هي ضريبتها الثابتة من الموت والتي اعتادت أن تدفعها لتستحق الحياة، وكأن عليها أن تقدم امتحانها الشهري وتتسلّم نتيجتها ممهورةً بالدم كي تستمر وتبقى، هي غزة الغاضبة والمغضوب عليها من الضالين، من الذين يريدون أن يصفوا حسابهم مع التاريخ.غزة قدر الزمن.. الماضي والحاضر.. التاريخ والجغرافيا، والتي تبدو كزائدة على جسد هذه الجغرافيا العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج وعواصمها التي تقرع فيها الأجراس بلحن الأنين المنبعث من آلامها، بانتظار مخلصها الذي كفت عن الحلم به من تلك العواصم، وكان انكسار الأمل بعد الربيع الذي أهدته للعرب حين تاجروا بها شعارات في الميادين العامة، مسكينة هي التي صدّقت أن الزهور ستتفتح قريباً لتصحو على أن الخريف الدائم كتب عليها كما لم يكتب على الذين من قبلها.غزة التي توزع لحمها شظايا وهدايا، وتقدم متعة الحدث لمشاهدي التلفزيون كبديل رديء عن أفلام العنف للذين أصابهم ضجر الترف والنفط، مطلوب أن تقدم حصتها من الدم واللحم المتناثر ضريبة شهرية، مطلوب منها أن تتقدمهم جميعاً، أن تغطي انكشافهم حين تبدأ حملة التفتيش عن الضمائر في عواصم العرب وعواصم الشعارات الكاذبة والتوق للسلطة والحكم على جثة غزة وتحريضها ودفعها للموت لتحيا أحزاب التضامن ولتحيي حكمها.غزة ضحية الصمت العربي والصوت العربي، ومؤامرة التواطؤ الدولي، غزة التي تبدو كأن هموم الكون وصراعاته تدور معاركه الطاحنة على أرضها وعلى أجساد البشر فيها، ولا يبدو أن لهذه البقعة الصغيرة البائسة من أمل في الاستقرار، فحتى حين بدا ذلك ممكناً اقتتل أبناؤها نيابة عن العدو كأن التراجيديا تعيد صياغة تاريخها من جديد، ومع كل جولة قتال مع عدوها تكبر غزة أكبر إلى الحد الذي يخشى منه أن تبتلع مشروع الوطن وتدفنه تحت رمالها المتحركة، وهنا الخطر الأكبر في ذروة الانقسام وذروة المعارك والصواريخ التي تصل إلى ما هو أبعد من المعتاد، الخشية أن تعيد هذه المعركة فرز الفلسطينيين من جديد ما بين منتصر ومهزوم، لتتباعد المصالحة أكثر ويتباعد المشروع السياسي الوطني أكبر لصالح مشروع المنتصر "غزة"، ثم نستدرج إلى دولة غزة بمساعدة الأشقاء الألداء لنكتشف أن لحظة انتصارنا هي ذروة هزيمتنا ... الخوف وارد؟ حتى كتابة هذا المقال ما زالت الطائرات توزع انفجاراتها على كل غزة، أكثر من 700 قذيفة على القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلو متراً مربعاً، بمعدل قذيفة لكل نصف كيلومتر. فكل قطعة في غزة اهتزت، ومن الواضح أن هزاتها الارتدادية ستؤثر على توازنات النظام السياسي ومراكز القوة والضعف، وإلا ماذا يعني أن يلتقي في القاهرة رؤساء دول مصر وتركيا وقطر مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بغياب الرئيس الفلسطيني؟ أليس هذا يدعو للتساؤل وخاصة في ظل معركة أخرى يقودها الرئيس الفلسطيني، فهو في طريقه لمواجهة من نوع آخر في الأمم المتحدة، لم يستجب لمحاولات الثني الأميركية ولا تهديدات ليبرمان بشطبه، فماذا يعني غيابه عن قمة القاهرة وحضور حركة حماس، أليس التوقيت مدعاة للتفكير أم أن تلك المناسبة كانت مصادفة ساذجة؟؟صحيح أن اللحظة عاطفية بامتياز، وصحيح أن صخب القنابل يعلو على كل شيء وفي ذروة الانفجارات والشهداء ممنوع أن تسيطر العاطفة ويغيب العقل وخاصة حين يتربص بالفلسطينيين عدو يخطط ويتكتك بهدوء ويخوض صراعاته على كل الجبهات، وعلينا أن نعيد سؤال الخوف حتى في نشوة ما تحقق، إلى أين ستنتهي تلك المعركة؟ هل إلى المصالحة أم إلى تعزيز الانقسام ودولة غزة؟؟ صحيح أنه سؤال مبكر جداً لكنه السؤال الأكثر ضرورة في ظل ما تحققه غزة من إنجاز يخشى أن يكبر ليبتلع المشروع وليحوله إلى دولة غزة.غزة انتصارنا، وغزة انكسارنا، وغزة منذ عقود هي دفيئة نضالنا وكفاحنا، وهي منذ سنوات جزء من أزمتنا وانقسامنا وضعفنا، غزة قوتنا وضعفنا، غزة بداية المشروع والخوف من أن تكون نهايته هكذا تخطط وتفكر وتنفذ إسرائيل!!. Atallah.akram@hotmail.com