خبر : حتى لا يصاب الفلسطيني بخيبة أمل أخرى .. بقلم: طلال عوكل

الخميس 08 نوفمبر 2012 08:58 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حتى لا يصاب الفلسطيني بخيبة أمل أخرى .. بقلم: طلال عوكل



لا يمكن لأحد شعباً أو دولة، أو زعيماً أو فرداً في هذا العالم، أن يتجاهل الانتخابات الرئاسية الأميركية، نظراً لمدى قوة الدور الأميركي في التأثير على سياسات ومصالح مختلف دول وشعوب العالم، بما في ذلك المصالح الفردية، حين يتعلق الأمر بالسياسات. الشعب الفلسطيني ربما كان من أكثر الشعوب اهتماماً "بالمتغيرات" في الولايات المتحدة، ارتباطاً بالدور الأميركي الحاضر دوماً والفعال جداً في التأثير من موقع المتحالف مع إسرائيل، في مجريات وتطورات الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي. لكن الشعب الفلسطيني في هذه المرة، لم يبد اهتماماً ملحوظاً تجاه الانتخابات التي جرت اول من أمس، وظهرت نتائجها على الفور بإعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما، باستثناء النخب والقيادات السياسية، فإن الشارع الفلسطيني، وحتى الصحافة الفلسطينية تعاملت مع العملية الانتخابية، ونجاح أوباما على نحو يوحي بعدم الاكتراث، عدم الاكتراث ليس مرده ضعف ومحدودية الوعي بأهمية هذه الانتخابات، ولكنها تذهب إلى شعور فلسطيني عارم ولّدته التجربة العملية الطويلة، بأن غياب رئيس، وحضور آخر، لا يغير من طبيعة السياسات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية وقضايا العرب عموماً. من الواضح أن السؤال الذي يتردد على ألسنة الصحافيين، ويبحث عن جواب لدى الفلسطينيين، هو ما إذا كان أوباما خلال ولايته الثانية، سيكون غيره خلال الولاية الأولى، إزاء طريقة التعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين. يبدو لي أن الحديث عن تغيير محتمل في سياسة الرئيس أوباما، هو حديث لا معنى له، فالرئيس في أميركا هو الموظف الأول، وهو محكوم لآليات صناعة القرار والسياسات، التي تستقر على بنية مؤسساتية راسخة، هذا أولاً. وثانياً، فإن الاستراتيجيات الأميركية وما ينجم عنها من سياسات ومواقف، محكومة، أيضاً، بأولوية مصالح الدولة الأميركية، وثانياً، إلى طبيعة وأسس التحالف الأميركي الإسرائيلي، وهي أسس ثابتة إلى حد كبير ثبات طبيعة النظام الأميركي بما أنه نظام رأسمالي كولونيالي، وبطبيعة الوظيفة التي وقفت ولا تزال تقف خلف إقامة إسرائيل كمشروع إمبريالي في قلب الأمة العربية. في خطاب النصر، الذي ألقاه أوباما، لم يتطرق إطلاقاً إلى القضية الفلسطينية، ولم يبد اهتماماً كبيراً حتى بالسياسة الدولية، التي عليها من وجهة نظره، أن تؤدي إلى تعزيز السياسات الداخلية الأميركية، ولتطوير مكانة الأمة الأميركية على المستوى الدولي، وتعزيز وحدتها. لا شك أن خطاب النصر، لا يعكس رؤية الإدارة الأميركية للمرحلة القادمة، وأولوية السياسة الخارجية، وان علينا التريّث، حتى نقف على مثل هذه الرؤية، ولكن هل يمكن المراهنة على سياسة ومواقف أميركية مختلفة عما كان عليه الوضع خلال السنوات الأربع الماضية. مرة أخرى علينا أن نحذر من تبعة الإسقاطات النفسية، الناجمة عن اللغة الثقافية المهذبة التي يجيدها أوباما، والناجمة، أيضاً، عن