خبر : حل "جماعة الإخوان المسلمين": الضرورة الإقليمية والدولية (2) .. بقلم: خالد الحروب

الإثنين 05 نوفمبر 2012 12:51 م / بتوقيت القدس +2GMT
حل "جماعة الإخوان المسلمين": الضرورة الإقليمية والدولية (2) .. بقلم: خالد الحروب



هناك ثلاث ضرورات تبرر وتستدعي الدعوة الى حل جماعة الاخوان المسلمين في المرحلة الحالية والتي اعقبت الربيع العربي، وتفترض تحولهم الكلي الى احزاب سياسية وطنية في بلدانهم تشتغل ضمن السيادة الوطنية، وتخضع لما تخضع له بقية الاحزاب السياسية، عوضا عن الشكل التقليدي الذي عرفت به، والذي يخلط الولاءات ويتجاوز الحدود المعروفة للدول والمجتمعات. الضرورة الاولى وطنية، اي لها علاقة بالاجتماع السياسي المتشكل داخل الوطن الواحد، وتم نقاشها في مقالة سابقة، والثانية ضررورة اقليمية ودولية سوف يتم نقاشها في هذه السطور، والثالثة ضرورة تنظيمية، اي داخلية لها علاقة بالبنية التكوينية والهيكلية والنمط والسيكولوجيا التنظيمية التي تتحكم في الافراد في اية جماعة اسلامية ومن ضمنها الاخوان، وسوف تُناقش في المقالة القادمة. ان تحل جماعة الاخوان المسلمين نفسها في حقبة ما بعد الربيع العربي وتتحول من جماعة كلية ما فوق دولتية، اي متكونة من جماعات عديدة في بلدان مختلفة تتبع الى نفس القيادة في مصر، سواء بشكل فعلي او رمزي، وتعتبر المرشد العام القائد الاعلى لها، معناه ان تتحول الى شكل مختلف تماما بحيث تصبح فيه كل جماعة اخوان مسلمين في بلد من البلدان حزبا سياسيا مستقلا لا علاقة تنظيمية او هيكلية له بالجماعة الام. وهناك عدة اسباب جوهرية، كانت دوما متواجدة تستدعي هذا التحول لكنها اليوم تتبلور بحدة اكثر في زمن وصلت فيه جماعات الاخوان المسلمين الى سدة الحكم، او المشاركة فيه. السبب الجذري والاهم والذي تتفرع عنه بقية الاسباب هو اصطدام فكرة "الجماعة العابرة للحدود الوطنية" مع فكرة السيادة الوطنية التي تجسدها الدول الحديثة القائمة على اساس الدولة - الامة (nation - state). الدولة الوطنية الحديثة هي البنية القانونية والدستورية الناظمة للعمل السياسي والذي يشتغل بدوره تحت سقفها ويهدف الى تقويتها والدفاع عنها ويقر بكونها بوصلة الولاء السياسي والناظم الاول والاهم في شكل الاجتماع السياسي وآلياته. وعندما تكون هذه الدولة الوطنية الحديثة ديموقراطية فإن اهم آليات الاجتماع السياسي تتمثل في الاحزاب التي تتنافس ديموقراطيا للوصول الى الحكم، وفق القانون والدستور المرتبط عضويا بالدولة الوطنية. كل الولاءات التي هي ادنى من مستوى الولاء للدولة، بما فيها الولاء للقبيلة والولاء للطائفة الدينية، والولاء للإثنية، يجب ان تأتي في مرتبة ثانية بعد الولاء للدولة لأن كل فرد من الافراد مُعرف بكونه مواطنا ذا حقوق وواجبات بسبب وجود هذه الدولة. وكل الولاءات التي هي فوق مستوى الولاء للدولة، بما فيها الولاء للايديولوجيات العابرة للحدود (مثل الاممية الاشتراكية، او الاممية الاسلاموية، او القوميات فوق الوطنية) أو الولاء لجماعة او حزب ذي هدف وامتداد اقليمي، كل ذلك يجب ان يأتي في مرتبة ثانية وان يتم اخضاعه للولاء للدولة. هذا الافتراض النظري في تصويب الولاءات باتجاه الدولة لترسيخها وتكريسها لا يقوم في واقع الامر بهذه السهولة وخاصة عندما تكون الدولة غير ديموقراطية وغير عادلة ومستبدة. في هذه الحالة، اي عندما تكون الدولة باطشة، تصبح مصدرا للعداء وليس للولاء للافراد، وهؤلاء بدورهم يهربون منها بحثا عن مصادر حماية اخرى قد تكون في القبيلة والطائفة او الجماعة العابرة للحدود. في حالة الدولة الباطشة تتشتت ولاءات المواطنين ويصعب "بوصلتها" باتجاه "وطني موحد" قائم على افكار المساواة القانونية والدستورية التي تضمن العدل والحرية والكرامة للمواطنين. هذا ما كأنه وما زال عليه الوضع في الاغلبية الكاسحة من بلدان العالم العربي. وفي هكذا وضع تنشأ كل التشوهات السياسية الممكنة ومن ضمنها ميوعة الولاءات السياسية للدول والاستهزاء بها، وترسخ بنى حزبية وسياسية تكون ولاءاتها موجهة الى مرجعيات وربما دول اخرى. التغير الكبير الذي احدثه الربيع العربي في بعض الدول يتمثل في ادراج هذه الدول ومجتمعاتها واحزابها في عملية انتقال قد تكون طويلة الامد من مرحلة الدولة الباطشة الى مرحلة الدولة الديموقراطية القانونية والدستورية. ولضمان حدوث هذا الانتقال الذي يحدث على مستوى الدولة لا بد من سلسلة من "الانتقالات" والتغيرات