحض الادعاءات الإسرائيلية بأن الشعب الفلسطيني غير ناضج بعد لإقامة دولة لأنه منقسم على نفسه بسبب وجود سلطتين وكيانين سياسيين، وعدم قدرة القيادة الفلسطينية على تطبيق أي اتفاق يوقع معها لأنها لا تسيطر على قطاع غزة، وهذا يعزز قوة الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال ولمشاريع الاستيطان، وكذلك لأن هذا في متناول اليد وبحاجة فقط لتطبيق اتفاق القاهرة المكرر والمشروح في اتفاق الدوحة. وفصائل المنظمة لا تمانع في إجراء انتخابات للمجلس الوطني بناءاً على ظروف مختلف التجمعات الفلسطينية. ما قاله موسى أبو مرزوق وتكرر على لسان أكثر من قائد من "حماس" يظهر بان "حماس" غير مستعدة الآن للذهاب إلى تشكيل حكومة وفاق وطني تقود عملية انتخابات عامة تشريعية ورئاسية في غضون أشهر قليلة لأسباب تتعلق بخشية "حماس" من عدم حصولها على الأغلبية، وهذا مرجح، في الانتخابات القادمة. وللتذكير فإن "حماس" حصلت على نسبة 42.5 في الانتخابات الماضية وبسبب تشرذم "فتح" وضياع أصواتها حصدت "حماس" أغلبية مقاعد البرلمان. وهم يقولون أن الظروف غير ناضجة بسبب الاعتقالات في الضفة وإجراءات الاحتلال التي تمنع قادة "حماس" من الترشح والمشاركة في الانتخابات، وهذه أسباب ومبررات ليست واقعية فكيف ترغب "حماس" في إجراء انتخابات للمجلس الوطني الأكثر تعقيداً وهي ستجرى في الضفة أيضا ولا تتحدث عن معوقات هنا. وحتى حديث خالد مشعل عن الانتخابات لم يوضح أي انتخابات يقصد ولماذا لم يتحدث صراحة عن إقامة حكومة توافق وطني وانتخابات تشريعية ورئاسية.ومن باب الأنصاف يجب القول أن "حماس" ليست وحدها من لا يرغب في المصالحة وإعادة توحيد السلطة والنظام السياسي الفلسطيني بما في ذلك المرجعية الوطنية الممثلة بمنظمة التحرير، فهناك شخصيات قيادية في "فتح" والسلطة لا ترغب في هذا لأسباب تتعلق بمصالح شخصية. وتتلاقى مصالح هؤلاء مع مصالح قيادات "حماس" التي تنعم بكل كعكة قطاع غزة ولا تريد تقاسمها مع أحد، ولا تقبل مبدأ الشراكة السياسية.والحديث عن المصالحة والوحدة أضحى ضريبة كلامية يدفعه جميع المتحدثين من الجانبين دون أن يكون لها أي صدى فعلياً على الأرض لأنها المطلب الأكثر شعبية والذي تلح عليه الجماهير الفلسطينية في كل مناسبة بالنظر لإدراك أهميته لتحقيق الأهداف الوطنية المتفق عليها وفي مقدمتها الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة.و يبدو من مجريات الأمور على الأرض أن المصالحة لا تزال بعيدة المنال بل يظهر أنها ليست على أجندة اهتمام كل الذين لديهم مصالح خاصة أو فئوية في استمرار الوضع الحالي. و يبدو مرة أخرى أننا بحاجة إلى ثورة شعبية عارمة لفرض المصالحة والأجندة الوطنية وقد نكون بحاجة إلى معجزة. و حتى تحصل إحداهما سنظل نسمع الكثير من التصريحات والأحاديث حول أهمية المصالحة والوحدة.