خبر : لماذا يتجنب الرئيس مرسي ذكر "إسرائيل" بالاسم؟ ...محمد ياغي

الجمعة 28 سبتمبر 2012 09:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا يتجنب الرئيس مرسي ذكر "إسرائيل" بالاسم؟ ...محمد ياغي



على عكس التأكيدات الدائمة والمستمرة من قبل الرئاسة المصرية والتي تعبّر عن احترامها للمعاهدات الدولية والتزامها بالاتفاقيات السابقة، والتي يفهم منها احترام مصر لمعاهدة كامب ديفيد والتزامها بها، إلا أن خطابات الرئيس مرسي تحرص دائماً على تجنب ذكر "إسرائيل" بالاسم عندما يتحدث عنها، وكأنها في الوعي الباطني للرئيس "غير موجودة". في خطاب الرئيس مرسي أمام الأمم المتحدة كان يجب ذكر اسم إسرائيل مرتين على الأقل، وثلاثة مرات لو ذكر حصار غزة. اسم إسرائيل كان يجب أن يذكر عندما تحدث الرئيس عن القضية الفلسطينية، لكنه أشار لها بكلمة "طرف" عندما قال: "إنه لمن المشين أن يقبل العالم الحر استمرار طرف في المجتمع الدولي في إنكار حقوق أمة تتوق إلى الاستقلال على مدى عقود مهما كانت المبررات". الحقيقة أن هذه الجملة تنطبق على العديد من الدول ومنها مثلاً الدول التي تقوم بحماية إسرائيل في مجلس الأمن وتمنع تطبيق ميثاق الأمم المتحدة، لكن ورود كلمتين في الخطاب – وهما "العالم الحر" تعطي دلالة على أن الرئيس المصري يستثني هذه الدول من كلامه ويقصد الدولة التي تحتل فلسطين وهي إسرائيل.. ويؤكد ذلك حديثه عن الاستيطان "في أراضي هذا الشعب".. المقصود بذلك أراضي الشعب الفلسطيني وأن الذي يستوطن هو إسرائيل. المرة الثانية التي تجاهل فيها الرئيس ذكر اسم إسرائيل كانت عندما تحدث عن خطر انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط قائلاً "إن إرادة الشعوب في منطقتنا لم تعد تتقبل استمرار أي دولة بعينها خارج معاهدة منع الانتشار النووي" متبعاً ذلك بالقول "ولا عدم تطبيق نظام الضمانات على منشآتها النووية، خصوصاً لو اقترن هذا بسياسات غير مسؤولة وتهديدات تلقى جزافاً." قطعاً المقصود "بدولة بعينها" ليس إيران لأن الأخيرة موقعة على معاهدة منع انتشار السلاح النووي، والرئيس يقصد "إسرائيل" لأنها الدولة التي لم توقع على المعاهدة الدولية.. الرئيس يتوقع من العالم أن يفهم من يقصد في كلامه!. المرة الثالثة التي كان يجب أن يرد فيها اسم دولة إسرائيل ولكن ذلك لم يحدث لأن الرئيس مرسي لم يتحدث أصلاً عن الموضوع هو حصار غزة. الرئيس تجاهل الموضوع بالمطلق وكأن غزة غير محاصرة منذ خمس سنوات. وطالما لم يذكر الأصل وهو الحصار، فكيف يمكنه الحديث عن "فاعليه". هنا لا ندعي أن الهدف من عدم "ذكر الحصار" في خطاب الأمم المتحدة كان بهدف "الهرب" من ذكر اسم إسرائيل، فقد كان بإمكانه أن يكرر الصياغات السابقة المبنية للمجهول وأن يقول "طرف" و"جهة بعينها" تحاصر غزة وهذا غير مقبول ومخالف للشرعية الدولية مثل الاستيطان. لكننا ما زلنا نعتقد، إذا أحسنا الظن، بأن تجاهل الموضوع برمته هو من باب الرغبة بإنهاء حصار غزة وفق ترتيب ثنائي بين حكومة غزة والحكومة المصرية. السؤال اللافت للانتباه هو لماذا يتجنب الرئيس مرسي ذكر "إسرائيل" بالاسم؟ لماذا صيغة المبني للمجهول عند الحديث عنها؟ الجواب في تقديري هو من باب الوفاء والالتزام بأدبيات الإخوان المسلمين في مصر. إذا أراد الرئيس، وخلفيته وتاريخه معروفه للجميع، أن يستخدم لغة الإخوان، عندها سيضطر للقول "الكيان الصهيوني الغاصب" أو "الدولة اليهودية". الوصف الأول لإسرائيل فيه نوع من العداء لها لن يقبله "العالم الحر"، والرئيس لا يريد أن يرسل رسالة للعالم مغايرة لرسالة "الالتزام بالمعاهدات الدولية والاتفاقيات السابقة". والجملة الثانية لوصف إسرائيل، مرحب بها من قبل إسرائيل وتسعى لها وهو لا يريد أن يعطيها هذه الراحة أو أن يعطي فهماً خاطئاً لتعبير "الدولة اليهودية". في أدبيات الإخوان الدولة اليهودية ترد عندما يتم الحديث عن تصفيتها لا عن المصالحة والمعاهدات معها. الرئيس "المحرج" من العالم والوفي لجماعته ولأدبياتها وتاريخه الشخصي في الوقت نفسه لم يجد أمامه غير سلوك هذا النهج في خطابه: الحديث عن إسرائيل كما لو أنها "شبح" يمكن التعرف عليه من أفعاله لا من وجوده الحقيقي على الأرض ومن دعم العالم لها. هذه اللغة تكررت حتى في حديثة عنها (إسرائيل) داخل مصر. صحيفة "المصري اليوم" نقلت يوم 27 أيلول أن الرئيس المصري طلب من وزير دفاعه أثناء اجتماعه بالمجلس العسكري، أن يتم إعداد احتفال "مهيب" بذكرى حرب أكتوبر حتى يتم "تذكير الجيران" بقوة الجيش المصري. مرة أخرى كلمة "الجيران" بدلاً من إسرائيل، التي يستدل على أنها هي المقصودة بذلك وليس السودان أو ليبيا، من سياق الحديث الذي يدور حول حرب أكتوبر. سيحتاج الرئيس إلى بعض الوقت للتغلب على "خلفيته" الإخوانية وعلى "لغته" الدينية التي تنفع لخطب الجمعة ولا تصلح للمحافل الدولية التي يشترك فيها أصحاب الأديان السماوية والأرضية واللادينيون.. لكن من مصلحة مصر والعرب جميعاً أن يكون هذا الوقت قصيراً، وقصيراً جداً أيضاً لأن مصر وفلسطين بحاجة إلى لغة واضحة ومبادرات صريحة. كنا نفضل أن يذكر الرئيس المصري العالم وإسرائيل بالمبادرة العربية، وأن يتحدث عن السلام بين الشعوب، وأن مصر يدها مفتوحة لسلام فيه دفئ مع إسرائيل إن كانت الأخيرة على استعداد لاحترام القانون الدولي والتسليم بحق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم على الأرض التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.. لكن الرئيس فضل سياسة "المبني للمجهول" لأن سياسة مصر الخارجية في هذا الملف ما زالت تراوح في المكان نفسه الذي صاغه الرئيس المخلوع، وهو أن قضية فلسطين "شأن داخلي فلسطيني" وبهذا يتخلص الرئيس الجديد من الحرج الذي قد يصيبه إذا ما ذكر صراحة اسم "إسرائيل."