خبر : قصة غزه وكل شئ! ...بقلم: د. اياد السراج

الأربعاء 14 نوفمبر 2012 12:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
قصة غزه وكل شئ! ...بقلم: د. اياد السراج



كنت في زيارة علاجية لمستشفى المطلع (أوجستا فيكتوريا) في القدس ولم تفلت من عيني المقارنة مع مستشفيات غزة، فـــي النظافة والنظام والتزام طاقم التمريض وتميز الأطباء، وتمنيت ان أرى ذلك في غزة. الخدمة الطبية الناجحة هي التي تستند على قاعدة علمية طبية تتطور ولا تتوقف عند تخرج الطبيب من الجامعة وعلى وجود نظام متكامل للإدارة وللتعامل مع الموظف والمريض والبيئة وعلى منظومة اخلاقية قانونية تنظم العلاقة وتحمي حقوق المريض. الحاصل هو انه اذا قمت بزيارة لأي مكان في الدنيا تكتشف وبسرعة انك تفتقد غزة وأنك تحبها ومن فيها، وتكتشف ايضا ان غزة متخلفة وتلك مسألة نسبية يلزمها تعريف ولها علاقة بمستوى تقدمك (أو تخلفك)أيضاً. والشئ الثالث هو ان الحياة في غزة تزداد صعوبة كما تزداد صعوبة في العالم كله إلا أنها أيضاً ليست طبيعية كما في بلاد العالم، بسبب الصراع الفلسطيني الداخلي والحرب التي لا تتوقف عبر الحدود مع إسرائيل. وتظل حائرا تفكر في خياراتك حتى تعود الى غزة انتظارا لرحلة أخرى أو أجابات جديدة. التخلف في غزة عميق وشامل وعلى مدى التاريخ لان غزة كانت دائماً معزولة عن العالم إلا من حروب الغزاة والعابرين الذين تركوا آثارهم أشكالا واجناسا وأسماء وحتى في الإنجيل قيل" وأما انت يا غزة فانك منسية من وجه الرب" .وفي رأيي انه كان اهم إنجازات عرفات انه أقام اول مطار في تاريخ غزة وكان ذلك بشارة للتواصل مع العالم، ولم يكن صدفة ان ذلك المطار كان اول هدف عسكري لشارون.!التخلف في غزة يشمل كل نواحي الحياة من الطب والإدارة وسمكرة السيارات إلى منظومة اخلاقية متهاوية بالكذب والتدخين والغش في الموازين واللحم والأكل المستورد دون رقيب بل ووضع السموم في المزروعات وأتهام إسرائيل بتسميمنا!التخلف عميق في غزة لانه لا يوجد مساحة أو قاعدة للعلم بالمعنى الحقيقي، فالشعوذة والسطحية وغياب العقل التحليلي البحثي إلا فيما ندر هو السائد على مدى العصور ويتبادل البسطاء الأدوار وكل في جهل سحيق يطال المتعلمين وأصحاب الألقاب والشهادات ويبرز من يستغل الدين وبساطة العقول فيؤذي الدين والعقول .انعزال غزة عن العالم هو اكبر أسباب تخلفها فعدم الاحتكاك بالثقافات العالمية يعمق من الأفكار والعادات المتخلفة ولا أنسى زميلنا الطبيب الذي استوقفته الشرطة في بريطانيا لانه بصق من سيارته على الشارع! واصبح ذاك الشاب طبيبا ناجحا في بريطانيا خلال سنين تعلم فيها أكثر من الطب! النكبة الفلسطينية لم تكن فقط ضياع الأرض والهجرة منها بل أيضاً غياب الطاقات الفلسطينية التي تركزت لتحرير الأرض والعودة اليها وتم تأجيل غير متعمد لكل قضايا التقدم والتنمية الحضارية . والقيادات الفلسطينية التي ألهبت المشاعر بالحماسة لم تقدم خطة وطنية شاملة واكتفت بالشعارات وبعض المعارك العسكرية لكنها لم تدرك عمق الصراع وأهمية الثقافة والحضارة ومكانة العلم. الحاصل ان غزة محاصرة تاريخيا وزادت بالغزوة الصهيونية وما تلى ذلك حتى اليوم والحصار الإسرائيلي الحالي لم يكن فقط لعقاب حماس وقد وصفه جيم كارتر بانه تدمير للحضارة. واليوم اين تقف غزة وما هو مستقبلها؟