باتت شبه جزيرة سيناء، تمثل خاصرة استراتيجية رخوة، للأمن القومي المصري. وتتنوع عناصر التعقيد والتهديد، في هذه المنطقة، بالقدر الذي أقلق المجتمع المصري كله، حتى أصبح استفسار الرسوم الكاريكاتيرية شائعاً بصيغته المتداولة: «هو إيه اللي بيحصل في سينا بالضبط؟» الدولة المصرية، وقعت بين مطرقة التهديد الإرهابي، وسندان الخطط والتحفزات والإيماءات الإسرائيلية. ومن يتأمل الأمر بعمق، يخرج بنتيجة مؤداها أن الحدَّاد الاستخباري الإسرائيلي، هو صانع الاثنتين، المطرقة والسندان. والمسائل على هذا الصعيد تتفرع. وبدا في استطلاعات الرأي، التي تجريها وسائل الإعلام المصرية، وبخاصة المطبوعة منها؛ أن الفلسطيني هو الهدف الذي تطارده إسرائيل، ومعها عناصر من عملائها القدامى الجدد. فقد بدأ هؤلاء مبكراً، بالتحسب لوجود عناصر فلسطينية في أراضي سيناء، تكون قاعدتها عمليات شراء الفلسطينيين للأراضي. ويبدو أن إسرائيل أوعزت لبعض الناطقين باسم بعض القبائل أو فروعها، بالدخول على خط التشريع الذي يسمح للفلسطيني بالحصول على الجنسية المصرية. والمعروف أن هذا التشريع، لم يُعط بعض الفلسطينيين هذا الحق، من باب الأريحية نحوه، وإنما هو فقرة متممة للحقوق الدستورية للمرأة المصرية المتزوجة من غير المصري. فقد كان وظل في وسع المرأة المصرية المتزوجة من أي بلد، أن تمنح أبناءها الجنسية. لكن المتزوجة من الفلسطيني حصراً، ظلت هي غير القادرة على اكتساب هذا الحق، حتى جاء التشريع الجديد، الذي الغى الاستثناء المتعلق بالمتزوجة من فلسطيني حصراً. وعلى الرغم من دستورية هذا الأمر؛ إلا أن بعض الأصوات في سيناء، صدرت لتعارض منح الجنسية للفلسطينيين، على اعتبار أن من يحصل على الجنسية المصرية، سيكون قادراً على شراء أراضٍ في سيناء، سواء لكونها أقرب الى بلاده أو للاستثمار. ولم تكن هذه الأصوات لتصدر، لو أن عمليات الشراء جرت لصالح عرب من جنسيات أخرى. فالمسألة، عندئذٍ، ستؤخذ باعتبارها استثمارات تنموية توفر فرص عمل لسكان سيناء ولغيرهم من المصريين. والعارفون بخارطة العشائر وأسمائها، في سيناء، يلاحظون عندما يدققون في أسماء أولئك الذين ذهبوا في معارضتهم لتملك الفلسطينيين للأراضي، الى حد المطالبة بوقف تجنيس الفلسطينيين، للحيلولة دون شراء الأراضي وتسجيلها؛ أن تلك الأسماء تنتمي الى الشرائح الطفيلية التي ظلت ناشطة إبان الاحتلال الإسرائيلي وتعاونت معه. أما أسماء الذين رحبوا بحيازة الفلسطيني لملكيات عقارية، فهم من العشائر التي عايشت أوقات الفلسطيني في السجون وفي مراحل المقاومة، وقد جاهر هؤلاء بآرائهم الصائبة، وهي أن الفلسطينيين هم رواد تنمية زراعية ورواد بناء، وتشهد بذلك العديد من الأقطار العربية!* * *الصلة ليست مقطوعة، بين الإرهاب الأعمى الذي يطال الأبرياء، ويهدد الاستقرار ويتطاول على الدولة المصرية في سيناء ويعتدي على رجال الأمن؛ وإسرائيل أم الفتن والألاعيب والخطط المعقدة. فلا يختلف اثنان، على أن صعوبة إنجاز الحل الأمني في مصر، قد نجمت عن فقدان المنطقة للتنمية الاقتصادية، بل وللتنمية السياسية (العمل الحزبي الوطني والتوعية والتواصل مع المجتمع المصري في سيناء). والمعروف أن التنمية الاقتصادية، إن كانت في سيناء أو في كل ارجاء مصر، تظل في حاجة الى مقدرات الاستثمار العربية. لكن وجود الفلسطيني، ولو في شكل عنصر تنموي، يقلق إسرائيل، لأن الفلسطيني الجيد، في منظور إسرائيل، هو الفلسطيني المحاصر والمخنوق، أو الفلسطيني الذي في مرمى النيران أو عامل البناء في المستوطنات. لذا فإن الاحتلال وأذنابه معنيون باختلاق «فلسطين فوبيا» مستديمة تجعل الفلسطيني مصدر الخطر والشر. وليس هؤلاء الأذناب في سيناء وحدها، وإنما هم الآن في الإعلام وفي الأحزاب الصغيرة. وهؤلاء هم الذين استعجلوا واتهموا الفلسطيني بالضلوع في جريمة رفح في شهر رمضان، وأداروا بسرعة ودونما يقين، حملة تشويه للفلسطينيين وجزموا بأنهم المعتدون!الأمور تتداعى في سيناء، والمحتلون يهددون، والإرهابيون ينفلتون ويضربون كلما سنحت لهم الفرصة. وعند تشخيص الداء، يُقال بلسان أذناب، إن الفلسطيني هو الخطر. ودخلت على الخط، عناصر متلطية بالدين ومتمسحة بجماعة «الإخوان» لتبادر الى التضييق على الشباب الفلسطينيين الماكثين مع أسرهم في العريش، وهم المناضلون الشرفاء الذين غادروا غزة لكي يتحاشوا القتل والاقتتال، وعاشوا نحو ست سنوات في العريش، بشرف واحترام. ففي سياق عملية التضييق هذه، تُسمع تهديدات واتهامات مختلقة من الألف الى الياء. كأن الشاب الذين رضوا بالهمّ لكي لا تتلطخ أيدهم بالدماء، بات الهمُّ نفسه لا يرضى بهم. وليس من كلمة حق، ولا من توجيه سياسي أو ديني، ينصف الضيوف المضطرين، ويزجر المنفلتين على الشباب، لكي لا يرموا الناس بالباطل، على نحو ما حرّم الله أو بما يخالف القانون!لقد أصبحت سيناء مسرحاً لعملية شيطانية معقدة، تتشارك فيها الأضداد في الظاهر، وتستهدف سمعة الفلسطينين وأمنهم وجدارتهم، ما يجعل الكرة في ملعب القوى السياسية، التي يُفترض أنها تمثل ثورة وربيعاً، وأخذاً لناصية الطريق الى الحق والعدالة!www.adlisadek.netadlishaban@hotmail.com