خبر : مشعل في غزة: تكريس القيادة ثم المصالحة ..خالد الحروب

الإثنين 10 ديسمبر 2012 12:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مشعل في غزة: تكريس القيادة ثم المصالحة ..خالد الحروب



يمكن القول ان احد اهداف "حماس" من وراء زيارة خالد مشعل رئيس حركة حماس الى قطاع غزة هو إعادة تجديد قيادته للحركة عبر فترة ولاية اخرى. ارادت حماس، وبذكاء، ان تُعيد مشعل على رأس القيادة لكن عبر استعراض كبير للكاريزما التي يتمتع بها ومن خلال الحشود الكبيرة في القطاع وعلى خلفية فشل اسرائيل العسكري الاخير ضد غزة حتى تزيل ما علق في أذهان الكثيرين من لغط واقاويل وتوقعات حول استقالته من منصبه، وما رافق ذلك من ارتباك في تصريحات قياديي حماس، ثم ما تلا ذلك من عدم انتخاب بديل عنه. تترافق إعادة التتويج هذه مع ما تواتر عن وجود رغبة دول عربية عدة ببقاء مشعل من ضمنها مصر والاردن وقطر. ويمكن القول، تقديراً وتوقعا هنا، ان ذات الرغبة موجودة ايضا عند الرئيس الفلسطيني محمود عباس اذ بنى القياديان علاقة قوية شبه متميزة في خضم التنافس والاحتقان الفتحاوي - الحمساوي خلال السنوات الماضية. ربما رأت حماس وربما تلقت النصيحة من اكثر من طرف بضرورة الابقاء على مشعل في المرحلة الحالية وعدم التفريط بخبرته وبشبكة علاقاته الاقليمية التي نجح في بنائها في السنوات الماضية. بناء على ذلك كله يعود مشعل قائداً لحماس عبر عملية تنصيب شعبي واسعة النطاق تجب المرحلة التي سبقتها وما شابها من ضعف وتردد وحيرة إزاء من سيخلفه. بعيدا عن تقديرات حماس وإعادتها لمشعل قائداً لمكتبها السياسي، ومن زاوية المصلحة الوطنية الفلسطينية، فإن بقاء مشعل وعودته للقيادة سوف تخدم بالتأكيد مسار المصالحة الوطنية، ومحاولات ايجاد ارضيات توافقية مشتركة. ففي خلال السنوات الماضية استطاع مشعل ان ينتقل في خطابه ووعيه السياسي ونظرته العربية خطوات واسعة ومشهودة من مستوى الهم التنظيمي الى مستوى الهم الوطني. في داخل التنظيمات والاحزاب الفلسطينية، كما هي حال الاحزاب في كل مكان، يختلط ما هو حزبي بما هو وطني، وما هو خاص بما هو عام. يسود في غالب الاحايين التبرير النظري المُستند إلى فكرة ان التنظيم وُجد اساسا من اجل خدمة الوطن لذلك فإن افتراض وجود تضارب بين مصلحة التنظيم ومصلحة الوطن هو مسألة "مفتعلة" و"مغرضة". بيد أن واقع الامر والسياسة، ومرة اخرى في كل مكان، يدلل على شواهد دائمة ومستديمة تشير الى جبروت فكر التنظيم واولوياته التي تطيح بكل الاولويات الاخرى، حتى لو كانت وطنية. والوعي بهذه الاشكالية العميقة والاعتراف بها ثم التعامل معها يحتاج الى جبروت فكري وشجاعة سياسية غالبا ما تكون نادرة في الاوساط الحزبية، حيث التنافس على الظهور بمظهر المخلص للتنظيم وافكاره وايديولوجيته. لنا أن نتأمل واقعة الانقسام الفلسطيني وتقديم الحزبي على الوطني عند فتح وحماس برغم كل الادعاءات بغير ذلك. الاولوية الوطنية هي الوحدة والاولوية الحزبية هي الانقسام، والثانية هي التي سادت في السنوات الماضية. كلما يزداد عدد القادة الحزبيين المنتقلين حقا وفعلا الى افق وطني، مع بقائهم في مواقعهم القيادية الفاعلة في احزابهم او دوائر تأثيرهم، تزداد احتمالات التوافق الوطني والوصول الى برامج سياسية وائتلافية مشتركة. هذه المجموعة التي تضع قدما في "الوسط السياسي" التوافقي وقدما داخل احزابها، اضافة الى مجموعات المستقلين ذوي الصدقية الوطنية، هي التي تقوم بالمهمة التاريخية التي اسمها تأسيس وتعزيز التحالفات والتوافقات الوطنية، وهي