لايوجد ما يدعو للدهشة فيما يخص الأخبار المتلاحقة بتقديم مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية والتي سبقها بأيام دعوة من رئيسها ورئيس وزرائه للتدخل فورا ومد يد المساعدة للسلطة التي تعاني من أزمة مالية بالغة الخطورة تهدد قدرتها على الوفاء بواجباتها. فقد قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي الافراج عن250 مليون شيكل أي حوالي 62.5 مليون دولار من المستحقات الضربية التي تجبيها دولة الاحتلال على البضائع المستوردة والملزمة بتحويلها إلى السلطة الفلسطينية وفقا لما هو متفق عليه (وفقا للمعلومات المتوفرة، اقتطعت دولة الاحتلال 30 مليون شيكل لتسديد فاتورة كهرباء السلطة)، واستتبع القرار بآخر من قبل الإدارة الامريكية بتخصيص 200 مليون دولار كمساعدة ماليه للسلطة وبآخر من الاتحاد الاوربي بتخصيص 100 مليون دولار مضافة إلى 100 أخرى مخصصة لهذا العام من قبله للسلطة. يبدو ان الدعاء في الأرض المقدسة يستجاب له، فما دعا اليه الرئيس ورئيس وزرائه، تمت الاستجابة له او لبعض منه هذه المرة بسرعة ملفتة، على الرغم من أن الدعوات السابقة مع نهاية كل شهر من السنة لم تكن تلق أي اهتمام من قبل أطراف المجتمع الدولي الممولة للسلطة. أما الأكثر إثارة فهي طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو رسميا من الولايات المتحدة الامريكية بتأمين المساعدة المالية العاجلة للسلطة مستشعرا الخطر من انهيارها وهو الذي طالما دعا الادارة الامريكية نفسها والكونجرس لعقاب الفلسطينيين وهو الذي طالما استخدم أموال الضرائب المستحقة للفلسطينيين كأحد ادوات العقاب بحق السلطة ولاسيما عندما قررت السلطة التوجه للأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة فيها. هذا الكرم المفاجيء من قبل من استخدم التمويل جزاء وعقابا بحق الفلسطينيين يؤكد على قضيتين أساسيتين: اولا: لم يكن للمستجيبين أن يتسجيبوا لولا ما شهدته شوارع مدن الضفة الغربية من احتجاجات على استشراء الغلاء على نحو فاحش بحيث لم يعد بامكان المواطنين حتى في حالة صرف الرواتب وانتطامها من ان يؤمن متطلبات العيش الكريم له ولأسرته. ثانيا: إن اتساع نطاق الاحتجاجات أثار خشية لدى المستجيبين بأن تتعرض السلطة إلى هزة كبيرة قد تعصف بها أو أن تذهب بعيدا باتخاذ قرارات من نوع حل نفسها بما يعفيها من المسئولية عن السكان الفلسطينيين واعادة تحميلها لمن يجب ان يتحملها وهو دولة الاحتلال الاسرائيلي وهو ما لايمكن التسامح معه من قبل تلك الأطراف. انشئت السلطة الفلسطينية وفقا لاتفقاق تعاقدي بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال لتتولى المسئولية والولاية القانونية على أراض ووظائف وأفراد، وقد انشئت السلطة واريد لها ان تعتمد في وجودها وفي قدرتها على الوفاء بواجباتها تجاه مواطنيها على المساعدات الدولية. وقد قدم العالم دعما سخيا للسلطة سواء نفقات تشغيلية او تطويرية، وقد خلق التمويل الدولي والمساعدات المقدمة حالة غاية في الهشاشة بالنظر للاعتمادية الهائلة من قبل السلطة على ذلك التمويل وهو تمويل سياسي بامتياز، أبقى ويبقى رقبة السلطة بين يدي هذه الاطراف بحيث تستخدم ذلك التمويل متى شاءت وكيفما شاءت لممارسة الضغوط السياسية على السلطة وتدجينها وتحويلها إلى ما يشبه البلدية الكبيرة نسبيا. منذ انشاء السلطة، لم يرافق التمويل الدولي، أي ضغط سياسي على دولة الاحتلال بما يحقق الغاية المرجوة من التمويل كما هو معلن، وضمان أن تذهب لغاياتها المحددة، واكتفى المجتمع