الجذرية على مستويات اخرى، ومن ضمنها مستوى الاليات السياسية والحزبية. بمعنى آخر، وفي ما خص الاحزاب والجمعيات السياسية، يجب أن تتخلص هذه من الوسائل والمناهج التي كانت تتبعها في مرحلة البطش والاستبداد وخلال تطبيق استراتيجيات الهرب وتفادي جبروت السلطة الحاكمة. مثلا، الجمعيات والجماعات التي كانت ترتكز على قواعد طائفية او عشائرية او دينية لتحقيق حماية لافرادها من تغول الدولة يجب ان تعيد تشكيل نفسها، لتعمل على المساهمة في ترسيخ الشكل القانوني والمساواتي والدستوري للدولة الديموقراطية الجديدة. وينطبق الامر نفسه على الاحزاب والجماعات التي كانت تتوسل آليات امتداد خارجي يمنحها بعدا حمائيا وايديولوجيا، فهذه الاخرى يجب ان تعيد تشكيل نفسها لأن ابقائها على تلك الآليات معناه اضعاف، لا ترسيخ، الشكل القانوني والدستوري الجديد الذي انتجه الربيع العربي. وهنا وعلى وجه الخصوص يجب على "جماعة الاخوان المسلمين" ان تتذكر بأنها نشأت وتطورت، وتبلور فكرها الاممي العابر للحدود، في ظل انظمة دكتاتورية وخاصة في بلد الاصل، مصر، وهي نشأة متأثرة بالظروف المحيطة ومستجيبة لها. اما الآن فقد انتهت تلك الظروف وتبدلت بشكل جذري خاصة في دول الربيع العربي الذي وفر للجماعة ليس فقط حرية العمل السياسي بل والوصول الى سدة الحكم في معظم هذه الدول. الابقاء على "جماعة الاخوان المسلمين" كتنظيم دولي عابر للحدود معناه الابقاء على شكوك عميقة تحيط بطبيعة الولاء وجهته لكل فرع من فروع هذه الجماعة تحول الى حزب سياسي في بلده، وهي شكوك لا يمكن دحضها بسهولة. الانفتاح السياسي في المنطقة، وخاصة في دول الربيع العربي، يوفر اغواءً كبيراً، للقوى السياسية الدينية، كي تطلق من قمقم الاحلام والاوهام، طروحات تدميرية لا علاقة لها في واقع السياسة ولا تعمل على تكريس الشكل القانوني والدستوري والديموقراطي لدول الربيع. يكفي ان نتذكر عددا من تصريحات بعض قادة الاخوان والاسلاميين في مصر وتونس بشأن الخلافة الاسلامية، وحول كون الرئيس مرسي مثلا رئيسا لكل المسلمين وليس لمصر وحدها او سوى ذلك لنتلمس مدى الارتباك بين ما هو "وطني" وما هو "اممي" في الذهنية الاسلامية الراهنة. والامر المهم ذو العلاقة هنا هو مصير جماعات الاخوان المسلمين في بقية الدول العربية والتي لم يحدث فيها اي "ربيع". في هذه الحالات تتفاقم الاشكالية فمن جهة لم تصل هذه الجماعات للحكم كما وصلت نظيراتها في البلدان الاخرى، بل قد تكون ممنوعة من العمل السياسي اصلاً، ومن جهة ثانية تنظر بعين الولاء الى الجماعة الام، في مصر، التي وصلت الى الحكم، على حساب الولاء "الوطني" الذي يشوبه الغموض الناتج عن الاستبداد وفقدان الحرية السياسية. قد تتطور علاقة "استقواء" بحيث تأمل الجماعات الضعيفة بدعم "مصر الاخوانية" لها لتمكينها من الحكم. كل ذلك يطور علاقات حزبية جماعاتية اخوانية هي فوق حدود "الدولة الوطنية" بما لا يكرس صيغة هذه الدولة في مرحلة اندراجها في الدمقرطة والدسترة والقوننة. معنى ذلك ان القفز الدائم خارج حدود الدولة الوطنية معناه استرذال الدولة الوطنية حتى في صيغتها الديموقراطية. وفي ذات الوقت يثير مخاوف كبيرة في بقية الدول العربية ويعيق علاقاتها مع مصر الجديدة، او الدول التي وصل فيها الاسلاميون للحكم بشكل عام. طبعا من حق الاخوان وكل الاحزاب الدعوة والترويج ديموقراطيا واختياريا لأية صيغة من صيغ التكامل والوحدة على مستوى العالم العربي، لكن يجب ان لا يكون ذلك فوقيا ومفروضا بقوة السلطة، كما حدث خلال عقود مريرة من حكم البعثيين وادعياء القومية العربية، وعلى كل دعوة فوق دولتيه ان تستفيد من تلك التجربة التي دفع العرب ثمنها غاليا وباهظا جدا. اخطر ما في هذا الموضوع هو ان يُنشئ الاخوان المسلمون، بوعي او من دونه، شكلا من اشكال ولاية الفقيه، وهذه المرة "ولاية فقيه سنية" يرى الاسلاميون من خلالها ان مرجعيتهم الدينية والايديولوجية والسياسية هي في "مصر الاخوانية"، وان الولاء لتلك المرجعية يسبق ولاءهم لدولهم الوطنية. وفي هكذا وضع تصبح الحالة الشاذة والغريبة المتمثلة في ولاء "حزب الله" لايران على حساب لبنانيته وما يسببه هذا الولاء (بسبب اعتماد الحزب ايديولوجية ولاية الفقيه) من تدمير حقيقي للحياة السياسية الديموقراطية في لبنان، تصبح هذه الحالة هي النمط الاسلاموي السني في المنطقة العربية، وهذا كفيل بأن يحبط اي آمال جلبها الربيع العربي. Email: khaled.hroub@yahoo.com