التوافقات التي لا يمكن ان تبدأ فلسطينيا إلا بالمصالحة. ممثلو هذه المجموعة، وهم قيادات في احزابهم، يتعرضون دوما الى الاتهام التقليدي داخل احزابهم بأنهم "يفرطون" في ثوابت التنظيم، أو انهم اصبحوا بعيدين عن "نبض الداخل"، وعادة ما يكون متهموهم من "الصقور" الذين يرفعون سقف الخطاب وبنبرة تتسم عادة بالمزايدة الداخلية والتنظيمية. لقد كسب الوسط الوطني خالد مشعل، وبقاؤه في منصبه القيادي في حماس يجب ان يُعتبر تعزيزاً للوسط الوطني المُناط به انجاز التوافقات المأمولة.يرتبط ما سبق عضويا بمسألة المصالحة الفلسطينية وفي التساؤل إن كانت قد نضجت الظروف حقا للمصالحة التي طال اوانها وفي ما ان صرنا قريبين من اغلاق هذا الملف بشكل جدي ونهائي. في الاطار العام للصورة هناك بالتأكيد عناصر جديدة تشير الى ان الشروع في المصالحة بات امرا يتصدر اوليات الاطراف الاساسية وخاصة فتح وحماس. تأكيدات الرئيس عباس وخاصة بعد معركة الحصول على وضع الدولة (غير العضو) في الامم المتحدة توالت وما زالت إزاء اولوية المصالحة. ومن المفهوم ان اغلاق اسرائيل لأي منافذ اخرى، فضلا عن التأييد الاميركي الاعمى والمقرف للموقف الاسرائيلي، ساهم في دفع اشرعة الرئاسة باتجاه ترتيب البيت الداخلي استراتيجيا والبدء بالمصالحة. وبالتوازي مع ذلك توالت تأكيدات حماس وخاصة خالد مشعل قبل وخلال زيارته لقطاع غزة لتصب في نفس الاتجاه. التأكيدات من الطرفين تقول إن المصالحة هي استراتيجية اساسية ولا يمكن التنازل عنها، وهي تأكيدات مهمة واساسية بحد ذاتها وحتى لو كانت هناك شكوك حول مدى ترسخها في الاوساط التنظيمية والحركية الواسعة للفصيلين. كما يجب التمسك، اي التأكيدات على اولوية المصالحة، كإحدى لوائح المحاسبة الشعبية التي تُسأل عنها فتح وحماس معاً. ومقولة المصالحة "اولوية استراتيجية" مغزاها الحقيقي وترجمتها العملية على الارض تعني تقديمها على اي استراتيجيات اخرى، سواء اكانت استراتيجية المفاوضات والمحافظة على العلاقة الامنية والغطاء الاميركي في الضفة الغربية، او استراتيجية "التمكين" وترسيخ سيطرة حماس في قطاع غزة.احد اهم العناصر الجديدة التي تعزز التفاؤل الحذر بقيام مصالحة يتلخص في مقادير الثقة التي صارت تتوفر الآن لدى فتح وحماس بعد معركتي حرب الايام الثمانية (بالنسبة لحماس) والامم المتحدة (بالنسبة لفتح). كل من الحركتين تقف ارضية اكثر صلابة ولديها رأس مال سياسي وشعبي من المفترض ان يقود الى افق توافقي جديد عند الحديث عن المصالحة. خلال المعركتين كانت هناك مستويات من التضامن والتأييد المتبادل لم تكن مُشاهدة في السابق. في جولات سابقة من نفس المعارك، حرب الرصاص المسكوب في اواخر 2008، ثم خطاب محمود عباس امام الامم المتحدة العام الماضي والذي لم يستكمل بتقديم طلب عضوية فلسطين، خاص كل طرف معركة خاصة به، في ما وقف الطرف الاخر إما محايدا، او مناكفا، او في بعض الاحيان شامتاً بالفشل! الآن نلحظ ديناميات مختلفة تتطور يدعمها وضع عربي واقليمي مخلتف مع غياب نظام مبارك وانكسار الحصار على غزة وسوى ذلك من تغيرات اقليمية. الاطار العام الذي يمكن ان تتم فيه المصالحة تحسن ايجابيا، لكن الاساس الذي يمكن ان تقوم عليه مصالحة مستديمة هو الذي يشكل التحدي الحقيقي وهو البرنامج السياسي. هنا يجب ان تتوجه الجهود ويجب ان تطرح الافكار الخلاقة، وعلى نار هادئة ومن دون استعجال يؤدي الى اتفاقات غير ناضجة فشلها المستقبلي يولد احباطات اضافية ولا يقدم شيئا لمستقبل فلسطين وتحررها. Email: khaled.hroub@yahoo.com