خبر : أميركا مصدر الظلم العالمي ... بقلم: طلال عوكل

الخميس 27 سبتمبر 2012 11:52 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أميركا مصدر الظلم العالمي ... بقلم: طلال عوكل



حين اعتلى الرئيس الفلسطيني منصة الخطابة في الدورة السابقة للأمم المتحدة، حظيت كلماته بترحيب حار وتصفيق متكرر من قبل الغالبية الساحقة من رؤساء وأعضاء الوفود، الذين يمثلون مائة واربعاً وتسعين دولة هم أعضاء الجمعية العامة. حتى الفقراء، ورؤساء الدول والحكومات الصغيرة والضعيفة، وليس فقط رؤساء وزعماء الدول الكبرى والغنية، يملكون من الكرامة وعزة النفس، وربما الغرور بما يمنعهم أحياناً من إظهار حماسة زائدة، وعاطفة جياشة إزاء نظرائهم من دول اخرى، فكيف حين يتصل الأمر، برئيس سلطة، ومنظمة تحررية، عندما يقف أمامهم مخاطباً ضمائرهم، وطالبا موافقتهم على ان تحظى بلاده المحتلة بما تحظى به اصغر الدول، التي تتمتع بعضوية كاملة في المنظمة الدولية؟ لنا ان نتخيل المعاني البعيدة والعميقة التي يدل عليها التصفيق الجماعي المتكرر الذي قوبل به خطاب الرئيس الفلسطيني، مقابل الفتور الظاهر الذي قوبل به خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولنا ان نتخيل معنى انسحاب العديد من الوفود الى خارج قاعة الجمعية العامة حين نودي على نتنياهو لإلقاء خطابه. في هذا اليوم، سيتكرر المشهد، وربما تبدي الوفود حماسة اشد تأييداً لخطاب الرئيس محمود عباس، لأنه خطاب فلسطين، خطاب الكرامة الإنسانية التي تسعى للتحرر والإسهام في مسيرة التطور العالمي، مئة وثلاث وثلاثون دولة، اي أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يؤيدون الطلب الفلسطيني للحصول على مقعد في المؤسسة الدولية، أما الثلث الأخير، فمنهم من يؤيد ومنهم من يتحفظ، والأقل من يعارض الطلب الفلسطيني. ينتصر العالم لخطاب الحق، والتحرر من الاستعمار الذي جربته معظم شعوب الأرض واكتوت بنيرانه، ذلك ان الرئيس عباس لا يذهب لإعلان الحرب على إسرائيل، ولا على الولايات المتحدة، او اي من أصدقاء وحلفاء إسرائيل، بل انه يذهب سعياً وراء السلام، مستجيراً بشعوب الأرض للدفاع عن السلام الذي ترفضه إسرائيل، ولكي يرفض العالم ويقاوم الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني. ألا ينطوي ذلك على ظلم شديد للأمن والسلام العالميين ولشعوب العالم التي ينبغي ان تكون لها حقوق متساوية، وفرص متساوية في الحفاظ على التراث الإنساني، والاستقرار؟. لقد خضعت الأمم المتحدة، لمنطق وهيمنة الدول الكبرى الخمس التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، واستطاعت ان تفرض على شعوب الأرض، هذا النظام الذي يعطي لدول مجلس الأمن الخمس التحكم في مصائر شعوب الأرض. والحال انه من بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، من بادر الى شن حروب تدميرية طاحنة وظالمة ضد دول وشعوب اخرى، بعضها تحت شعار حماية الامن والسلم، وبعضها افتراء واستضعافاً لدول اخرى، وفي كل الاحوال لخدمة مصالح الغرب واستراتيجياته. أي حق هذا الذي تحظى به دولة هي الولايات المتحدة، بما يجعلها تفرض قرارها وإرادتها ومصالحها، على كل شعوب الارض، حتى لو كانت كل شعوب الأرض ترى غير ما تراه الولايات المتحدة؟ خلال السبعين عاما التي انقضت على نهاية الحرب العالمية الثانية، التي ارتكبت خلالها الولايات المتحدة جريمة إلقاء قنابل نووية على هيروشيما وناجازاكي، منذ تلك الحرب حتى الآن استعادت دول مهزومة مكانتها وقوتها، بل تفوقت على دول انتصرت في الحرب العالمية وحظيت بمقعد دائم في مجلس الأمن، فلماذا تتجاهل الأمم المتحدة حقوق هذه الدول ان كانت الحقوق مرتبطة بموازين القوة! ولكن السؤال هو لماذا لا تتمرد شعوب الارض التي ترفض استمرار هذا الظلم، واستمرار تحكم الولايات المتحدة بمصير الامم المتحدة، ومصير العالم أيضا؟ ان الدول التي تناصر الحق الفلسطيني بمقعد في الأمم المتحدة، ليست كلها دولاً ثورية او معادية للولايات المتحدة، بل ان بعضها من الدول الحليفة لأميركا ولإسرائيل أيضا، وهذه الدول ليست موعودة من قبل الفلسطينيين والعرب بمكافآت ان هم وقفوا الى جانب الطلب الفلسطيني، لكن ضمائر هؤلاء لا تسمح لهم بأن يتحملوا ما يتحمله ضمير الرئيس الاميركي، الذي ينطوي على ظلم مطلق. الولايات المتحدة مصابة سياستها بالشيزوفرينيا، فلماذا تقاوم الطلب الفلسطيني لنيل العضوية بمواصفات اقل من مواصفات الاعضاء، فيما تواصل الحديث عن التزامها رؤية الدولتين، واي ضرر سيلحق بالولايات المتحدة، والامن والسلم العالمي حين تحظى فلسطين بهذا الحق؟ لا نبتغي ولا ضرورة لإعادة قراءة السياسة الاميركية، فهذه واضحة وضوح الشمس، حتى اصبح اسمها مقترنا، في اذهان شعوب الأرض، بالظلم والحرب، والاستعمار والانانية، ولكن المطلوب قراءة السياسات الفلسطينية والعربية، فهذه اكثر تعقيدا واقل شفافية ووضوحا، ان حجم الظلم الذي تنطوي عليه السياسة الأميركية ضد الشعب الفلسطيني وشعوب الأرض، هو انعكاس لقوة الولايات المتحدة، من ناحية، وضعف الآخرين من ناحية ثانية. هذه هي المرة الثانية التي يذهب فيها الفلسطينيون الى الامم المتحدة، بطلب العضوية، وايضا بدون قرار حاسم، اذ يقال ان الرئيس سيلقي خطابه ويؤكد الطلب الاول، او يتقدم بطلب جديد، ولكن التصويت سيؤجل الى ما بعد الانتخابات الاميركية. في الأساس، فإن الطلب متأخر جداً، وكان من المفروض ان تكون منظمة التحرير قد تقدمت به، بعد ايار ١٩٩٩، العام الذي كان يفترض ان تتوج فيه اتفاقية أوسلو بقيام الدولة الفلسطينية. الفلسطينيون تلكؤوا، واستدرجتهم العروض الخائبة التي تتعلق بالمفاوضات والعملية السلمية، والوعود الكاذبة من الولايات المتحدة مرة ومن الرباعية مرة اخرى، ومن قبل أضاليل السياسة الإسرائيليين دائماً فيما لم يكونوا بحاجة الى صرف عشرين عاماً حتى يقولوا للعالم "اللهم فاشهد" اننا قلبنا كل حجر بحثاً عن السلام لكن إسرائيل ترفض. العرب العاربة هم ايضا مسؤولون، اذ ان ضعفهم وتشتتهم، وتآمرهم على القضية الفلسطينية، وأهلها، وغياب الارادة الحقيقية الموحدة التي ينبغي ان تقف خلف الفلسطينيين، هؤلاء أيضاً مسؤولون عن الحال الذي بلغته القضية الفلسطينية من هوان وضعف. هل سيكون التوجه الى الأمم المتحدة بداية طريق ومؤشرا على مرحلة من توفر ارادة التحدي لمواجهة سياسات الاحتلال، ومظالم الولايات المتحدة؟ ان كان هذا صحيحاً فإنه يترتب على القيادات الفلسطينية ان تتقدم من شعبها اولاً بسلوك مختلف، أما إن كانت الخطوة معزولة، فإن الحال لن يتغير كثيراً أو قليلاً، وصدق من قال قديماً إن أميركا رأس الحية.