بشرته السمراء، وعن أصوله الإفريقية الإسلامية. لقد حصلت مثل هذه الإسقاطات خلال الأشهر الأولى من ولاية أوباما الأولى، خصوصاً وأنه أكثر من إطلاق الشعارات والوعود، وأبدى حماسة عملية تجاه قضية سلام الشرق الأوسط لكنه سرعان ما أن تراجع إلى أن أصبحت مواقفه متطابقة إلى حد كبير مع مواقف إسرائيل. إذا كان هناك من يراهن على تغير في الموقف الأميركي إزاء عملية السلام والمفاوضات، فإن الاختبار الأول والعاجل، سيحصل بعد بضعة أيام حيث سيتقدم الفلسطينيون بطلبهم إلى الأمم المتحدة، هذا إذا ظلوا متمسكين بالخطوة وتوقيتها، فهل من المتوقع أن يتغير الموقف الأميركي. ثمة شك كبير في إمكانية أن تتحول الولايات المتحدة عن موقفها المعارض بل المقاتل، ضد الطلب الفلسطيني، وذلك ان الموقف لا صلة له بالآثار الناجمة عن هذا الموقف على الصوت اليهودي في الانتخابات، بل إنه مرتبط أساساً برفض الولايات المتحدة من حيث المبدأ لدور الأمم المتحدة وآلياتها ومرجعياتها، ويرفض من حيث المبدأ سحب الملف من يد المحتكر الأميركي، ويرفض، أيضاً، تغيير مكانة منظمة التحرير كشريك في عملية السلام. لكن هناك مجالا لاختبار آخر، وهو مستوى وطبيعة التدخل والتأثير الأميركي في عملية الانتخابات التي ستجرى في إسرائيل، إذ يراهن البعض على أن أوباما قد يعمل على خط دعم الأحزاب المعارضة لتحالف "ليكود- اسرائيل بيتنا"، ولهذا السبب مثلاً أرجأ ايهود اولمرت قراره بالترشح من عدمه إلى اليوم التالي لانتخابات الرئاسة في أميركا. اليمين الإسرائيلي لا يخفي مخاوفه من أن يتعرض لضغوط عقابية من إدارة أوباما في عهدها الجديد، وذلك على خلفية دعم اليمين للمرشح الجمهوري، وعلى خلفية الإهانات التي وجهتها السياسة الإسرائيلية ورجالاتها للرئيس أوباما، ولبعض رجال إدارته. وربما كان هذا واحدا من الأسباب التي دفعت نتنياهو واليمين الإسرائيلي إلى اتخاذ قرار بتقديم موعد الانتخابات العامة، ذلك أن الوقت المتاح، بين الانتخابات الرئاسية الأميركية، والانتخابات العامة الإسرائيلية، لا يكفي لتحرك أميركي، إن كان ثمة دوافع لمثل هذا التحرك، ينجم عنه تأثير كبير أو تغيير في المشهد السياسي الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ذلك، عمد اليمين إلى بناء تحالف ليكود - اسرائيل بيتنا، من أجل ضمان النجاح في إدارة السياسة الإسرائيلية المقبلة، وكجدار صد، لأي محاولات "انتقامية" أميركية، هذا فضلاً عن أن الساحة السياسية في إسرائيل، تفتقر إلى الشخصية الكبيرة التي يمكن أن تنشئ تحالفاً قادراً على مواجهة تحالف إسرائيل بيتنا، إذ يبدو أن بيريس هو آخر من تبقى من هذه الشخصيات وهو حتى الآن لا يفكر في هذا الأمر. هذه اللوحة من التوقعات، تبرر للشعب الفلسطيني لامبالاته إزاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وأعتقد أن على السياسيين الفلسطينيين تتبع اتجاهات الرأي العام الفلسطيني الذي يظهر حساسية عالية إزاء الأحداث السياسية، وفي الأغلب، فإن الرأي العام لا يخطئ قدر أخطاء القيادات السياسية. ولكن السؤال الملحّ قبل أن نتحدث عن توقعاتنا للسياسة الأميركية بعد الانتخابات هو، هل فعلنا كفلسطينيين ونفعل، ما يتوجب علينا فعله، حتى وقبل أن نسأل عن مواقف وسياسات الدول الأخرى؟