الدولي بلعب دور الممول من خلال الدعم المالي وهو دور عشقوا القيام به، مقنعين دافعي الضرائب في بلدانهم بأن هذه الأموال تساهم مباشرة في صنع السلام في هذا المكان من العالم. وهذه الأموال التي جرى تحويلها للسلطة على مدى سنوات عمرها والتي كان من المفترض أن تساهم في خلق فرص للعمل وتأهيل البنية التحتية والقضاء على تركة الاحتلال الثقيلة على مختلف مناحي حياة الفلسطينيين، لم يكن لها ان تذهب إلى غايتها تلك. حيث لم تكن هذه الأموال لتعوض الفلسطينيين ربع خسائرهم جراء الحصار الاسرائيلي الذي فرض عليهم، وما تتبناه من سياسة منظمة لخنق الاقتصاد الفلسطيني، وهي في نهاية الأمر كانت جزءا من فاتورة تدفع للاحتلال عن احتلاله، ليصبح الاحتلال الاسرائيلي هوالأقل كلفة في العالم. والسؤال كيف يمكن لهذه الأموال ان تذهب إلى غايتها في ظل عدم القيام بدور سياسي نشط وممارسة الضغط على دولة الاحتلال لرفع يد عدوانها حصارها على الشعب الفلسطيني؟ "حصاد الآثام" هو مشهد الحالة التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية المحتلة، فمن وهم السلطة إلى وهم بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال، أي سلطة وأي مؤسسات للدولة ونحن عاجزون عن السيطرة على الحد الأدني من مواردنا ومقدراتنا وأي دولة هذه ونحن جميعا لانستطيع التنقل بحرية بين مدينة وأخرى في ظل وجود مايزيد عن 600 حاجز عسكري، والاستيطان لم يتوقف ولو للحظة في سباق محموم مع الزمن لتغيير معالم أرضنا وأي وهم هذا والمدينة المقدسة تم الاجهاز عليها بالكامل تهويدا وطمسا لكل ما هو فلسطيني او عربي أو اسلامي او مسيحي، وأي بناء للدولة ونحن في أشد حالات انقسامنا ضراوة بما يهدد قضيتنا على نحو خطير، وأي وهم هذا ونحن خلقنا كسلطة أريد لها ان تبقى مزمنة ولاتستطيع مغادرة مربع المرحلية في اعتمادية من اخطر ما يكون على مساعدات المجتمع الدولي. إنه نفس المجتمع الدولي الذي تسامح ولازال مع ما ارتكبته دولة الاحتلال من جرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة بل ان بعض الأطراف المقدمة للمساعدة وفرت غطاء سياسيا وقانونيا لهذه الجرائم في مجلس الامن وغيره وانتصرت لها ظالمة وعاقبتنا مظلومين ومارست علينا ضغوطا لم نعد معها في كثير من الأحيان نشعر بأي كرامة او عزة نفس. إن الازمة المالية التي تعصف بالسلطة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وسوف تتكرر طالما بقينا نراوح في نفس المكان من الفعل السياسي، وطالما ارتضينا لأنفسنا ان نكون رهينة للمساعدات الدولية ذات الطابع السياسي، إن الخروج من هذه الحالة البالغة الخطورة والهشاشة يتمثل في إعادة الأمور إلى اصولها وبتصويب الوضع الخاطئء وبالخروج من المأزق الذي وضعنا انفسنا فيه. إن نقطة البدء في ذلك تتمثل في إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الاطار الكفاحي الجماعي والممثل للفلسطينيين وبإنهاء الانقسام فورا، رحمة بنا وبأنفسكم، ولما له من تداعيات كارثية على المشروع الوطني وعلى قضيتنا التي لم تتعرض للانكشاف كما هو الحال الآن. إن إنهاء الانقسام يجب أن يؤسس على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني بما يضمن تعظيم الاشتباك السياسي والقانوني مع الاحتلال في عملية كفاحية ينخرط فيها الكل الفلسطيني وبرفض أي أجراء او فعل ينتقص من حقوقنا ولا تكون مرجعياته انهاء الاحتلال وتأمين حصولنا على حقوقنا المشروعة غير القابلة للتصرف وتحقيق عدالة بحجم ما سال من دماؤنا ومن عذابات امهاتنا وآلام اسرانا.