في ولايته الثانية، سينأى الرئيس الاميركي بنفسه عن لعب دور اساسي في التسوية السياسية بين اسرائيل ودولة فلسطين، وستتخذ سياسة "ناعمة" ازاء هذه العملية، بعد أن توصل خلال ولايته الاولى ان رئيس الحكومة الاسرائيلية لن يقوم بالتخلي عن سياسته ازاء المسألة الفلسطينية، خاصة لجهة استمرار العملية الاستيطانية، او المضي قدما في العملية التفاوضية، الا عندما يشعر بضغط دولي جدي، لهذا، فإن ادارة اوباما ستقف جانبا وتترك للمجتمع الدولي، وبالذات الاتحاد الاوروبي، مهمة الضغط على نتنياهو، واميركا تبعا لهذه السياسة "الناعمة" لن تعين مبعوثا خاصا للشرق الاوسط، والاهم من ذلك، انها لن تطرح خطة سلام بين اسرائيل وفلسطين، ذلك ان ادارة اوباما باتت تدرك ان نتتياهو يسعى الى التخلص من عزلته الدولية عبر مسرحية المفاوضات بلا طائل او نهاية التي مارسها في السابق، ادارة اوباما ستدع نتنياهو يقطف ثمار هذه السياسة!! هذا ملخص مقال نشرته اسبوعية نيوزويك الاميركية الاثنين الماضي، للكاتب اليهودي الاميركي بيتر بايلرت المعروف بقربه من الرئيس الاميركي، ويستند عدد من المحللين الى آرائه للتعرف على طبيعة العلاقة بين ادارة اوباما وحكومة نتنياهو، وهو شخصية ليبرالية سبق وان كانت تحليلاته تشير الى اطلاعه على كواليس السياسة الاميركية ازاء الشرق الاوسط واسرائيل تحديداً، علماً انه اشار في مقالة في نيوزويك، الى انه على الرغم من السياسة الناعمة التي ستتخذها ادارة اوباما ازاء حكومة نتنياهو، الا ان هناك ثوابت اساسية لا تندرج تحت هذه السياسة الناعمة: تواصل الدعم العسكري المطلق لاسرائيل، ومنع الفلسطينيين من التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين الاسرائيليين، لكنه ذكر بأن واشنطن لم تضغط من اجل منع التصويت لصالح الفلسطينيين في الجمعية العامة. السياسة الاميركية الناعمة هذه، لم تكن وليدة اية مضاعفات شرق اوسطية، فقد كانت سابقة للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، الا ان تداعيات هذه الحرب، والترتيبات اللازمة لضمان استمرار الهدنة المعلنة التي تمت بوساطة تركية مصرية قطرية بين اسرائيل وحركة حماس، شجعت ادارة اوباما، على ان تعهد الى الاتحاد الاوروبي بدور رعاية اساسية للمساهمة في هذه الترتيبات المتعلقة بشكل خاص بالامن والاقتصاد، وعندما يقول بيتر بايلرت ان واشنطن لم تضغط على اي دولة، وعلى الاخص الحلفاء في الاتحاد الاوروبي من اجل منع التصويت لصالح دولة مراقب لفلسطين في الجمعية العامة، فإن ذلك يشير الى ان واشنطن التي لا تستطيع الا ان تكون بجانب حكومة نتنياهو - على مضض - فإنها لن تعارض الاوروبيين في توجههم نحو اضعاف نتنياهو الحليف غير المرغوب فيه، وان الاتحاد الاوروبي، بات الاداة الاميركية - ان صح القول - لتنفيذ سياسة واشنطن التي لا تستطيع تنفيذها علناً. الاتحاد الاوروبي، تلقف هذه "العهدة" حتى قبل الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، عندما تلقى اشارات من حكومة نتنياهو انها راغبة في تعزيز "حكومة القطاع" بهدف الحفاظ على الهدوء، ولدفعها الى "التحالف السني" المعادي لايران المؤلف من مصر وقطر وتركيا، وتقول يديعوت احرونوت بهذا الصدد عبر مراسلها العسكري اليكس فيشمان، ان محادثات حول تخفيف الحصار قد جرت في القاهرة قبل "عمود السحاب" الا أن هذه المباحثات باتت اكثر عملية وجدية بعد اتفاق الهدنة بنتائج الحرب، في اطار الترتيبات اللازمة لضمان استمرارها، الا ان هذه المباحثات اضافت ابعاداً امنية بعد الحرب، بعدما كانت تقتصر على تسهيلات اقتصادية قبلها، ومن خلال هذه المباحثات يتبين ان حكومة نتنياهو بدلا من سعيها الى اسقاط حماس، صارت معنية بمنح سلطة الحركة قوة، كي تحافظ على الهدوء، خاصة ان هدف الحرب الاساسي قد تحقق بوقف اطلاق الصواريخ. وبالتقاطع مع هذه المباحثات التي تجري في القاهرة، واستناداً الى الدور الاوروبي في اطار السياسة الاميركية "الناعمة" يسعى الاتحاد الاوروبي الى تفعيل مكتب الاتحاد على المعبر الحدودي في رفح، وتدريب المصريين للمساعدة في منع تدفق الاسلحة الى قطاع غزة، ودعم اتفاق مع اسرائيل بالسماح بفتح فوري وغير مشروط للمعابر لتدفق التجارة والمساعدات وتسهيل حركة المسافرين. وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الاميركية، فإن اجتماع الاتحاد الاوروبي في بروكسل قبل ايام، ناقش على هامش مداولاته ورقة المانية تتضمن تفاصيل الدور الاوروبي المقترح للمشاركة الفاعلة في الترتيبات الامنية والاقتصادية، وتبين بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي ان الامر بحاجة الى مزيد من المشاورات، بعدما اصطدمت المناقشات بضرورة الحوار مع حركة حماس كي يتمكن الاتحاد من القيام بهذا الدور، اضافة الى ان انشغال مصر بمشكلاتها المعقدة حالياً، يؤجل بالضرورة البحث في تفاصيل الورقة الالمانية، الا ان هذه المشاورات اكدت من حيث المبدأ، ضرورة عودة مكتب الاتحاد على معبر رفح، وزادت على ذلك، ان هذا المكتب سيتولى الاشراف على كافة المعابر الاخرى. وحديث وزير الدفاع الاسرائيلي المنصرف ايهود باراك، من ان هناك قوى واحزابا اسرائيلية تسعى الى استبدال السلطة الفلسطينية بحركة حماس، قد يكون انطلاقا من هذا الاهتمام المتزايد على الصعيدين الاقليمي والدولي، لقطاع غزة، امنيا واقتصاديا، وكأننا نعيش مرحلة جديدة، تتعارض مع نبوءة الروائي السوداني، ذلك ان موسم الهجرة بات الى الجنوب، بدلاً عن الشمال!! hanihabib272@hotmail.com www.hanihabib.net هاني حبيب