خبر : إنتخاب أوباما فيه "سلام" للشرق الأوسط ...محمد ياغي

الجمعة 09 نوفمبر 2012 12:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
إنتخاب أوباما فيه "سلام" للشرق الأوسط ...محمد ياغي



أريد ان أغامر هنا بالادعاء بأن إعادة انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة فيه الكثير من الأمل بأن الشرق الأوسط الذي يعاني من حروب أهلية طاحنة في ليبيا وسورية والعراق والسودان والصومال وحتى اليمن، لن يعاني أكثر وسيكتفي بما فيه من جراح، وهذا بحد ذاته فيه سلام للشرق الأوسط. على صعيد السياسة الخارجية سيكتفي أوباما بالتعامل مع ثلاثة ملفات بالطرق الدبلوماسية الهادئة التي تحاول الحفاظ على ما تبقى من إستقرار في الشرق الأوسط: الملف الإيراني، السوري، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. في الملف الإيراني ستسمر الولايات المتحدة في سياسة إحتواء إيران عبر توسيع العقوبات الإقتصادية ما أمكنها ذلك، لكنها لن تخوض حرباً مباشرة عليها لا من أجل إسرائيل ولا من أجل دول الخليج. أوباما يعلم بأن غالبية الشعب الأميركي لا تريد حروبا جديدة بعد العراق، وكان ذلك واضحاً عندما صوت له غالبية كبيرة من الجنود الأمريكيين الذين لا يريدون أن يتم إرسالهم الى ساحات حرب لا مصلحة لأميركا فيها. الجنود صوتوا لمن أخرجهم من العراق، ولمن يريد أن يخرجهم من أفغانستان أيضاً بنهاية العام القادم. أميركا تحت إدارة أوباما صرّحت أكثر من مرة بأنها لن تسمح أبداً لإيران بإمتلاك سلاح نووي.. لكنها أيضاً تعي بأن الحرب لمنع إيران من إمتلاك هذا السلاح يجب ان يعتمد على معلومات دقيقة بأن إيران باتت قريبة من إمتلاك هذا السلاح، وكما يبدو فإن الإدارة الأميركية لديها معلومات بأن إيران بعيدة عن ذلك وربما تكون لا تسعى له أيضاً. والأهم من ذلك، هو قناعة هذه الإدارة بأنه حتى لو امتلكت إيران سلاحاً نووياً في أسوء الحالات، فإن الولايات المتحدة بإمكانها التعايش مع ذلك لأنها فعلياً تتعايش مع إمتلاك كوريا الشمالية والباكستان والهند للسلاح النووي كأمر واقع. الفرق هو أن إسرائيل تشعر بالتهديد في حالة إمتلاك إيران لهذا السلاح، وهذا ما يدفع البعض للاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد تقوم بمهاجمة إيران حماية لإسرائيل. لكن الثمن بالنسبة لإدارة أوباما كارثي على الاقتصاد الأميركي ليس بسبب الحاجة لتحويل جزء من الاقتصاد للحرب، فهذا قد يفتح آفاق فرص عمل في الولايات المتحدة، ولكن لأن منطقة الاشتباكات المفترضة، تقع داخل إمدادات البترول ومنابعه، وهو العصب الحقيقي للاقتصاد الاميركي المنهك. لهذا لا حرب مباشرة مع إيران خلال السنوات الأربعة القادمة، لا من أجل إسرائيل ولا من أجل غيرها. في الملف السوري، يبدو أن إدارة أوباما أصبحت مقتنعة بأن الحرب الاهلية في سورية تخرج يومياً عن سيطرة تركيا وحلفائها، وأن نفوذ القاعدة في هذه الحرب يتجذر أكثر وأكثر. وبالتالي فإن تغير النظام الحالي في سورية، ليس بالضرورة سيجلب قوى سياسية الى الحكم أكثر تعاطفا مع المصالح الأميركية. لهذا قد نشهد محاولات لحل "المسألة السورية" بوجود قيادة النظام الحالية. تركيا لا تريد هذا المسار، لكن من الواضح أيضاً بأن إعتماد الولايات المتحدة على حلفائها في هذا الملف لم يأت الثمار التي وعدوا بها وهي إسقاط النظام وتمكين المعارضة "الموالية" من الإستيلاء على الحكم وفي فترة زمنية وجيزة. لهذا تريد الولايات تغير المجلس الإنتقالي