حتى لو لم يقتنع البعض بعد بأن أسرائيل، طالما لعبت على الانقسام الفلسطيني، حتى وهي تشن الحرب الثانية على غزة، مستهدفة ليس حماس فقط، ولا غزة فقط، ولكن فتح والسلطة أيضا، وكل المشروع الوطني، وأنها كانت تستهدف وقف الهجوم السياسي عليها في الأمم المتحدة بالأساس، فإن المعطيات اللاحقة أكدت الى أبعد الحدود هذا الأمر، وقد سهل علينا إدراك الفرقاء الفلسطينيين، خاصة المستوى القيادي هذا الأمر، وبعد ان توحد الفلسطينيون في مواجهة الحرب، توحدوا أيضا وراء الرئيس وهو يقاتل على الجبهة الأممية، بما حقق نصرا فلسطينيا مزدوجا، طال انتظاره، وأكد الى اي مدى يمكن لوحدة داخلية ولتكامل الأدوار أن يحقق الكثير للقضية الفلسطينية . فتح الآن والرئيس محمود عباس في موقع قوة، وكذلك حركة حماس، والتقارب الذي حصل خلال شهر تشرين ثاني الماضي، على جبهتي المقاومة والدبلوماسية، قرب كثيرا من لحظة انهاء الانقسام، ومؤشرات هذا الأمر عديدة، فقد تبادل الرئيس وقادة حماس الاتصالات المباشرة أبان الحرب وخلال المواجهة السياسية في الأمم المتحدة، وما اعقبهما من زيارة وفد المجلس الثوري لحركة فتح لقطاع غزة، ومن إفراج حركة حماس عن معتقلي فتح في قطاع غزة، وتدفق اعلانات حماس بالذات، عن ضرورة تتويج الانتصارات الفلسطينية بإنهاء الانقسام فورا ومباشرة بعد عودة الرئيس من نيويورك . بعد ان شبع الفلسطينيون الانقسام، والعيش في وهم تحقيق " انتصاراتهم " بعضهم على بعض، دلهم النصر المزدوج على الإسرائيليين، على الوجهة الصحيحة للطريق، لذا فأن الجميع الآن بانتظار لحظة الحقيقة التي طال انتظارها، ولا أحد بالطبع يعرف بالضبط الصورة أو الشكل الذي سيكون عليه إنهاء إعلان الانقسام، فهل سيذهب ابو مازن الى غزة وحده ام مع مشعل، أم مع أردوغان، قبل أم بعد إعلان إنهاء الإنقسام، أم ان الصورة يمكن ان تخرج على أبهى شكل، بعد ان يلتقي الجميع في القاهرة، ويعلنوا إنهاء الانقسام ومن ثم يتجهوا ( أبو مازن، مشعل، أردوغان، وحتى مرسي ) الى غزة معا ! المهم في الأمر أن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الداخلية ومن ثم الوحدة الوطنية، تتطلب قيام مصر بجمع الفرقاء، وإغلاق هذا الملف، وقد أظهرت القاهرة / الجديدة، قدرة على إنهاء كثير من المسائل بسرعة، وقد حققت إنجازا عزز من مكانة الرئيس المصري، حتى داخل بلاده وفي مواجهة خصومه السياسيين، حين حقق وقف اطلاق النار قبل نحو أسبوعين بين غزة وأسرائيل، وإذا ما حقق المصالحة الفلسطينية الداخلية، فإن شعبيته بين الفلسطينيين ستتعاظم، بغض النظر عن مكانته داخل بلاده . لكن السؤال الحقيقي الذي يواجه أحلامنا الآن هو هل مصر، وبعد اعلان رئيسها الأعلان الدستوري في 22 من الشهر الفائت، والذي على إثره " إشتعلت " مصر بين معارض ومؤيد للإعلان، قادرة او لديها الوقت، لتغلق الملف الداخلي الفلسطيني، الصورة من الخارج محبطة، وتقول بأن