خبر : الانتخابات الأميركية الأخيرة قبل التفكك العظيم ..حسين حجازي

السبت 10 نوفمبر 2012 03:04 م / بتوقيت القدس +2GMT
الانتخابات الأميركية الأخيرة قبل التفكك العظيم  ..حسين حجازي



نرحّب بك مرةً أخرى سيد باراك حسين أوباما، حين ننطقها يهتز وتر القلب، في انتصارك الساحق، على هذا الجمهوري المغرور والصلف، آخر ممثل لكارتيلات النفط والسلاح، في هذه المبارزة الأخيرة على حلبة التاريخ، قبيل لحظة الوداع التي تطل برأسها، لزمن الإمبراطورية، وهل نقول الدخول في حقبة الأزمة؟ اضمحلال وتفكك الإمبراطوريات؟ حيث الصراع الذي يجري اليوم هو على الهوية، هوية أميركا. وما كان لنا إلاّ أن نكون في صف المشجعين لك، سيد غورباتشوف الجديد، في أخذك أميركا إلى جذورها الأولى، في مواجهة الأصولية البيضاء، الهوية المقابلة التي حكمت أميركا، طوال ثلاثة قرون. سوف نرحّب بك، أيها الأسود الجميل في هذا التناقض المثير، سيداً أسود في البيت الأبيض، رمزاً للأسياد، حكام البلاد البيض، في مواجهة العبيد. ونحن هنا لا نتخذ هذا الموقف إلا عن الهوى والعاطفة والقلب. إذا كانت هذه المبارزة هي الأخيرة، الانتخابات الأخيرة، إيذاناً بتحقّق نبوءة ابن خلدون، قبل المؤرخ الأميركي بول كندي، عن المراحل الثلاث التي تمر بها الإمبراطوريات، وها أن السود والملونين المهمشين والمنبوذين، هم الذين يقومون بالثورة الصامتة، ولكن التي سوف تزلزل أركان الإمبراطورية، وحتى لا ننسى ومعهم النساء. ليس على صورة الثورة الفرنسية، الصاخبة، وإنما على صورة الانهيار البطيء للإمبراطورية الرومانية. شخص واحد يعرف أكثر من غيره عن القضية، هو الذي لاحظ أن هذا الشخص، باراك أوباما، إنما قد جاء ليعمل العمل الذي قام به بنفسه في إمبراطورية أخرى، كانت قائمة قبل عشرين عاماً، إنه ميخائيل غورباتشوف الذي فكك الاتحاد السوفيتي. ويومها اتخذت الإمبراطورية الأميركية موقفين، واحداً في العلن يشجع غورباتشوف على مواصلة الإصلاح، وآخر في السر يقول حذار وممنوع، نجاح أيديولوجية الإصلاح. ممنوع السماح للنظام الشيوعي بأن يبتكر نظرية قوامها قدرة الشيوعية على إصلاح نفسها بنفسها. وإنما يجب المضي في تقويضها وتحطيم الاتحاد السوفيتي. لا، إن الوضع بخلاف ما كان عليه الاتحاد السوفيتي، هذه أميركا، قلب النظام الرأسمالي، أعظم أمة في التاريخ، هكذا وصفها أوباما في خطاب الانتصار، تملك من الطاقة والحيوية، الإبداع والمرونة، ما يجعلها تتغلب على أزمتها، وهكذا لا تهللوا لسقوطها، قريباً أو موتها. تقول الآراء في المقلب الآخر، فالرأسمالية ليست نظاماً شمولياً متخشباً. وكان ماركس وإنجلز في بيانهما الشيوعي لاحظا في وقت مبكر قدرتها على هذه المرونة، في امتلاك وابتكار آلياتها الدفاعية، للتغلب في كل مرة على أزماتها. إنها كالحرباء تُعيد في كل مرة بناء دفاعاتها للتكيّف مع أزمتها، ولذا فإن ماركس لم يجد في نظريته، خطته، سوى طريق واحد، للقضاء عليها، وهو طريق الصراع الطبقي، تحالف جميع القوى، في صراع عنيف للإطاحة بها. فهل نحن اليوم بإزاء هذا، نشوء هذا التحالف الطبقي؟ إن التاريخ لا يني يدهشنا في قدرته على إضفاء هذا القدر المزدهر من التنوع في إكسابه، إلباسه أحداث التاريخ في كل مرة، مظهراً خصوصياً والذي نحتاج إلى مضي وقت، حقبة من الزمن لتظهر التماثلات الأصلية والمحركة للأزمة على حقيقتها مجردة من الأزياء التنكرية. واليوم فإن فحوى هذا الصراع يتمظهر بالثياب القديمة نفسها، صراع الأقليات، والمهمشين، ضد الأسياد القدامى، في البحث عن الهوية، إعادة صياغة، الهوية وفق تصور جديد. الانقسام، المقترن دوماً، بالبغض والكراهية، والحقد. انقسام الإمبراطورية الرومانية على نفسها، انقسام الأمة الأميركية اليوم على نفسها، والذي يعادل الصراع الطبقي الدفين، ويؤدي في كل مرة إلى إعادة إنتاج نزعة الدمار الذاتي، النزعة الغريزية الثاوية، التي تقابل نزعة التعلق بالحياة. وحيث هذه النزعة ترافق الأمة في حقبة بطولتها، والثانية في حقبة أزمتها التاريخية، شيخوختها واحتضارها، والتي تحدث عنها السيد المسيح، من أن كل بيت ينقسم على نفسه مصيره الدمار. ولم تجد الإمبراطورية السالفة، شرعية دينية لاهوتية لتكريس انقسامها سوى تبني ديانة هذا الشرقي، المسيح، الذي استطاع أن يقهر الإمبراطورية، ويجعلها تدين برايته، إذ اعتنقت القسطنطينية الأرثوذكسية وروما الكاثوليكية. هذه أمة منقسمة من الداخل، على نفسها، وعلى حافة الإفلاس الاقتصادي، وتجابه عالماً موحداً في العداء لها وكراهيتها. عالماً بدأ للتو صحوته، وتتوحد قواه الجديدة الناهضة، ضد مشروع أميركا العالمي، من روسيا إلى الصين، إلى البرازيل، وإيران، ودول البريكس، وأميركا اللاتينية اليسارية. وحتى قيل لو إن الأوروبيين أنفسهم يملكون الحق في التصويت، لصوتوا لباراك أوباما. أوباما الممثل لكل هذه الأجناس، والإثنيات والأعراق، والشعوب. إسبان وهنود وعرب وسود وأميركيون لاتينيون، وأفارقة وآسيويون. وحيث ربما للمرة الأولى نشهد هذا الاصطفاف العالمي الذي يعاد استقطابه على أسس الهوية، وتعريف هذه الهوية، هوية الغرب التي تختزل بالانجلوساكسون: أميركا وكندا، وإنجلترا، وأستراليا، في مقابل الشرق هنا الذي هو كل العالم. وإذ يتكشف الصراع، الحرب العالمية الثالثة اليوم، من حول الأزمة السورية، كصراع على تقرير مصير آسيا، فإن روسيا والصين وإيران هم من يمتلكون مفاتيح وآليات القدرة على إحداث مفاعيل، التفكيك من الخارج، لتسريع وتيرة التفكك الداخلي. لقد بدأت العملية الكبيرة إذن بعد عشرين عاماً من تفكيك الاتحاد السوفيتي، وإن كلمة السر، في هذه العملية الجديدة، هي توحد روسيا والصين لأول مرة في تاريخهما حول مشروع عالمي، وتلاشي الدور الأوروبي في امتلاك مثل هذا المشروع. أو التنافس عليه كما حدث في القرون الثلاثة الأخيرة. وإن الأزمة السورية، خلقت الأرضية للتعجيل بهذا التحول. باراك الثاني إذن لتنظيم النقلة الكبيرة، تنظيم التفكك الداخلي، أو عقد التسويات التاريخية مع العالم، إيذاناً بولادة النظام الجديد للأمور في الداخل، وكذا للنظام العالمي الجديد.