مشكوراً، وجه رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الدعوة المخلصة للرئيس الفلسطيني، لمرافقته في زيارته المرتقبة إلى غزة، في إطار المساعي التركية الحثيثة، لتحسين العلاقات، بين الشقيقتين، رام الله وغزة، حيث تعذر التوصل إلى التراجع عن الانقلاب وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بين طرفي الصراع أو الخلاف الفلسطيني، فعلى الأقل يسعى القائد التركي لترطيب الأجواء بين دولتي فلسطين: المحتلة في الضفة، والمحررة في قطاع غزة، يساعده في ذلك أن الدولتين الشقيقتين لا تتصلان بحدود جغرافية، حيث تفصل دولة ثالثة (إسرائيل) بينهما، تحول دون التصادم المسلح، أو التهريب الثوري بينهما لتقويض الأمن من إحداهما للأخرى، وهذا عامل، شكل حافزاً لكل الأطراف الصديقة والشقيقة، كي تتدخل بين الدولتين الشقيقتين غير الجارتين، كي يبادروا من أجل دعوة الرئيس أبو مازن كي يرافق زياراتهم الافتتاحية إلى غزة، بهدف تطبيع العلاقات، وترطيب الأجواء، وقيام علاقات حُسن الجوار وتلبية المصالح المشتركة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، شعب الضفة مع شعب القطاع، وفي الإطار القومي الذي يجمعهما، سوياً، مثل أي بلدين عربيين في إطار الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو دول المغرب العربي. ألا نخجل من أنفسنا ونتعلم من (العدو الجار الصديق) الإسرائيلي ؟؟ أنظروا ماذا يفعلون من أجل تعظيم القدرة الداخلية الإسرائيلية لمواجهة العدو الإيراني، أو الضغط الأميركي المحتمل ؟؟ وإذا شئتم عدم التعلم من الإسرائيلي بغياب النظرة الواحدة أو تعدديتها في وصفه، بصفته عدواً أو جاراً أو صديقاً، حيث تغيب الرؤية الواضحة في التعامل معه، بصفته عدواً محتلاً، أو بصفته جاراً يجب تحسين علاقات الجوار معه، أو بصفته صديقاً يجب وضع اليد بيده لمواجهة التحديات البيئية والتهريب وتبادل العملة وتحصيل المستحقات مثلاً معه، إذا لم يكن كذلك ونرفض التعلم من الإسرائيليين تعالوا نتعلم من شخص منا وفينا، من الأخ الرفيق جميل شحادة أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية، المخلص للتحالف الوطني الذي يقود منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد، وبصفته شريكاً في هذا التحالف وأحد قياداته، وناقداً شجاعاً في نفس الوقت لسلوك حركة حماس وسياساتها بوضوح وبلا مواربة !!. جميل شحادة يوزع وقته ما بين الضفة والقطاع، فلديه تنظيم متواضع في الضفة وتنظيم مماثل في القطاع، ومع ذلك يتنقل للعمل وللمبيت وللسكن بين الدولتين الشقيقتين، وتربطه علاقات ندية بين طرفي الصراع، دون التأثير على مواقفه المعلنة، على قاعدة المجاملة السياسية أو لتحسين مواقعه في هذا القطر العربي الفلسطيني أو ذاك، فكلاهما بالنسبة له واحد، ويبدو أن ثقافته القومية وتربيته الحزبية السابقة كبعثي هي سبب نجاحه وحُسن إدارته وصواب خياراته الوطنية في التعامل والانتقال بين السلطتين، السلطة الائتلافية التي تقود الضفة الفلسطينية، والسلطة الحزبية الأحادية التي تقود قطاع غزة. كنت أطالب من هذا المنبر وفي وقت مبكر من عُمر الحسم العسكري، قيادات الفصائل والأحزاب والاتحادات المهنية، بالانتقال المتواصل بين الضفة والقطاع، حتى لا تستفرد حماس بالقطاع وبالمؤسسات، والرضوخ للأمر الواقع والاستسلام له والتعامل مع معطياته، دون العمل على تغييره، بأدوات مدنية حزبية تراكمية، فالواقع أن حزب حماس يحكم القطاع مثل حزب حسني مبارك وحزب علي عبد الله صالح وحزب زين العابدين بن علي بل وأسوأ منهم، من هؤلاء جميعاً، ولكن حماس لا تستطيع التهرب من استحقاقات المرحلة، وخاصة بعد ثورة الربيع العربي التعددية القائمة على صناديق الاقتراع، هذا جانب أما الجانب الآخر، فعلى القيادات أن تتعلم من تجارب الواقع المشاهد أمامنا، فغياب فاروق القدومي كأحد مؤسسي حركة فتح عن قواعد فتح وعدم عودته إلى فلسطين مع رفاقه أفقده موقعه القيادي في حركة فتح ولم يعد الشخصية الاعتبارية ذات الوزن، بما يليق بمكانته التاريخية كشريك في المبادرة لتأسيس فتح وإطلاق الثورة، والصورة الأخرى تتمثل بخالد مشعل الذي اختار البقاء في المنفى وفقد موقعه ومكانته كقائد منتخب لحركة حماس، لأنه لم ينتقل للعمل والإقامة في قطاع غزة، بعد انحسار الاحتلال، وإزالة قواعد الجيش وفكفكة المستوطنات عنها. كنت أقول أمام اجتماعات المجلس المركزي: أنتم الشعب الفلسطيني وقياداته لأن ما فعله ياسر عرفات ورفاقه، أنهم نقلوا القرار الفلسطيني من المنفى إلى الوطن، ولم يعد للمنفى ثقل إلا بما يوازي تقديمه للدعم والإسناد لطرفي الشعب الفلسطيني داخل الوطن، لمناطق 1948 من أجل المساواة، ولمناطق 1967 من أجل جلاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال، وبالتالي لم يعد لقيادات المنفى أي وزن باستثناء نايف حواتمة، الذي يطوف الكرة الأرضية بحثاً عن الدعم لطرفين لمنظمة التحرير باعتبارها العنوان الفلسطيني ولحزبه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ولا يضاهيه في ذلك ولا يتفوق عليه سوى الرئيس أبو مازن. نايف حواتمة الوحيد الذي حافظ على مكانته في الخارج، بسبب تنقلاته المستمرة، واتصالاته اليومية مع قيادات الداخل في الضفة والقطاع، وأحياناً مع قيادات 48 محمد بركة وأحمد الطيبي وطلب الصانع، ولولا ذلك لفقد ما فقده الكثيرون من مكانة ودور بسبب غيابهم عن شعبهم ووطنهم داخل فلسطين. الانتقال إلى غزة والعيش فيها والتعامل اليومي معها ضرورة، كما يفعل بعضهم مع عمان والقاهرة لأهميتهما، ولكن غزة جزء من الوطن ومن التنظيم ومن الناس الذين يصنعون حقائق الحياة ويغيرون الواقع باتجاه المستقبل، كما سبق أن فعلت حركة فتح في الماضي، عبر مبادرتها التاريخية بالثورة، والانتقال إلى غزة اليوم هو السبيل لجعل غزة جزءاً من الحالة الفلسطينية، وعدم الاستسلام لواقع أن غزة حكر على تنظيم الإخوان المسلمين والسلطة المنفردة فيها لحركة حماس. المثل الصيني يقول: بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة، وشمعة العمل للتراجع عن الانقلاب وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، هي التنقل المتواصل بين الضفة والقطاع أسوة بما يفعل المناضل جميل شحادة الممسك بباقة شموع وليس فقط بشمعة واحدة. h.faraneh@yahoo.com