خبر : عودة اللاجئين: البحث عن إبداع سياسي ..اشرف العجرمي

الأربعاء 07 نوفمبر 2012 01:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
عودة اللاجئين: البحث عن إبداع سياسي ..اشرف العجرمي



لا شك ان المقابلة التي أجرتها القناة الثانية الإسرائيلية مع الرئيس ابو مازن والتي تحدث فيها عن عدم رغبته في العودة الى صفد مدينته الأصلية أثارت ردود فعل كثيرة في مختلف الاتجاهات، فهناك من يقول انه لا يحق للرئيس ان يقول ما قال بغض النظر عن موقفه الشخصي، فهو في مركز لا يسمح له بالتعبير عن مواقف شخصية يمكن ان تحسب على القيادة والشعب، لأن المتحدث هو الرئيس وليس اي شخص عادي، في حين يقول المدافعون عنه انه لم يتحدث بما يمكن ان يتضمن التنازل عن حق العودة، وان ما قاله هو موقف شخصي غير ملزم لاحد سواه. وبغض النظر عن الموقف من فحوى مقابلة الرئيس هناك حاجة لإعادة البحث في المواقف الفلسطينية عموما في ظل حدوث متغيرات على مستوى كبير من الأهمية، فما كان مرنا او معتدلا ويشمل تنازلا او واقعية سياسية ربما لم يعد مقبولا بالنظر الى موقف الطرف الاخر، وجملة من التطورات السياسية الجوهرية التي حصلت في المنطقة، ومنها الانقسام الفلسطيني، وسيطرة اليمين الاسرائيلي على سدة الحكم مع وجود رفض كامل لفكرة التسوية السياسية على الأسس المقبولة فلسطينيا ودوليا، وثورات "الربيع العربي" التي أدخلت العديد من الدول العربية المركزية في انشغالات وهموم داخلية وإقليمية كبيرة غير الاهتمام بالقضية الفلسطينية. الانقسام الفلسطيني الذي حصل في أعقاب انقلاب حركة "حماس" على السلطة الوطنية وسيطرتها بقوة السلاح على قطاع غزة قاد فعليا الى وجود كيانين سياسيين مختلفين ومنفصلين حتى لو كانا يخضعان للاحتلال الاسرائيلي. واليوم لا يمكن الحديث عن الدولة المستقلة في الضفة والقطاع على حدود العام ١٩٦٧ بدون توحيد شقي الوطن الصغير. والمشكلة في موضوع الانقسام لا تكمن فقط في وجود مصالح اصبحت عميقة وراسخة لدى المتنفذين في "حماس" وبعض الأشخاص في سلطة في بقاء الانقسام وتكريسه حرصا على هذه المصالح، بل ان هناك أطرافا إقليمية تغذي هذا الانقسام وتريد تحويله الى دائم لأنه ينسجم مع أهدافها ومصالحها، وفي مقدمة هذه الأطراف بلا ريب اسرائيل التي تريد الاستفادة القصوى من الانقسام في قتل فكرة التسوية القائمة على حل الدولتين، كما نفهمه، وتحاول اسرائيل استغلال الوضع القائم من اجل الحصول على أطول فترة زمنية ممكنة حتى تفرض وقائع على الارض تجعل من اقامة دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة منذ العام ١٩٦٧ أمرا متعذرا. ولهذا نجد اليوم الأطراف الاكثر يمينية في اسرائيل تحث على اجراء مفاوضات مع حركة حماس للتوصل الى تسوية معها، والحديث يدور عن حل انتقالي طويل الأمد يصل الى ١٥-٢٠ عاما، وتعتقد ان هذه فترة كافية من اجل خلق الحقائق التي تقضي على حلم الشعب الفلسطيني. على اعتبار ان "حماس" تسعي للحفاظ على سلطتها، وإسرائيل تريد الأمن الذي تحصل عليه دون مقابل. حتى ان زيارة امير قطر تندرج في اطار هذا التدخل الإقليمي الذي يشرعن الانقسام ويكرسه. التطور والتغير المهم الآخر هو التطرف الذي يطغى على الساحة الاسرائيلية والتي اصبح فيها اليمين واليمين المتطرف يسيطر على المشهد السياسي. وهذا الانحراف في الخارطة السياسية الاسرائيلية لا يبقي مجالا لعملية سياسية يمكن ان تقود الى حل دائم وشامل للصراع. واقصى ما يمكن ان يذهب الإسرائيليون نحوه هو الحفاظ على الوضع القائم مع تكثيف البناء في المستوطنات وتوسيعها واقامة مستوطنات جديدة، وعليه فمفهوم التسوية من الناحية الاسرائيلية تغير بصورة جوهرية. وبالتالي لم تعد الاهداف والمبادئ التي قامت عليها مرحلة "أوسلو" قائمة وذات مغزى حاليا. ولا يوجد في اسرائيل طرف آخر قادر على تغيير السياسة الحالية للحكومة، بل ان المعارضة تحاول الابتعاد عن الزج بنفسها في أتون السياسة الخارجية الإشكالية وغير الشعبية بسبب عدم احساس المواطن بالناحية موضوع حل الصراع لعدم دفع اسرائيل اي ثمن لاستمرار الوضع القائم. اما المتغير الثالث فهو اندلاع الثورات في العالم العربي ضد الأنظمة الاستبدادية التي قمعتها لفترات طويلة، والتي نجم عنها أنظمة حكم اسلامية غير مستقرة ، همها الاول الحفاظ على نفسها والحصول على الشرعية والقبول من الولايات المتحدة الاميركية. وفي ظل الوضع الذي اصبحت فيه مصر مهتمة اكثر بأمورها الداخلية، وفي الوقت الذي تعاني فيه سورية من صراع دام وحرب أهلية قد تستمر طويلا، والدول العربية الاخرى اما منشغلة بمشاكلها الداخلية او منشغلة بالتأثير على ما يحدث لدى الدول الاخرى، لا يمكن التعويل على دعم عربي حقيقي مساند للشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال. هذا الوضع القائم الاشكالي لا يسمح بالبقاء في نفس المربع السياسي، وقد يكون من المفيد التفكير بحلول تأخذ بالاعتبار كل هذه المتغيرات والتطورات وتكون واقعية على المدى البعيد. وربما يكون طرح حل الدولة الواحدة احد هذه الأفكار الابداعية. ولكن لا يجب طرحه بصورة تقليدية. بمعنى ان يركز الفلسطينيون نضالهم على الحصول على حقوق متساوية مع اليهود في هذه البلاد، والعيش المشترك في دولة واحدة بسبب انعدام امكانية تقسيم البلاد في غضون سنوات قليلة. وليس مهما اسم هذه الدولة ولكنها يجب ان تكون اما دولة ثنائية القومية او دولة ديمقراطية لكل مواطنيها، ويكون فيها حق العودة مكفولا لكل فلسطيني تماماً كما يسمح قانون العودة اليهودي الحق لكل يهودي في العالم بان يعيش في فلسطين التاريخية. هكذا يمكن تجاوز معضلة حق عودة اللاجئين ومعضلة وصول المشروع الوطني الى طريق مسدود، فهل لنا ان ندرس خيارات اخرى غير تكرار أسطوانة التسوية غير الممكنة ؟