خبر : تصريحات الرئيس.. والرسالة الإعلامية السياسية!! ..بقلم: هاني حبيب

الأربعاء 07 نوفمبر 2012 01:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
تصريحات الرئيس.. والرسالة الإعلامية السياسية!! ..بقلم: هاني حبيب



لم يكن مستغرباً ما أثارته تصريحات الرئيس عباس للتلفزة الإسرائيلية من ردود فعل وتشويش والتباس، كونها تضمنت خطاباً مفاجئاً للعديد من الأطراف، لا من حيث المضمون، ولكن من حيث الصياغة بالدرجة الأولى، ذلك أن مراجعة المواقف الفلسطينية خلال السنوات والأشهر الأخيرة، تعكس مضامين مماثلة لما جاء على لسان الرئيس في تلك المقابلة، وإذا كان هناك من خطر سياسي ينجم عن تلك الرسالة وذاك الخطاب، فإن الأمر بحاجة إلى إعادة نظر في مفهوم الرسالة الإعلامية المتضمنة خطاباً سياسياً، إذ من المعروف أن أية رسالة ناجحة، يتوجب أن تتوجه على جمهور معين ومحدد، تهدف الرسالة تحديداً الوصول إليه لإقناعه بمضمونها، مميزات هذه الرسالة عديدة، لكن الأهم أنها تحمل موقفاً محدداً واضحاً، ليس بحاجة إلى تفسير أو تبرير لاحق.  في عالم اليوم، لم يعد هذا المفهوم التقليدي للرسالة الإعلامية قائماً بالضبط، فنظراً لسهولة وسائل الاتصال والتلقي، فمن العسير، التقيد بمفهوم الرسالة الإعلامية التقليدية للوصول إلى جمهور محدد كما كان الأمر عليه من خلال وسائل الإعلام والاتصال التقليدية التي سهلت للمرسل تحديد رسالة وجمهورها المتلقي، بات الآن من الصعب تحديد الجمهور المستهدف بالرسالة المحددة، فلو أن رسالة عباس هذه، تمت قبل عشر سنوات مثلاً، لأمكن اطلاع الجمهور غير المستهدف بعد أن تكون قد وصلت وتفاعلت مع جمهورها المحدد، ولظلّت ردود الفعل من الجمهور غير المستهدف محدودة وقليلة الانتشار والتفاعل، بخلاف ما هو عليه الأمر في هذه الآونة، حيث أن الجمهور كله متلق، حتى لو كان غير مستهدف بالكامل، الأمر الذي يطرح مسألة بالغة الأهمية في مجال الرسالة الإعلامية في ظل تقنيات ووسائل الاتصال في الإعلام الجديد.  يضاف إلى ذلك، أن الرسالة الإعلامية، حتى تحقق هدفها لدى الجمهور المستهدف، ينبغي أن تكون واضحة، غير قابلة للتأويل، أو للتفسيرات المختلفة، وبحيث لا تستوجب أية تفسيرات أو تبريرات أو شروحات، وهذا يتطلب صياغة محكمة محددة واضحة، وهو ما لم يتوفر في رسالة الرئيس عباس الموجهة إلى الجمهور الإسرائيلي المستهدف، بل إنها أثارت بلبلة ـ البعض قد يعتبرها مقصودة ـ لدى هذا الجمهور، خاصة لدى الأوساط السياسية الإسرائيلية، والأمر لا يتعلق بعدم استيعاب الرسالة ومضامينها، بل يتعلق بعدم الوضوح والتشويش الذي أحاط بصياغة هذه المضامين. ومشاكل هذه الرسالة، لا تتوقف عند العجز عن تحديد الجمهور المستهدف، وهو الجمهور الإسرائيلي في هذه الحالة، ولا عند التشويش الذي أحاط بمضمونها من حيث عدم الوضوح والدقة الصياغية، إذ إن اختيار الوسيلة التي من خلالها يتم إرسال الرسالة، يعتبر أحد أهم العناصر المطلوبة كي تؤدي الرسالة هدفها، وإذا كان من الطبيعي في هذه الحالة، اللجوء إلى وسيلة إسرائيلية، وهي القناة الثانية في التلفزة العبرية، إلاّ أن هذه الوسيلة، على الأرجح هي التي حددت طبيعة مضامين الرسالة سلفاً، وهو حق مكفول لها، لكن كان يجب التعامل مع هذه الوسيلة بحذر شديد، كونها وسيلة معادية أولاً، وثانياً ـ وهو الأهم ـ أن لها رسالتها الخاصة والمحددة والهادفة، وهي قادرة على التشويش على مضمون الرسالة بكافة الطرق المعروفة لدى الإعلام، الأمر الذي يمنحها التحكم في الرسالة الإعلامية ـ السياسية، وفي هذا السياق، أيضاً، فإن اختيار الوقت المناسب، يعتبر أحد أهم العناصر التي يجب أن تتوفر لرسالة ناجحة في بلوغ هدفها، أن اختيار ذكرى "وعد بلفور"، لتسجيل وبث هذه الرسالة، لم يكن صدفة على الإطلاق، من الزاوية الإعلامية السياسية تحديداً، وإذا لا نعلم بالضبط كيف تم الاتفاق على موعد التسجيل والبث، فإننا نرجح أن الجانب الفلسطيني، الرئيس ومكتبه لم يمنحوا عامل التوقيت الاهتمام اللازم، وربما انشغلوا في التفكير في تزامن آخر، يتعلق بالحملة للانتخابات العامة الإسرائيلية، وضرورة التأثير على الجمهور الإسرائيلي الذي انشغل طوال الأشهر الأخيرة، بالتهديد الإيراني، من دون إيلاء ضرورة إيجاد حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، الاهتمام المطلوب، الأمر الذي فرض على القيادة الفلسطينية ـ ربما ضرورة تذكير الجمهور الإسرائيلي بأن الخطر الأساسي هو في الإبقاء على القضية الفلسطينية دون حل يوفر دولة فلسطينية إلى جانب الدولة العبرية، وإن العملية التفاوضية متوقفة رغم التنازلات الفلسطينية بسبب استبدال القيادة اليمينية المتطرفة في إسرائيل هذه العملية، بالاستيطان. إن المطلوب ليس تبرير التصريحات والأقوال والرسائل السياسية، بل سياسة صحيحة واضحة، إلاّ أن تصريحات الرئيس عباس للتلفزة الإسرائيلية، عدا عن أنها لا توفر رسالة صحيحة واضحة، إلى جمهور مستهدف، فإنها تفتقر إلى المضامين المحددة التي تؤكد الثوابت الفلسطينية، ليس لأن الخطاب قد تخلّى عنها، كما يشير البعض، ولكن لأنها كانت تشويشاً وتردداً، كان بالإمكان عدم السقوط فيه، لو كانت هناك سياسة مستقرة على المستوى الزمني الحالي على الأقل، من خلال وضع تكتيكات تخدم الاستراتيجية الفلسطينية والمحددة بخيار دولتين لشعبين، مع كل ما ينطوي عليه هذا الخيار، من مزايا ومخاطر، ثم إن إعادة النظر بالسياسات التكتيكية بات أمراً ملزماً لتجنب العثرات المتواصلة، إلاّ أن ذلك يجب أن يتوازى مع قدرات إعلامية تتميز بالكفاءة والمهنية والقدرة على إدارة الأزمات واستثمار الإعلام الجديد لخدمة تلك السياسة، بجانبيها التكتيكي والاستراتيجي. Hanihabib272@hotmail.com www.hanihabib.net