سبق أن اصيبت قيادة حكومة نتنياهو بالصدمة، عندما تأكدت من ان المانيا، ستمتنع عن التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مكانة فلسطين كدولة مراقب في المنظمة الدولية، ذلك أن المانيا من الدول الاوروبية الأكثر التزاماً بالدفاع عن اسرائيل في المحافل الدولية، والتزمت دائماً بالتصويت لصالحها، ومع ان "الامتناع" لا يعني الموافقة إلا ضمنياً، الا أن اسرائيل اعربت عن صدمتها لهذا التطور المهم في سياسة ألمانيا حيالها .. هذا مع المانيا! فماذا اذا كان الأمر اكثر من ذلك بكثير، لأول مرة منذ اقامة الدولة العبرية العام ١٩٤٨ تقوم كل من فرنسا وبريطانيا بالتهديد بسحب سفرائها من تل ابيب احتجاجا، وقامت السويد بذات الاجراء، اثر قرار حكومة نتنياهو ببناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية، الا ان الدول الثلاث اكتفت باستدعاء سفراء اسرائيل لديها احتجاجا وادانة لقرار حكومة نتنياهو، باعتبار هذا القرار يشكل عائقاً حقيقياً امام استئناف العملية السلمية، وطالبت خارجية هذه الدول من سفراء اسرائيل لديها بضرورة ان تقدم حكومة نتنياهو على الغاء هذا القرار، والا فإن حكومات هذه الدول قد تتخذ اجراءات صعبة. ويمكن تفسير اكتفاء هذه الدول باستدعاء السفراء الاسرائيليين لديها وليس سحب سفرائها من تل ابيب، بأن هذه الدول تحاول التدرج في اجراءاتها العقابية، فاذا ما سحبت سفراءها في الخطوة الاولى، فإنه لن يكون لديها ما تفعله على النطاق السياسي الدبلوماسي في حال اتخذت اسرائيل خطوات اكثر خطورة، ذلك ان استدعاء سفراء اسرائيل لدى هذه الدول، مجرد خطوة اولى تتناسب مع امكانية التصعيد المتبادل تصعيد اسرائيل بخطوات عقابية ضد دولة فلسطين، وتصعيد اوروبي في مواجهة هذا التصعيد الاسرائيلي، وبالتالي فإن البدء باستدعاء سفراء اسرائيل، هو الخطوة التحذيرية التي لا بد منها في اطار العلاقات الدبلوماسية، اما الخطوة التالية، في حال عدم استجابة حكومة نتنياهو، او الاقدام على خطوات عقابية تصعيدية اضافية، فستكون باستدعاء سفراء هذه الدول لدى تل ابيب، وهو ما اشار اليه ضمناً المتحدث باسم الخارجية البريطانية قائلاً: "دأب وزير الخارجية ان يوضح بشكل جلي ان البناء الاستيطاني، وأحد امثلته قرار الحكومة الاسرائيلية الاخير بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة، يهدد حل الدولتين، وان ذلك يشكل صعوبة اضافية امام انطلاق المفاوضات، ولو مضت اسرائيل قدماً في تنفيذ قرارها، فسيكون هناك رد قوي" وجاء تصريح الناطق باسم الخارجية الفرنسية مماثلاً، ما يشير الى ان هناك تنسيقاً واضحاً بين باريس ولندن، وربما عواصم اوروبية اخرى، لاتخاذ موقف موحد ازاء الاجراءات الاستيطانية الاسرائيلية، لم يعد يقتصر على التنديد والاحتجاج، بل خطوات جدية، دبلوماسية وتجارية تتعلق بانتاج المستوطنات الذي يصدر الى عدة دول اوروبية، تنفيذا لقرارات اوروبية سابقة، لم تنفذ في الغالب، ويتم التحايل عليها في كثير من الاحيان، الا أن مواقف الدول الاوروبية بعد حصول فلسطين على وضع دولة مراقب في الامم المتحدة، وطبيعة التصويت الاوروبي على هذا القرار، يعكس جدية اوروبية في التعامل بحزم مع الاجراءات الاسرائيلية التي تعيق استئناف العملية التفاوضية وحل الدولتين. ان قيمة هذا الموقف الاوروبي، انه ينطلق من دول صديقة لاسرائيل، والتزمت عادة بالوقوف الى جانبها في المحافل الدولية، ما يشير الى ان المعادلة قد تغيرت، كما جاء على لسان الرئيس ابو مازن بعد عودته من نيويورك، التي ذهب اليها رئيساً لسلطة، وعاد رئيساً لدولة، كتعبير هو الأوضح عن هذه المعادلة الجديدة التي فرضتها دولة فلسطين على المجتمع الدولي الذي احتضنها بينما أبقت الدولة العبرية في عزلة لم تشهدها منذ قيامها قبل اكثر من ستين عاماً. ان التحرك الاوروبي هذا، لا يعفي دولة فلسطين من ان تقدم على خطوات ملموسة بالانضمام الى المنظمات الدولية الفرعية، وعلى الأخص المحكمة الجنائية والعدل والتقدم بالشكاوى حول هذه الاعتداءات الاسرائيلية "الجديدة" كالتوسع الاستيطاني ونهب اموال الدولة الفلسطينية علناً من خلال قرار وزير المالية الاسرائيلية بعدم سداد المقاصة الخاصة بالجمارك، واذا كان الرئيس عباس قد اشار الى ان فلسطين لن تتوجه للجنائية الدولية إلا اذا اقدمت اسرائيل على عدوان جديد، فها هو العدوان قد حدث، ويجب عدم التعلل بالموقف الاميركي كمبرر لعدم الحصول على عضوية المنظمات الدولية الفرعية، خاصة وان حكومة نتنياهو، المصابة بالجنون اثر التحرك على المسار الفلسطيني، وقد تلجأ لمزيد من الاجراءات العقابية، يشجعها على ذلك اكثر الحملة الانتخابية البرلمانية، الامر الذي يجب ان يدفع بالجانب الفلسطيني، لاستخدام اوراقه القوية في مواجهة هذه الاجراءات، ومن بينها اللجوء للمحاكم الدولية، وطلب الانتساب والعضوية بكافة المنظمات الدولية الفرعية. ما اشارت اليه الخارجية الفلسطينية من انها ستجري تقييما لعلاقاتها مع الدول الاخرى انطلاقا من موقف هذه الدول وتصويتها في الجمعية العامة، يعكس اطارا سياسياً جديداً في العلاقات الفلسطينية الخارجية التي يجب ان توفر دعماً عربيا مماثلاً لهذه الخطوة بحيث تحسب كل دولة حساباً ازاء مواقفها، عوضا عن ما جرت عليه الامور حتى الآن، من تجاهل أية امكانية للضغط السياسي والاقتصادي واستثماره ايجابا في علاقاتنا العربية مع الدول الاخرى. Hanihabib272@hotmail.com www.hanihabib.net