لا يمكن البحث في غزة دون البحث في الوجود الفلسطيني ومستقبله ويعني ذلك الحديث عن إسرائيل والصراع معها ويعني الخوض في مسائل القيادة الفلسطينية والمشروع(آت) الوطنية والربيع والفصول الأخرى العربية وكلها مواضيع خطيرة وبعضها يتخلله فقاعات.المستقبل الفلسطيني على احسن الفروض غامض لان اللاعب الرئيسي ليس فلسطينيا ولان ميزان القوى ليس في صالحه ولهذا فان الآخرين يقررون مستقبلنا وذلك هو حال العرب منذ زمن طويل.اللاعب الرئيسي هو الحركة الصهيونية واذرعتها دولة إسرائيل والادارة الامريكية والنظام السياسي الاوروبي وهي اعتمدت على القاعدة العلمية وأنشأت النظام الشامل للدولة العصرية العسكرية ووضعت المنظومة الأخلاقية الاجتماعية التي تواكب النظام ( وبالنسبة لنا فهو نظام عنصري)اللاعب الثاني هو أمريكا ولكن ينحسر دورها تدريجيا لصالح إسرائيل واما بقية الادوار فما زالت هامشية. الحقيقة الساطعة اليوم أن قضية فلسطين لم تعد تشغل أحدا كما كانت فالعالم كله زادت مشاغله و انشغالاته والصراع الفلسطينى الداخلي زاد المسألة تعقيدا ونجحت إسرائيل في توجيه الأنظار إلى ايران وهبت رياح التغيير والحرب حولنا والآن نحن في مواجهة مع إسرائيل ومع انفسنا ! ما الذي تفكر ان تفعله بنا إسرائيل بعد كل ما فعلته؟ الخيار الأول هو الانتهاء من غزة بالاتفاق (او بدون )مع مصر وحماس والانتهاء من الضفة بالاتفاق مع الأردن بعد انهيار السلطة. لن تسمح الحركة الصهيونية بإقامة دولة فلسطينية. وستظل مصرة على السيطرة على الأرض والسكان وألهواء والبحر وتعرف إسرائيل أنها لا تستطيع ان تسمح لنفسها بغفوة، فهي لا تثق في أي شئ إلا قوتها.فماذا عنا وكيف نواجه ذلك؟ أولا يجب ان نتعلم من تجاربنا وان نعيد تقييم تلك التجارب لنستفيد منها في وضع خطط واستراتيجيات، بل يجب ان نتعلم من غيرنا خاصة اليهود وثانيا لا بد ان نوفر لأنفسنا نظاما يفرز قيادة يمكن محاسبتها و تغييرها (يقول رشيد الخالدي ان الفلسطينيين لم يوهبوا في تاريخهم الحديث قيادة الا وكانت غبية او فاسدة او الاثنين معا) وان تضع هذه القيادة مخططا شاملا يقوم على العلم ويستند إلى رأي الناس وخاصة العلماء ويجيب على الأسئلة الحاسمة: ماذا نريد وكيف الطريق وما العمل؟هل نريد فلسطين التاريخية؟ أم نكتفي بحدود ١٩٦٧ أو ما يتبقى منها؟ هل نأخذ ما نستطيع ونخطط للباقي؟ كيف يمكن الفوز بفلسطين ، بالحرب أم بالسلام، وهل هي حرب دينية ام انها حرب بالمقاطعة والحشد العالمي السياسي والجماهيري أم بالعمليات الحربية، هل يمكن الفوز بفلسطين ببناء المؤسسات وقيام الأحزاب والديمقراطية أم بالمقاومة المسلحة ؟وما هو دور العلم والعلماء؟وما دور المواطن الام والاب في البيت وفي الشارع والمؤسسة؟ وما دور المدرسة والمعلم؟ وأي مدرسة تنفعنا وأي معلم؟أكاد أقول ان المعركة لم تبدأ بعد!أما انت يا غزة فإنك في القلب!