الحالي، وإعطاء قوة تصويتية أكبر للجيش السوري الحر فيه. تركيز أوباما في مناظراته الإنتخابية كان على مسألة "بأننا نعمل مع حلفائنا لتحديد الجهات التي سندعمها" وهو ما يعني بأن الإدارة الاميركية لا زالت غير واثقة من وجود معارضة "مأمونة" الجانب يمكن الركون إليها بعد تغير النظام. في هذه المسألة تحديداً، أعتقد بان المسألة السورية قد وصلت الى مرحلة لا يمكن معها الوصول الى إتفاق بين المعارضة والنظام، وأن المسألة ستحسم في نهاية المطاف عسكرياً دون تدخل خارجي صريح. إذا أدركت الولايات المتحدة بأن قوة ثقل المعارضة قد إنتقلت الى أيدي "القاعدة" فإنها على الأغلب ستمارس ضغوطها على حلفائها لرفع يدهم عن دعم المعارضة حتى يتمكن النظام من الإنتصار في المعركة.. أما إذا تمكنت المعارضة الموالية من ترتيب أوراقها وأصبحت هي القوة المقاتلة الحقيقية للنظام، وليس مقاتلي ليبيا والبوسنة وتونس والشيشان، فإنها ستزيد من مساعداتها لهم للتسريع في إسقاط النظام. في جميع الأحوال، هنالك قرار أميركي بعدم التدخل المباشر في الحرب على الطريقة الليبية، لأن سقوط النظام او بقائه حالياً لم يعد مهمه عاجلة بعد إنكفاء سورية على نفسها. الملف الذي قد يشهد إهتماماً ملحوظأ هو الملف الفلسطيني، وهو الملف الذي غاب تماماً في خطابات أوباما ومناظراته السياسية مع رومني. الغياب مفهوم خلال الحملة الإنتخابية، وسببه أولا، أن كلا المتافسين لم يرغبا في إثارة جماعات الضغط ضدهما، وثانيا، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هادئ وصامت منذ أكثر من ثلاث سنوات. ما قد يعيد هذا الملف لواجهة الأحداث، ليس تحول الصمت الى هدير، فهذا قد يحدث في أية لحظة بسبب المعاناة المستمرة للفلسطينيين تحت الإحتلال.. لكن ما قد يعيدة هو رغبة أوباما في وضع إستراتيجية جديدة للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة تأخد بعين الإعتبار المستجدات التي حدثت فيه خلال السنتين الأخيرتين، ومنها صعود القوى الإسلامية للحكم حتى في الدول التي تدخلت فيها اميركا بشكل مباشر ومنها ليبيا. على أن دوافع أوباما النظرية قد تبقى معلقة في الهواء ما لم تَعتَبِر "دول الربيع العربي" القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها عند صياغة علاقتها الجديدة مع الولايات المتحدة. أميركا لن تتحدث نيابة عن مصالح العرب في صياغة علاقتها الجديدة بهم، لكن على العرب أن يتحدثوا عنها لأنها تخصهم سواء لجهة إستقرار انظمتهم وتجربتهم الديمقراطية الوليدة، أو حتى لدواعي أمنية إستراتيجية: هم لا يريدون الحرب مع إسرائيل أو غيرها، لكنهم في نفس الوقت مضطرون لمراعاة الرأي العام المناصر للقضية الفلسطينية في بلدانهم، ولا يريدون أيضاً أن يشعروا بأن كرامتهم تمتهن وهم من ثاروا من أجلها. الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يجد طريقة الى أجندة الرئيس أوباما إعتماداً على نواياه، ونبل أخلاقة الشخصية، ولكن فقط عندما يجعل "العرب" وفي مقدمتهم من تحرروا من الذل، القضية الفلسطينية على أجندة أوباما، عندها فقط يمكن المراهنة على تزاوج بين الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وعلى "نبل أوباما وكاريزميته" الشخصية في دفع هذا الملف الى نهاية مقبوله للعرب بالإعتماد على قرارات الشرعية الدولية. في الملفات الثلاثة، نجاح أوباما هو بشير خير لمنطقة الشرق الأوسط.. لكن الخير الحقيقي يحتاج الى دول في المنطقة تؤمن بمصالح شعوبها ووفية لها.