أغلقوا جوالاتهم يوم العيد ثمانية مآتم على مزاد الدم، الدم الفلسطيني قبيل الوقوف في عرفات، وبلوغنا الركن الأعظم، جاءت هكذا لتقطع على النساء الغزيات نمائمهن الطريفة عن زيارة الأميرة لأيامهن، وقع مفاجآت يوم أبيض ويوم أسود، وقت للنمائم ووقت للعويل. ولكن إذا أضفنا إلى حسبة صابر يوم العيد نفسه ثلاثة شهداء راحوا ضحية هدم السلطات المصرية أحد الأنفاق في رفح دون إخطار الناس مسبقاً بنية الشروع بالهدم، فيا ويل عائلاتهم وحسرتهم، وذهبت كل دعوات الاستغاثة أدراج الرياح، فالمصريون على ما صرح مدير الدفاع المدني في الحكومة الحمساوية أغلقوا جوالاتهم، وإذ استؤنف القصف بعد العيد، واستشهد اثنان، فكم يكون المجموع؟ نصف دزينة من الأسئلة على هامش زيارة الأمير القطري إلى غزة خطفت الأميرة فارهة الطول، والأنيقة، بجاذبية طلتها، في أعين النسوة الغزيات الأضواء، عن الأمير، كما عن دوافع الزيارة، حتى بدا حديث لوقت عن الأميرة موزة الذي يشي اسمها كما مشهد الزيارة الخاطفة كما لو أنها قدمت إلى المدينة من قصص ألف ليلة وليلة، لكن خلف هذه النمائم الريفية اللطيفة، لم يكن ممكناً لنا حجب السؤال الذي ظل مطروحاً بقوة عن الهدف من هذه الزيارة الأميرية. اتفق الأميركيون مع الرئيس أبو مازن على وصفها بطريقة دبلوماسية "أنها جاءت في الإطار الإنساني"، وهذا المخرج الدبلوماسي مفهوم ويمكن تبريره للطرفين، اللذين وجدا نفسيهما محرجين من الزيارة، لكن في القراءة التحليلية تُراه لماذا أقدم الأمير القطري على زيارة غزة في هذا التوقيت؟ ونحن هنا نكتفي بطرح الأسئلة دون أجوبة. 1- هل يمكن إقامة صلة، رابط بين هذه الزيارة إلى غزة في ظل الانقسام الفلسطيني وبين المبادرة الشجاعة التي أقدم عليها الرئيس محمود عباس بطرح قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة للتصويت، وإذا كان الجواب نعم؟ تراه بأي معنى أو اتجاه، خدمت هذه المبادرة السياسية للأمير بزيارة غزة في ذروة المعركة الدبلوماسية الفلسطينية الجارية لنيل عضوية الدولة. 2- وإذا كانت الزيارة بمدلولها السياسي تكرس الانطباع القائم على الاعتراف الخفي من أننا بإزاء كيان منفصل اسمه غزة، فهل يعني هذا المدلول العملي أن الزيارة لا تصادق فقط على شرعية هذا الانفصال، وإنما تدشن الخطوة، الاختراق الأول لمنح هذا الانفصال شرعية سياسية، وتكون الزيارة بهذا المعنى باكورة زيارات أخرى تتبعها من لون سياسي واحد. 3- لطالما كرست السياسة الخليجية لنفسها الانطباع في حقبة ماضية أنها الحامي والمدافع عن أهل السنة في المشرق العربي، في لبنان وفيما بعد العراق، واليوم في سورية، لكن هل يتم اليوم إحداث تحول تاريخي أو لعله تكتيكي على الأقل بالانتقال إلى استعمال توازن قوى جديد، قوامه القوة التمثيلية السنية الناهضة والمقاتلة لجعلها متاريس دفاعية لحماية دول الخليج نفسها هذه المرة، كعراضة تحول دون اندفاعة موجة التغيير إلى عقر الجغرافيا الخليجية؟ محاولة الانقلاب الأخيرة الفاشلة لإسقاط حكومة حزب الله في لبنان، وقبل ذلك التدخل بالمال والإعلام والسلاح في سورية بعد أن خرجت دول الخليج من المعادلة العراقية خالية الوفاض واليوم يجري التودد لحركة حماس، في غزة على هذه الخلفية، باعتبار حماس وليس أبو مازن وسلطة "فتح" العلمانية هي التي تحوز هذه القوة التمثيلية. 4- ولكن في الواقع ما ينقض هذا الافتراض الأخير، أن هذا الأمير نفسه، ذهب إلى الضاحية الجنوبية في لبنان معقل حزب الله الشيعي، بل وإلى جنوب لبنان غداة حرب تموز 2006 وساهم بالمال لإعادة إعمار الضاحية وقرى شيعية. لكن آنذاك وحتى لا ننسى في ذروة التوتر السعودي القطري، على ريادة الدور الخليجي الإقليمي حينما كان بمقدور الأمير القطري إضفاء نوع من التحالف مع معسكر الممانعة، حزب الله وبشار الأسد وإيران. وهو ما ردت عليه السعودية، أو قابلته باصطحاب الملك عبد الله بن عبد العزيز بشار الأسد إلى بيروت، فهل كان الهدف آنذاك واليوم هو فصل سورية عن إيران؟ 5- ثمة فرضية أخرى هل كان هناك، كما هنا، هو لعب ورقة الاقتصاد، الإعمار والمال على طريقة داهية العرب معاوية بن أبي سفيان، بالمال أو السلطة، أو العسل. محاولة خلق مسار خفي، قوامه كلفة المقاومة بجعل لديهم شيء يحاذرون خسارته، بالمال والسلطة وحتى العسل؛ لسحبهم تدريجياً من المقاومة الزاهدة والمتقشفة إلى السلطة، وبهذا المعنى كانت إطلالة طائرات نتنياهو بالقصف قبل وبعد الزيارة على سبيل التذكير فقط. 6- هل تقودنا إذن هذه التساؤلات التحليلية، إلى الاستنتاج أخيراً أن هذه الزيارة إنما هي تكريس أو تدشين الاعتراف السياسي بواقع سياسي جديد على الأرض اسمه الكيان الغزي، إذا كان العالم ينفض يديه اليوم سياسياً من حل الدولتين وبالتالي فإن توجيه ثقل المياه إلى التربة الغزية، في مقابل تجفيفها عن الضفة إنما هو الشارة الكبيرة التي ترسم على هامش هذه الزيارة. 7- لكن يبقى أخيراً وبصرف النظر عن مدى مطابقة الحقيقة في كل ما ذهبنا إليه من أسئلة فإننا اليوم قد نكون بإزاء السباق الحاسم والأخير بين الصراع الذي يخوضه الرئيس أبو مازن لإنقاذ حل الدولتين، وبين المخطط الجاري لقيام حل الدولتين فعلاً، ولكن الدولتين الفلسطينيتين هذه المرة كترضية للفلسطينيين على حساب الضفة الغربية، دولة غزة الصغيرة، ودولة فلسطين الكبيرة في الأردن، دولة ونصف للفلسطينيين في غزة والأردن، مقابل دولة إسرائيل من النهر إلى البحر.