تطورات متلاحقة تشهدها المنطقة ودول ما يسمى بالربيع العربي نحو تحديد ملامح انظمتها تحت ما بات يعرف بنظرية "التدافع والمخاض او التمكين" بين القديم والجديد المتبلور في مشروع يغلب عليه الطابع الاسلامي رغم العثرات هنا وهناك والمظللة بعدم الخبرة او الاستسلام احيانا للدولة العميقة او الضغوط الدولية السياسية والمالية المحاولة جاهدة لابقاء الوضع كما هو عليه او السماح بتغير جزئي لا يهدد مصالحها او تحالفاتها. ومن الواضح ايضا ان كافة التحولات والرؤى لما يحدث تندرج تحت اتفاق جميع الاطراف بان "لا عودة للوراء" فيما يتعلق بمصالح الشعوب وحريتها وانعتاقها نحو غد افضل ويشترك في هذه االرؤيا طيف عريض يمتد من واشنطن وموسكو حتى طهران وكل حسب رؤيته وتفسيراته للحدث سواء الاجتماعية والسياسية والدينية. وبعيدا عن المبالغة بطبيعة الاحداث الصغيرة والمحلية يبدو واضحا وبلا ادنى شك ان صراعا مريرا الان يدور بين قوتين تملكان رؤى واستراتيجية واضحة للمنطقة وهما اسرائيل وايران كقوى مركزية ومحورية ضمن مشروعين متضادين يتقاطعان في فلسطين حيث محور الصراع وتجنيد الاحلاف وتقديم الرؤى السياسية والفكرية الحديثة رغم الاحترام للشديد للحركات الاسلامية التي سبقت الثورة الاسلامية مثل الاخوان المسلمين والجهاد الاسلامي . الرئيس الايراني احمدي نجاد ابلغ بعض زائريه من الفلسطينيين مؤخرا ان مشكلة ايران الرئيسية هي فلسطين وان العالم يطلب شيئا واحدا من ايران وهو التخلي عن القضية الفلسطينية وفي اليوم التالي ستصبح ايران دولة عظمى . ويضيف "نجاد" حسب من التقوا به مؤخرا ان مساعدة فلسطين وغزة هي جزء من ديننا وليس له علاقة بالتطورات السياسية او المواقف التي تتخذها بعض القوى الفلسطينية من بعض الاحداث والتطورات. الاستقطابات السياسية الحادة التي تسود المنطقة ولعبة الدين والمصلحة والسياسة لا تنفصل عن بعضها البعض اذا اراد المفكر او السياسي الخروج باقصى المنافع او اقل الخسائر مما يحدث من تطورات او تحولات في مواقف الدول والحركات. ويبرز المثال الواضح للعبة المحاور والسياسة والمصالح واضحا في المثال السوري حيث تجنبت معظم الفصائل الخوض في تفاصيل المشهد عمليا حفاظا على مصالح اكثر من مليون ومائتي الف فلسطيني في لبنان وسوريا وفي ظل التحولات في المواقف الغربية والعربية نحو ما يجري هناك والتي تنادي بحل سياسي للازمة كمخرج وحيد لما يحد ثهناك. الفصائل الفلسطينية الرئيسية والسلطة نأت بنفسها عن الانزلاق نحو تاييد طرف على حساب اخر وكان ذلك واضحا في خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وماكنته الاعلامية وفي المواقف التي اظهرها الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس والتي كانت زيارته الاخيرة لطهران تعبيرا عن قراءة جيدة للعبة المحاور والاحلاف والمصالح ومركزية الدول ومحوريتها وتاثيراتها او حتى ادوارها ضمن سياق مشروع "النهضة الاسلامي" الذي يتحدث عنه دائما. و لا يغيب عن الذهن ايضا الموقف الواضح لامين عام حركة الجهاد الاسلامي د. رمضان شلح في خطابه الاخير اثناء انطلاق الجهاد حول الربيع العربي وتاثيراته وتحولاته وافقه وسلبياته وايجابياته. القضايا والتحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة وطبيعة الصراع الدائر الان بين الدول المحورية والمركزية وعلى راسها ايران واسرائيل تتطلب دراسة عمقية ومتأنية حتى لا يكون الفلسطينييون ضحية سوء تقدير او فهم خاطئ لما يحدث فالقضية معقدة وشائكة والمواقف يجب ان تبنى على رؤى استراتيجية ينتج عنها ممارسات عملية واعلامية تبعدنا كثيرا ونهائيا عن الخطأ والخطيئة السياسية والتي قد يدفع الجميع ثمنها دون استثناء.