القدس المحتلة / سما / يتذكر مراسل صحيفة "ذي اندبندنت" في اسرائيل والاراضي الفلسطينية المحتلة دونالد ماكنتاير في تقرير له اليوم السبت في الصحيفة ثماني سنوات من ارسال التقارير من المنطقة ويتامل في ما تغير وفي ما هي التغيرات التي لا بد ان تأتي. ويقول ماكنتاير ان اسرائيل تغيرت كثيرا، مثلها مثل الاراضي الفلسطينية المحتلة ومع ذلك فان السلام يبدو ابعد منالا من اي وقت سابق. وهنا نص تقريره: "ابكر الذكريات يمكن ان تكون الاخيرة التي تخبو: ساق مقطوعة ما زالت ملتصقة بسطح ما كان ملجأ للحافلات غاصا بالناس فجره انتحاري قرب تل ابيب، في الاول من تفجيرين قتلا 16 اسرائيليا في يوم واحد. وجثة ولد فلسطيني في الرابعة عشرة من العمر، قتل مع اخته بينما كانا يلمان الغسيل من على سطح منزلهما، مسجاة في مخزن مبرد لازهار القرنفل لانه لم يكن هناك متسع في غرفة المشرحة الغاصة بضحايا آخرين سقطوا في توغل اسرائيلي في رفح. ولكن ذكريات من بداية عملي كمراسل لفترة بلغت للتو ثماني سنوات من اسرائيل والاراضي المحتلة هي تذكير بما تغير وكذلك بما لم يتغير. لقد انتهت الانتفاضة الثانية الآن قبل مدة طويلة، هي والتفجيرات الانتحارية والتوغلات الواسعة النطاق بالمدرعات (وإن لم تنته التوغلات الاصغر) في مدن الضفة الغربية. وحتى في غزة حيث ما زال هناك قتل مستهدف للنشطاء، هناك – حالياً – درجة اقل من "الخسائر المرافقة" في صفوف المدنيين، وبينما تحدث هجمات بالصواريخ بين حين وآخر على مجمعات سكنية اسرائيلية قريبة، فان "حماس" تحاول المحافظة على وقف لاطلاق النار غير معلن مع اسرائيل. ومن المتناقضات ان سلاما عن طريق التفاوض هو احتمال ابعد بكثير. ويجري التنديد برئيس فلسطيني عارض العنف بثبات وبصورة مستمرة لرفضه التفاوض اذا لم يظهر دليل على حسن النية من جانب اسرائيل. ومع ذلك فانه لا يكاد يكون هناك اي دبلوماسي اجنبي في القدس او تل ابيب يعتقد ان بنيامين نتنياهو يمكن ان يوافق على اي شيء يقرب من الحد الادنى الذي يحتاجه الفلسطينيون في المفاوضات: دولة ذات سيادة على اراضي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. وبينما يركز العالم على خط رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد "الاحمر" لضربة ضد ايران، تتسارع وتيرة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية. وقد عرض زعيم المستوطنين داني دايان في مقال نشرته "نيويورك تايمز" اخيراً صورة مفرطة في التفاؤل يسود فيها "الامن" – الشرط النهائي المسبق لكل شيء. وبينما كنت اقرأ ذلك، تذكرت لقاء لي في 2009 مع خليل نواجا، وهو راع عمره 61 عاما في تلال الخليل الجنوبية بعيد اغلاق الشرطة ملف تحقيق – من دون توجيه اتهامات – بشأن هجوم اربعة شبان مستوطنين يلوحون بعصي غليظة عليه وعلى زوجته واصابوهما بجروح بليغة (صورالهجوم بشريط فيديو). وقال متحدثاً بدقة عن المنطقة "ج" التي تسيطر عليها اسرائيل وتشكل 60 في المئة من الضفة الغربية وحيث مهمة الجيش هي الحفاظ حماية المستوطنين وحيث لا توجد كلمة مسموعة للسلطة الفلسطينية: "انا في الخط الامامي. اذا غادرت غداً، فسأفقد الارض". كان ذلك هجوما –روتينيا – واحداً من هجمات المستوطنين التي حذر دبلوماسيو الاتحاد الاوروبي في وقت سابق من هذه السنة من انها تتزايد الآن بوتيرة مخيفة. والامر يعتمد على ما الذي تعنية بـ "الامن". عندما يقول السيد ميت رومني انه لا يرى املاً بحل (للصراع) الاسرائيلي-الفلسطيني، فانه في االواقع يؤيد وجهة نظر دايان. وتعبير اليمين عن الانتصار يقابله شعور اليسار بالهزيمة. ان من الامور الكامنة في الحمض النووي الاسرائيلي تصوراً بان انسحاب ارييل شارون في 2005 من غزة لم يؤد الا الى نيران صواريخ "حماس" على اسرائيل، وهو يبرز بذلك مخاطر انسحابات من اماكن اخرى. ولكن اسرائيل لم تحتفظ بسيطرة مشددة على حدود قطاع غزة، ومجاله الجوي، ومياهه الاقليمية وحسب، وانما نفذ الانسحاب باقل تأثير تصالحي ممكن. ورفض اسرائيل التنسيق مع الرئيس المعتدل المنتخب حديثاً محمود عباس هو ما ساعد "حماس" على ان تدعي، في حملتها الانتخابية الناجحة في 2006 انها ارغمت اسرائيل على الانسحاب من غزة. ومع ذلك فان الانسحاب من غزة سابقة قوية. ووجهة النظر المتنامية هي ان الاستيطان – وهو غير قانوني برمته بموجب القانون الدولي- بات متجذراً الى حد ان من غير الممكن عكسه من دون حرب اهلية اسرائيلية. ولكن هل هذا صحيح؟ ان نقطة الضوء الوحيدة في مشهد سياسي حالك العتمة هم النشطاء الاسرائيليون الشبان ولكن الناضجون نضاليا، المنضوون في مركز ابحاث جديد اسمه "مولاد" والذين يحاولون احياء اليسار الاسرائيلي الراكد، والذين يتحدون الافتراض القائل بان من غير الممكن تحقيق حل الدولتين. وهم يجادلون بانه اذا عوضت اسرائيل المستوطنين لينتقلوا الى اسرائيل نفسها، مع قطع امدادات الماء والكهرباء والخدمات الاخرى عن المستوطنات بحلول تاريخ معين، فان من المرجح ان تغادر غالبية كبيرة من دون ضجة او مقاومة، تاركين وراءهم نواة صلبة يمكن نقلها بالقوة، مثلما حصل مع اقلية (من المستوطنين) من غزة. والحجة المضادة الاكثر اقناعاً هي انه حتى لو كان ذلك ممكنا مادياً، فليست هناك ارادة سياسية لعمل ذلك. ويمكن ان يكون صعبا بالتأكيد الافلات من الحلقة المفرغة المتمثلة في ان اسرائيل لن تصنع السلام في اوقات الصراع المسلح لانه سيكون استسلاماً لـ "الارهاب" وانه عندما يكون هناك هدوء لا تكون هناك حاجة للتوصل الى سلام. ومع ذلك فقبل ست سنوات فقط صوتت غالبية من الاسرائيليين لاحزاب تنادي بشكل ما من اشكال الانسحاب من الضفة الغربية. وفي استطلاع اجرته "مولاد" تبين ان نحو نصف الاسرائيليين سيدعمون اتفاقا مع الفلسطينيين. ولكن كي يكون ذلك مصدراً لاي امل، لا بد ان يبرز سياسي اسرائيلي لديه الارادة للتفاوض على صفقة مع الفلسطينيين والقوة الانتخابية لتنفيذها. ويحتاج الغرب في النهاية الى ان يفهم، ويبدأ في عكس، مساهمته الضخمة في المأساة المتكشفة في اسرائيل-فلسطين. وليس من الواضح ما اذا كانت ولاية رئاسية ثانية لاوباما يمكن ان تتغلب على النفوذ الفريد الذي تمارسه في السياسات الداخلية الاميركية لجنة الشؤون العامة الاميركية الاسرائيلية (ايباك)، وهي جسم ممثل لليكود بزعامة نتنياهو اكثر مما هو ممثل لليهود الاميركيين. غير ان لدول الاتحاد الاوروبي توجها ايضا. فقد انحازت كثيرا الى اسوأ مسار، باثارة المؤسسة السياسية الاسرائيلية نتيجة الشكاوى المبدأية حول سلسلة من انتهاكاتها للقانون الدولي في الوقت الذين امتنعت فيه عن اتخاذ اي اجراء لوقفها. فهي لم تحصل قط على تنازلات مقابل ما بقي من ارث اوسلو الذي يدر بلايين الدولارات، بعد مرور حوالي 20 عاما على توصل الاتفاقات الى آخر امل حقيقي، وان يكن عبثيا، لتحقيق السلام. ومع القليل من الاستثناءات فان اوروبا فكت ارتباطاتها في ما يتعلق بالعلاقات التجارية المتنامية مع اسرائيل عن اي جهد لتامين التوصل الى حل. ولا يعود الامر الى اغفال الانقسام والفساد الفلسطيني في ملامة عدم المبالاة الغربية في مواجهة النجاح الواسع الذي تحقق على ايدي سلام فياض لتلبية مطالبها لان تكون السلطة الفلسطينية مؤهلة لتشكيل دولة بذاتها، لنرى قوة السلطة تنزف كل يوم بسبب اليأس من تحقيق تقدم نحو اقامة دولة لهم. وتعشش في اوروبا مشاعر الذنب التاريخية في ما يتعلق بالمحرقة. لكن هذا يعود بصورة قاتلة الى سوء فهم تجاه المبادرة التي عليها ان تقوم بها. وهي ان امن وشرعية اسرائيل الدائمة لا تكفلها في نهاية المطاف دبابات وطائرات "إف – 16" وانما اعتراف دولي بالحدود واتفاق مع الفلسطينيين والتعايش مع جيرانها وهو ما عرضته مبادرة السلام العربية التي اعدتها المملكة السعودية. وقد ادرك ايهود اولمرت، وهو منشق عن اليمين، قبل خمس سنوات، ان البديل هو دولة تفرقة عنصرية سيؤدي فيها "النضال من اجل حقوق التصويت المتساوية على غرار اسلوب جنوب افريقيا" من قبل الفلسطينيين في نهاية الامر الى تحقق ذلك وستكون النتيجة "انتهاء" الدولة اليهودية. او بكلمة اخرى، ان اكبر خطر وجودي يهدد اسرائيل، على الرغم من الخطرالايراني، قد يتبين انه اسرائيل ذاتها.