بلادا توجه مشكلة داخلية لن تكون قادرة على الالتفات للخارج، لكن من زاوية أخرى، يمكن القول، أن الملف الفلسطيني أصلا هو ملف أمني، يتابعه جهاز المخابرات المصري، ولحماس مصلحة في تعزيز مكانة نظام الحكم الحالي / الأخواني في مصر، من خلال تسهيل هذه الخطوة، لذا فإن هناك مبعثا ومبررا للتفاؤل . في كل الأحوال وبغض النظر عن حاجتنا _ كفلسطينيين _ الماسة للوحدة الداخلية، فإننا نحتاج مصر قوية وعفية وموحدة، لأن مصر هي العمود الفقري لكل العرب، ودونها لا يمكن تحقيق أي انتصار يذكر على إسرائيل أو على اي من أعداء العرب، وإذا كان سلاح غزة، قد حقق اختراقا لكامب ديفيد لصالح مصر، بالنظر الى ان سيناء منزوعة السلاح، فإن غزة مسلحة تعتبر خط دفاع متقدما عن أمن مصر، شريطة ان يتعمق الوعي الإستراتيجي في غزة، ويمتد ليكون وطنيا / قوميا، وليس حزبيا او عقائديا، وحين تكون غزة جزءا من الدولة الفلسطينية، وهي بعد إعلان الدولة، يمكن أن تكون مقرا لهذه الدولة، باعتبارها جزءا محررا منها، ومن هذه الزاوية تم تحقيق تقدم، بعد أن تراجعت قدرة إيران في غزة وتقلص نفوذها وتأثيرها على سلاح غزة وعلى مقاومتها . نكاد نشعر بأن الوضع الداخلي في مصر ليس شأنا مصريا وحسب، ولكن ومع مراقبة ما يحدث من خلاف حقيقي ومن تراشق إعلامي بين مؤيدي الإعلان الدستوري، وما سيتبعه من استفتاء على الدستور الجديد، يشير الى ان هناك مشكلة حقيقية في مصر، تدفع بها الى أتون الحرب الأهلية، التي يمكن أن تؤدي الى تفكك الدولة، والى حدوث انقسام داخلي فيها، رغم الوحدة الجغرافية ورغم تداخل مكونات المجتمع المصري، لذا يجب على جميع المخلصين من العرب أن يتداعوا لاحتواء الموقف المصري الداخلي، ومواجهة الأصابع الخفية التي تؤجج النار، والتي لها مصلحة في تعطيل قدرات مصر عن مواجهة المسعى الإسرائيلي لإغراق المنطقة العربية بأسرها، وبالتحديد في اهم دولها المركزية : مصر، العراق، سورية، تونس... في مشاكل داخلية، ذلك ان تجسيد دولة فلسطين على الأرض وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، يتطلب الوحدة الداخلية وتكامل الأدوار بين قوى المقاومة وقوى الكفاح السياسي، أولاً، وثانيا وضعا عربيا قويا مساندا، يشمل مصر، سورية، العراق، وإلا فإنه ليس فقط الفلسطينيون سيضيعون في ترتيبات إقليمية جديدة، بل كل العرب، ولن يفتقد الفلسطينيون وحدهم وحدتهم الداخلية، بل العراقيون، السوريون وحتى المصريون، فهناك دفع خارجي لتجزئة ما هو مجزأ من هذا الوطن العربي الكبير، وتبدو اللحظة صعبة للغاية، وتحتاج من القوى السياسية الإقدام على خطوات تاريخية، ولعل الأخوان الذين بعد نحو خمس سنوات باتوا يتحلون بمثل هذا في فلسطين، يحتاجون الآن في مصر، وفي مقدمتهم الرئيس شخصيا، الى التحلي بروح المسؤولية العالية حفاظا على وحدة مصر وعلى مستقبلها، ومعها وحدة ومستقبل العرب أجمعين . Rajab22@hotmail.com