خبر : تهدئة أم هدنة أم ماذا؟ ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 22 نوفمبر 2012 11:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
تهدئة أم هدنة أم ماذا؟ ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم



لن تقبل اسرائيل بالتهدئة الا في اطار هدنة، ولن تقبل اسرائيل بهدنة الا اذا كانت طويلة المدى، ولن تقبل هدنة طويلة (نسبيا) إلا اذا كانت تنطوي على ضمانات اقليمية (مصرية اساساً) ودولية (اميركية على وجه التحديد). هذه هي محصلة الموقف الاسرائيلي وهي تلوّح بالحرب البرية لفرض هذه المفاهيم بالذات.الموقف الاسرائيلي يلقى الدعم الكامل من الولايات المتحدة ويلقى "التفهم" الكامل من اوروبا وهو يلقى القبول التام من مصر وتركيا وقطر ومن بقية اطراف المعادلة الاقليمية.فصائل المقاومة بالمقابل ليس لديها "مانع" من التوصل الى هكذا صيغة شريطة ان يعني ذلك فك الحصار عن قطاع غزة وشريطة ان لا تبقى يد اسرائيل طليقة للاغتيالات وشريطة ان لا يتم المسّ بسلاح المقاومة.لدى اسرائيل شروط اخرى ولكنها للتفاوض ولدى فصائل المقاومة رغبات اضافية ولكنها ستكتفي بالاشارة اليها في مراهنة على تحقيقها لاحقاً.اذا تحولت التهدئة الى هدنة، واذا تضمنت الهدنة ما اشرنا اليه بالنسبة للطرفين فإن اسرائيل تكون قد هزمت من الناحية المعنوية هزيمة كبيرة ولكنها تكون قد حققت الحد الادنى الذي كانت تسعى لتحقيقه. كما ان حركة حماس تكون هي والفصائل الاخرى قد حققت انتصاراً معنويا كبيرا وكذلك الحد الادنى الذي يحقق لها قدرا كافيا من المكاسب السياسية.القيادة الاسرائيلية تفتقد للغطاء الدولي المطلوب للدخول الى الحرب البرية وان هي نفذت ستفقد ما تبقى لها من دعم دولي بعد ثمانية ايام من العدوان والذي ادى الى قتل الكثير من المدنيين، الامر الذي اثر على هذا الدعم. وقادة اسرائيل يعرفون ان الرعاية المصرية الضامنة لأي اتفاق باتت مشروطة من الناحية العملية بعدم دخول اسرائيل في مرحلة الحرب البرية، كما أن التأييد للحرب البرية داخل اسرائيل ليس كاسحا بل ان استطلاعات الرأي تؤكد ان الاقلية حتى الآن تؤيد هذه الحرب.لهذا كله، فإن الارجح هو الضغط من خلال القصف نفسه. ويمكن ان تلجأ اسرائيل الى الامعان في التدمير والقتل والاغتيالات للحصول على "اعلى" الشروط و"افضلها" لكن اللجوء الى الحرب البرية هو قرار اقرب الى المستحيل منه الى الممكن.فعوضا عن الخسائر البشرية التي يمكن ان تتكبدها القوات الاسرائيلية جراء المواجهات المباشرة فإن هذه الحرب ستعني في الواقع امكانية "اضطرار" اسرائيل لاعادة احتلال القطاع او جزء كبير منه، او ربما اقامة مناطق عازلة، والدفاع عنها ميدانيا، الامر الذي يعني انهاء حكم حركة حماس عملياً، واعادة "توحيد" الوضع الفلسطيني، وتعريض اتفاقيات كامب ديفيد لاخطار حقيقية، الامر الذي يدخل المنطقة في اجواء الحرب الاقليمية الشاملة، ويهدد بخروج المشهد كاملا من نطاق السيطرة.