يوم الخميس، 29 تشرين الثاني، اتخذت الجمعية العمومية للامم المتحدة قرارا بمنح دولة فلسطين مكانة دولة مراقبة في الامم المتحدة. معنى القرار – اعتراف الجمعية بوجود دولة فلسطينية. من ناحية قانونية توجد حجج لا بأس بها يمكن طرحها ضد الاساس القانوني لوجود دولة فلسطينية. اولا، كي يكون كيان ما دولة عليه أن يستوفي عدة شروط – واحد منها هو وجود حكم فاعل على الارض وعلى السكان. الفلسطينيون بأنفسهم يدعون بأن اراضي يهودا والسامرة (او الضفة الغربية) توجد عمليا تحت احتلال اسرائيلي. ثانيا، يوجد شك اذا كان ممكنا القول ان للحكم الفلسطيني في رام الله سيطرة على ما يجري في قطاع غزة. يمكن بالتالي تثبيت حجة مناسبة بموجبها هم لا يستوفون متطلبات وجود حكم فاعل. فضلا عن ذلك، امتنعت السلطة الفلسطينية عن الاعلان عن نفسها كدولة. ومع أن م.ت.ف قامت بالاعلان في العام 1988، الا انه واضح بان في حينه لم يوجد اي من الشروط اللازمة لوجود دولة ومعظم العالم تجاهل هذا الاعلان. وهكذا يمكن بالتأكيد الادعاء بانه في غياب اعلان متجدد عن دولة من جانب الفلسطينيين أنفسهم، فلا مكان للحصول على اعتراف من الامم المتحدة. ومع ذلك، فالتحليل القانوني آنف الذكر، والذي يمكن بالتأكيد توسيعه وتفصيله أكثر بكثير، فانه ليس هو من قرر موقف معظم الدول التي شاركت في التصويت، بل اعتبارات سياسية داخلية وخارجية فقط. بعض الدول أيدت القرار، مثلما تؤيد دوما، بشكل تلقائي، كل قرار يؤيد الفلسطينيين، مثلما أيضا في كل قرار يخرج ضد اسرائيل. دول اخرى صوتت مع القرار، كي تعبر عن عدم رضاها من انعدام التقدم في تسوية انزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. في أعقاب اعتراف الجمعية العمومية للامم المتحدة بالدولة الفلسطينية، يمكن للفلسطينيين أن يطلبوا الانضمام الى منظمات دولية ومواثيق دولية، لا يتسنى الانضمام اليها الا للدول. اضافة الى ذلك، فان بوسعهم أن يستأنفوا توجههم الى المدعي العام (اليوم المدعية العامة) في محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في كل جرائم الحرب، التي يدعون انها ارتكبت في اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. وذلك استنادا الى فتوى المدعي العام السابق، الذي قضى بان اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية يشكل اساسا كافيا لطلب فلسطيني بمثل هذه التحقيق. وفي هذا التصنيف يمكن ان يندرج موضوع اقامة مستوطنات بسبب صيغة البند ذي الصلة في دستور المحكمة. وسيتناول الطلب، كما يمكن أن نفترض، كل الافعال التي وقعت ابتداء من تموز 2002 (موعد دخول دستور المحكمة الجنائية حيز التنفيذ)، وان كان ثمة حجج ضد الانطباق بالاثر الرجعي في هذا السياق. اذا ما تم تحقيق من المحكمة فانه سيتناول كل الافعال التي ارتكبها كل الاطراف، اي من قبل الطرف الفلسطيني ايضا. من جهة اخرى، فان اعتراف الجمعية العمومية للامم المتحدة بدولة فلسطينية لن يؤدي الى تغيير الواقع القائم على الارض. أولا وقبل كل شيء من جانب الحقائق، بسبب استمرار وجود الجيش الاسرائيلي في المنطقة واستمرار القيود القائمة على السلطة الفلسطينية. ولكن، فضلا عن ذلك، من الجانب القانوني ايضا. فمعنى اعتراف الامم المتحدة هو في واقع الامر أن من ناحيته يعتبر الكيان الفلسطيني دولة، ولكن لا يزال يدور الحديث عن دولة، حسب موقف معظم دول العالم، ان لم يكن كلها، توجد تحت احتلال اسرائيلي. الاختبار للاحتلال هو اختبار الحقائق، المستند الى السؤال: لمن السيطرة الفاعلة على الارض؟ مجرد الاعتراف بدولة لا يغير هذا الواقع. وبالتالي ستبقى لاسرائيل الحقوق، وكذا الواجبات، النابعة من مكانتها كاحتلال (على الاقل في كل ما يتعلق بمناطق يهودا والسامرة. في قطاع غزة يوجد جدال أكثر اهمية اذا كان لا يزال مستمر الاحتلال الاسرائيلي). اضافة الى ذلك، توجد قيود على الطرفين مصدرها الاتفاقات التي وقعت بينهما، والتي وان كانت توجد خلافات حول مكانتها القانونية (وكذا امكانية معنية في أن تقرر اسرائيل الاعلان عن الغائها)، ولكن يبدو أن موقف الساحة الدولية هو مواصلة التعاطي معها بأنها ملزمة. وبمراعاة ما قيل أعلاه، عند فحص كيف ينبغي لاسرائيل ان ترد على قرار