هو "الشخص الذي يحبّ الجميع أن يكرهوه" كما أنه "الرجل الذي لم يجل إلاّ نفسه" إنه ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي المستقيل، والذي ظل وزيراً للدفاع في الدولة العبرية طوال سنوات أخيرة طويلة ولم يكن له بديل، لم يكن يريده أحد، لكنه مع ذلك فرض نفسه وكان "ضرورياً" أكثر من غيره من الوزراء، وحتى بعد أن تآكل حزبه "المستقبل" ظل بيدقاً هاماً في حكومة نتنياهو، ولفترة ليست قصيرة، تجاوز وزارة الدفاع ولعب دور وزير الخارجية كبديل يمكن التفاهم معه عوضاً عن وزير الخارجية الأصيل أفيغدور ليبرمان، بالنسبة إلى العديد من الدول، وهو ايهود باراك، صاحب أقصر مدة في رئاسة الحكومة لمرة واحدة ولفترة وجيزة.ينظر إلى باراك في إطار الحزبية الإسرائيلية، كأمهر الانتهازيين المكشوفين في قائمة الانتهازية الحزبية والسياسية، صحيح أن أحد معالم الصراعات الحزبية الإسرائيلية، انها تتيح مناخات دائمة للانتهازية، إذ من السهل في ظل هذا الفلكلور الحزبي، أن يترك السياسي حزبه إلى حزب آخر، من دون أن يشكل ذلك مأخذاً، بل إنه اعتياد طبيعي، لكن باراك كان أكثرهم انتهازية، إذ إنه أضعف بسلوكه وسياساته حزب العمل، وبشكل مفاجئ تركه ليشكل حزبه الخاص، رغم علمه أن الحزب الجديد، بلا مستقبل، وهكذا، وفجأة، ترك باراك حزبه الذي انشغل بتأسيسه، ومن دون التشاور مع قيادته، وهرب منه كما هرب من السياسة كلها حسب قوله، وربما يكون هذا السلوك آخر أعمال باراك الانتهازية.. من يعلم؟!باراك يحب نفسه، وبنفس القدر، حصل على كره اليسار واليمين في إسرائيل على حد سواء، ففي اليسار يقولون، إنه كان وراء مصطلح لا شريك فلسطينيا في المفاوضات، الأمر الذي أدى إلى تجميد العملية التفاوضية، وفي عهده نشبت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ما أدى إلى بزوغ نجم اليمين على رئاسة الحكومة من شارون إلى أولمرت حتى نتنياهو.. وبإضعافه حزب العمل، فإنه أضعف الوسط في أحزاب اليسار الإسرائيلي.والملف الفلسطيني، هو ذاته، الذي جعل اليمين الإسرائيلي يرى في باراك خصماً سياسياً، ذلك أنه، وفقاً لهذا اليمين، شكل اختراقاً يسارياً نظراً لتبنيه موقفاً يجعل من الخطر الإيراني، التهديد الأهم، بينما عمل على تسويق العملية السياسية مع الفلسطينيين، ولكن اليمين لا ينسى لباراك ولن يغفر له أنه تواطأ مع الأميركيين من أجل الضغط على حكومة نتنياهو لتجميد الاستيطان لتسعة أشهر، ما شكل ضربة حقيقية للعملية الاستيطانية في تلك الفترة.لم يكن هروب باراك من الحلبة السياسية، نتيجة للحرب الثانية على قطاع غزة، إذ إن هذا الهروب كان متوقعاً قبل الحرب، ذلك أن استطلاعات الرأي ما كانت تمنح حزب الاستقلال أية إمكانية لتجاوز نسبة الحسم، وكان أمر هروبه متوقعاً كل يوم، مع ذلك فإن تلك الحرب، والأداء السيئ لحكومة نتنياهو بما فيها وعلى الأخص وزارة الدفاع، قد ساعدت باراك في اتخاذ قرار الهروب الذي بدوره أضعف من مكانة زعيم الليكود ورئيس الحكومة نتنياهو، إذ إن هذا الهروب بعد الحرب، شكل إدانة لأداء الحكومة أثناء العدوان وبعده، ما يحمل نتنياهو مسؤولية هذا الأداء، وهذه النتائج.وإذا كان باراك قد هرب، فإن نتنياهو بات في وضع بالغ الحرج والضعف، ومقياس ذلك، تلك النتائج التي أفرزتها انتخابات الليكود الأولية "البرايمرز"، فقد حاول تنتياهو الإبقاء على حزب الليكود الليبرالي، يمينياً وسطاً، وضغط باتجاه تعزيز مكانة المعتدلين في الليكود في القائمة الانتخابية، واستغل مكانته ومهارته لاستبعاد عتاة اليمين المتطرف داخل الليكود إلى مؤخرة القائمة الانتخابية، إلاّ أن نتائج هذه الانتخابات جاءت لتشير إلى وصول عتاة المستوطنين وكبار المتطرفين اليمينيين ليحتلوا أوائل القائمة تقريباً، وفي مكان مضمون حتى بعد التحالف مع حزب ليبرمان ـ إسرائيل بيتنا، وهؤلاء هم المؤهلون للوصول إلى وزارات الحكومة المقبلة، بالرغم من رغبة وإرادة نتنياهو، الذي يرى في بعضهم منافسين له، أيضاً.على الرغم من هذه النتيجة، فإن تبعات الحرب على قطاع غزة، لن تؤثر في الغالب على وصول الليكود إلى سدة الحكومة المقبلة، فالمجتمع الإسرائيلي الذي كان يعتقد أن الإصلاح الداخلي، الاقتصادي والمالي، هو في جوهر اهتماماته، وقد عبر عن ذلك من خلال المظاهرات الحاشدة التي تطالب بالمسكن والعمل، إلاّ أن العملية الحربية على قطاع غزة ونتائجها حولت اهتمامات الشارع الإسرائيلي إلى الأمن، وأفضل من يعالج هذا الملف هو اليمين، وتحديداً بقيادة الليكود، وعلى هذا الأساس فإن القول إن الحرب ستؤدي إلى تراجع اليمين الليكود هو قول متسرع في أفضل الحالات، ذلك أن الحرب على غزة، بكل ما فيها من مآخذ، إلاّ أنها أشعرت كل إسرائيلي بالخطر الداهم، وان المسألة الأمنية هي التي يجب معالجتها، وبالتالي تنحت المسائل الأخرى، الاقتصادية أساساً جانباً، وهو ما كان يخشاه اليمين بقيادة نتنياهو، وبقاء العامل الزمني هو الأهم، سيساعد الليكود ونتنياهو على تخطي مآخذ الحرب على غزة، لأنهما الضمانة الأساسية من وجهة نظر الرأي العام الإسرائيلي، الأكثر تشدداً، في مواجهة هذه الأخطار المحدقة! Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net