وبالعودة الى الهدف الانتخابي من الحرب على غزة فإن المعارضة الاسرائيلية كما نعلم لم تكن قادرة وهي اساساً ليست راغبة في معارضة هذه الحرب طالما ان اكثر من مليون اسرائيلي هم تحت مرمى الصواريخ القادمة من قطاع غزة، وطالما ان الرقعة الجغرافية لمدى هذه الصواريخ هي في اتساع مستمر حتى الآن. اما اذا دخلت اسرائيل في الحرب البرية فالمعارضة لا تستطيع الاتفاق "الآلي" عليها خصوصا وهي ترى المخاطر التي يمكن ان تترتب على الحرب البرية ان كان على مستوى الخسائر المتوقعة او على مستوى الغطاء الدولي ومجمل الحالة الاقليمية.استمرار القصف الجوي والبحري والمدفعي له ثمن وتعميقه مسألة محدودة في الزمان، وليست مفتوحة وحجم الدمار والقتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين ليس مفتوحا ايضا، ولهذا فإن نتنياهو يجد نفسه في مأزق الخروج "المشرف" من هذه الحرب وقد يكلفه ذلك كله رصيده السياسي ويجد نفسه في نهاية المطاف عالقا في منطقة لا يقوى فيها على التقدم ولا يملك شجاعة التراجع وهي حالة تعني الخسارة المؤكدة.لم تكن الحسابات الاسرائيلية سليمة بما يكفي ولم تكن هذه الحرب ضرورية الى درجة المغامرة.اعتقدت اسرائيل ان هشاشة الوضع في مصر وفك ارتباط حركة حماس بايران وسورية سيجعل من القطاع لقمة سائغة وسيؤدي الى فرض الشروط الاسرائيلية بسهولة ويسر وسيربك الوضع الداخلي قبل الذهاب الى الامم المتحدة.لقد اخطأت القيادة الاسرائيلية في التقديرات عندما اعتبرت ان الغطاء الدولي كاف لتحقيق الاهداف، واخطأت عندما اعتبرت ان الانتخابات سبب كاف لشن حرب، وهي "اي اسرائيل" وعلى الرغم من معرفتها بالتسلح الفلسطيني إلا انها لم تكن على علم بكل شيء ولم تحسب الاذى والضرر الذي يلحقه بها وصول الصواريخ الى شمال تل ابيب.الامر الذي لم تحسب اسرائيل حسابه هو الربط الذي بات العالم يؤكد عليه ما بين الوضع في غزة وما بين الحل السياسي وتركيز الانظار على الاحتلال وليس فقط العدوان والحرب.كما ان اسرائيل لم تحسب ابدا ان هذه الحرب ستفتح ملف انهاء الانقسام والتوجهات الجادة ومن قبل كل الاطراف الفلسطينية لوضع حد نهائي له.ولم تحسب اسرائيل ان اعادة اقحام حماس في المعادلة السياسية الفلسطينية ليس له اتجاه واحد فقط، اي اتجاه الانفصال، وانما يمكن ان ينطوي على اتجاه معاكس وهو اتجاه الوحدة، في ظل وقفة الشعب الفلسطيني الواحدة في الانتصار للقطاع وفي الدفاع عنه.ليس أمام نتنياهو غير الهدنة وليس بمقدوره تحقيق ما هو اعلى من ما حققه على الارض.قبل ان تتحول مغامرة نتنياهو الى مقامرة سيشده اوباما الى الخلف وبقوة هذه المرة، وسيتقدم الاميركيون المشهد ليفاوضوا بدلا منه، فقد ثبت لهم انه عسكريا فاشلا ومفاوضا غضا في قراءة المعادلات الحقيقية. المهم ان لا تقبل "النعاج" بشروط نتنياهو وتحقق له ما عجز عن تحقيقه في الميدان. احد اهم استهدافات هذه الحرب ان تتحول المنظمة والسلطة الوطنية الى ملحق بالاحداث والمفاوضات بشأن المستقبل في غزة وان تتحول مصر من "راع للاتفاق" الى وصي سياسي عليها، فهل تدرك "النعاج" هذا المخطط، وهل حسبت له الحساب المطلوب ام انها على توافق مع هذا الهدف؟؟.