الجمعية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، يبدو أن الاستنتاج هو ان تركيز اسرائيل يجب ان يكون في الساحة الدولية وليس في خطوات على الارض. وكما سنرى لاحقا، ثمة علاقة بين هذين المستويين. بالنسبة للساحة الدولية، على اسرائيل أن تقلص الاضرار المحتملة من رفع مستوى مكانة السلطة الفلسطينية الى دولة. العمل في المنظمات المختلفة، كمنظمة الطيران الدولي، منظمة الاتصالات الدولية وغيرها – للتأكد من عدم تضرر المصالح الاسرائيلية. وذلك الى جانب عمل دبلوماسي في كل القنوات، وذلك لانه يمكن التوقع بارتفاع حجم وقوة الادعاءات الفلسطينية التي سترفع ضد اسرائيل وضد اعمالها على الارض. وينبغي العمل في المحكمة الجنائية، بشكل مباشر وغير مباشر على نزع الخوف من دعاوى ضد اسرائيليين. فالمحكمة نفسها لا تسارع الى ادخال رأسها في هذا النزاع المشحون والانشغال في مواضيع سياسية صرفة، ولكن يمكن الافتراض بانه ستكون ضغوط عديدة من الجهة المضادة. الرسالة الاساس في الساحة الدولية يجب أن تكون انه ينبغي الامتناع عن اعمال من شأنها فقط أن تضر بتسوية النزاع بحيث أنها توسع الفجوة بين التوقع وبين التحقق في أوساط السكان الفلسطينيين، أو تضيف عوائق اخرى للنزاع، المعقد على اي حال. كما أن هناك أيضا مكان لفحص استغلال الاثار الايجابية للاعتراف بوجود دولة، مثلا على مستوى المسؤولية الفلسطينية عما يجري في اراضيها. بالنسبة للساحة الداخلية، كما اسلفنا على اي حال ليس لـ "الدولة الفلسطينية" امكانية عملية للقيام بالكثير من التغييرات على الارض. هنا يبدو ان أساس الرد على السلطة الفلسطينية يجب أن يكون بالتالي سلبيا، بتجاهل التغيير، عديم المعنى بالنسبة لاسرائيل. في هذا السياق يجب التشديد على نقطتين: اولا، اعمال من شأنها أن تؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية - وقف تحويل الاموال، قطع الاتصال في مواضيع هامة – تتعارض والمصلحة الاسرائيلية. ليس لاسرائيل مصلحة في العودة الى السيطرة على نحو 2 مليون فلسطيني، ادارة حياتهم اليومية، الاهتمام بالتعليم، الصحة والرفاه الاجتماعي. معنى انهيار السلطة الفلسطينية هو اعادة المسؤولية الى اسرائيل. ثانيا، من ناحية قانونية (ويمكن الادعاء من الناحية الاخلاقية ايضا) لاسرائيل واجبات تجاه السكان الفلسطينيين بحكم سيطرتها على الارض (سواء وافقنا على الفرضية بان اسرائيل هي الاحتلال في المنطقة أم الفرضية بانها توجد هناك بحكم حق السيادة، كموقف التقرير للجنة برئاسة ادموند ليفي). خطوات تضر برفاه السكان الفلسطينيين أو تشكل عقابا جماعيا لهؤلاء السكان هي خطوات غير قانونية. أما بالنسبة للنشاط الاسرائيلي في توسيع الاستيطان، من ناحية قانونية، فان مجرد الاعتراف بدولة لا يغير شيئا من ناحية جوهرية الادعاءات التي تطرح ضد اسرائيل على هذا الصعيد، وان كان سيكون للفلسطينيين الان مكانة أقوى ومحافل اخرى لطرحها فيها. من ناحية سياسية يمكن الافتراض بان هذه الادعاءات ستتعاظم. وذلك ليس بالذات على خلفية الاشكالية القانونية بل ايضا وبالاساس على خلفية الموقف من هذا النشاط كعائق في وجه التسوية في المستقبل. بين المستوى الدولي والمستوى الداخلي توجد كما أسلفنا علاقة – كلما عملت اسرائيل بشكل يضر بالسكان الفلسطينيين في المنطقة وكلما قامت بأعمال تعتبر كضارة بفرص التسوية السياسية، فانها ستقلل فرصها للنجاح في الساحة الدولية. فضلا عن هذه الجوانب، فان الاثار العملية لاعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية ستتأثر جدا بمسألة هل ستستأنف المفاوضات بين اسرائيل وبين ممثلي الفلسطينيين. وبالطبع يمكن للحوار المباشر ان يجدي في تخفيض الاحتكاكات على المستوى الميداني، وربما، اذا ما أبقينا على بعض من التفاؤل، يؤدي الى التقدم في تسوية، أو إدارة النزاع نفسه. ولكن، فضلا عن ذلك، معناه أكبر في الساحة الدولية، والذي سيسهل اقناعها بعدم القيام باجراءات مفروضة بالنسبة لاسرائيل، في واقع توجد فيه مفاوضات فاعلة بين الطرفين وذلك من اجل عدم التشويش على امكانية التقدم في اطارها. انعدام المفاوضات، او أي افق سياسي آخر سيشدد، كما ينبغي الافتراض، الضغوط على المستوى الدولي، سواء حيال دول العالم أم حيال المنظمات الدولية.