لم تشبه عودة الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حتى اللحظة، إلى غزة، عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات إليها في العام 1994، فقد كانت عودة عرفات إليها إيذاناً ببدء تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، أما عودة مشعل، فجاءت لتأكيد سيطرة حماس عليها، وقد كانت في استقبال عرفات جماهير الشعب الفلسطيني كافة، أما مشعل فقد استقبلته قيادات حركته التي جاء ليحتفل معها باليوبيل الفضي لانطلاقتها. ليس مهماً في رأينا كل ما قاله مشعل في خطاباته التي ألقاها في غزة، على الرغم من ردود الفعل التي قوبلت بها من قبل الفصائل الفلسطينية، ولكن المهم هو ما تنطوي عليه هذه الزيارة من أبعاد داخل الحركة وعلى مجمل الوضع الفلسطيني الداخلي، فهي جاءت لتخطف بقدر ما الأضواء في ظل "النصر" المتحقق قبل أسبوعين فقط، من بين يدي خصمه إسماعيل هنية، ليثبت أنه رجل حماس القوي، حتى لو لم يبق رئيساً لمكتبها السياسي، وليشد من أزر مريديه الذين تعرضوا لضربة قوية باغتيال أحمد الجعبري، أما حديثه عن المصالحة، فهو موجّه من جهة لخصومه داخل الحركة، الذين وقفوا في طريقه حين وقع إعلان الدوحة، والذين تطوي المصالحة امتيازاتهم، ومن جهة ثانية موجه للرأي العام الوطني، تظهره على صورة القائد الوطني المتجاوز للثوب الفصائلي، فهو دخل غزة يرافقه الحديث عن المصالحة، وذلك بهدف توفير زخم "وطني" لزيارته. ولأن الشعب الفلسطيني يترقّب إنهاءً فعلياً للانقسام، ولا يرغب في مزيد من الحديث الإنشائي عنه، فإنه كان يفضل أن يعود أبو مازن إلى غزة، ولو كان مشعل جاداً في إنهاء الانقسام، لعاد برفقة الرئيس وليس منفرداً، لكن من الواضح، أن عودته جاءت لتعزّز قوته داخل حماس من جهة، ومن جهة ثانية لتعزز من حالة الحجيج السياسي لغزة، خاصةً مع إطلاقه خطاباته النارية، التي تختلف كثيراً عن جملة تصريحاته السابقة، خاصةً تلك المتعلقة بالبرنامج الوطني، الذي يمكن أن تجمع عليه القوى الفلسطينية، ويكون مدخلاً لإنهاء الانقسام. من راقب دخول مشعل منصة المهرجان، برفقة إسماعيل هنية، ومن ثم جلوس قادة حماس على المنصة يدرك، ما يحاول قادة الحركة إخفاءه، فعلى الرغم من محاولة هنية أن يظهر كمضيف، وكذلك كند لرئيس الحركة، حيث خرج بجواره إلى المنصة، وكان يحرص على أن يجلس إلى جواره، بإصرار واضح على وجود المنافسة بين الرجلين، فيما غاب عن المشهد قادة "محليون" آخرون، أبرزهم محمود الزهار، الذي يبدو أنه لم ينجح في "تشكيل" قطب ثالث بين أو إلى جوار الرجلين، إلا أن حنكة مشعل، أظهرته كرأس للحركة وكسيد لها حتى في غزة، معقل خصومه من داخلها!. وعلى الرغم من أن وجود حماس / غزة في السلطة أقدم من وجود إخوان / مصر في الحكم، فإن مشعل يبدو أنه تعلّم الدرس سريعاً، ويبدو أنه لا يقبل أن يظهر هنية على صورة مرسي، فيما يظهر هو ـ أي مشعل ـ على صورة محمد بديع أو خيرت الشاطر، لذا فهو يصر على أن يذكّر دائماً، بضرورة المصالحة، التي تذكّر بأن هنية ليس رئيس حكومة الفلسطينيين كافة، وأنه إذا كانت الذاكرة الفلسطينية تحتفظ لهنية بصورة الانقلاب، فإن مشعل يسعى للدخول إلى السلطة وحتى الرئاسة الفلسطينية من بوابة المصالحة، التي يحلم بها الشعب ليل نهار، على الرغم من أن الانقلاب، لم يحدث إلا في ظل قيادته للحركة. كما أن وجود خالد مشعل في غزة، من الواضح أن له علاقة بانتخابات مفصلية وحاسمة في حماس، ستحسم نتيجتها خلال أيام، وواضح أن وجوده في غزة، التي تقود معركة شق عصا الطاعة على الخارج، تؤثر على نتيجة هذه الانتخابات، التي إن كان من نتيجتها خروجه من رئاسة الحركة، فهو يحرص على أن تظل بيد مقربيه، وأن تذهب لموسى أبو مرزوق وليس لإسماعيل هنية، وربما ظهوره بهذا الشكل "الوطني" يدفع الحركة إلى "ابتداع" منصب رئيس الحركة، أو مرشدها العام، أي ابتكار منصب ليس بالضرورة أن يكون شرفياً، ويكون أعلى من منصب رئيس المكتب السياسي، ويكون أو يفصل له خصيصاً. أهم ما في الأمر برأينا، والذي من شأنه أن يوضح الصورة تماماً، ويفسّر أبعاد الزيارة، هو ما سيقرره مشعل خلال الأيام القادمة، فهل سيبقى في غزة، ويجعل منها مقره الدائم، أم أنه سيبقى حتى يعلن عن الرئيس الجديد للمكتب السياسي، أم أنه سيخرج منها إلى القاهرة للقاء الرئيس محمود عباس، ومن ثم العودة مكللاً بتاج إنهاء الانقسام، حتى يحسب له، وتفتح له الأبواب واسعة لرئاسة (م.ت.ف)، أو حتى رئاسة دولة فلسطين تحت الاحتلال، ذلك أن انتخابات الضفة والقطاع ستنتخب رئيس دولة فلسطين، وهو مسمى سيكون بديلاً عن مسمى رئيس السلطة الفلسطينية، ومن الواضح أن مشعل الذي فقد مقر إقامته في دمشق، حائر منذ بضعة أشهر في تحديد مقر إقامته، وهو يبحث عن مكان مفقود، في سياق بحثه عن مكانة مفقودة، بين الدوحة والقاهرة، وإذا كانت الإقامة في الدوحة تعني "اعتزالاً" سياسياً، فإن القاهرة التي بالكاد احتملت وجود نائبه أبو مرزوق فيها، ربما لا تحتمل وجوده، حتى وإن كان المقيم في "الاتحادية" رئيساً إخوانياً، والإقامة في غزة، لن تكون مقبولة على الرجل إلا أذا بقي الرجل الأول في حماس، وإلا فإن من يقيم فيها لابد أن يخضع "لقرارات" وربما حتى تعليمات وتوجيهات رئيس حكومتها، أو رأس نظامها ـ أي إسماعيل هنية ـ، هذا الوضع، لن يتبدّد غموضه إلا بعد إعلان نتائج انتخابات حماس الداخلية، ووجود كل قادتها في غزة، سيعني أن غزة صارت هي رأس مالها الوحيد، وأن هرمها القيادي سيترتب بناء على تراتبية وجودها في السلطة نفسها، تماماً، كما فعل الراحل ياسر عرفات، الذي جمع بين كونه رئيس "فتح" والمنظمة والسلطة، وحيث لا يشجع النموذج المصري أحداً بأتباعه والسير على طريقه. Rajab22@hotmail.com