خبر : جراح بريطاني متقاعد: حل الدولتين في الشرق الاوسط لم يعد واقعيا للتفاوض حوله ولا بد من قيادات حكيمة تقنع شعوبها بحقائق المنطق

الثلاثاء 11 سبتمبر 2012 03:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
جراح بريطاني متقاعد: حل الدولتين في الشرق الاوسط لم يعد واقعيا للتفاوض حوله ولا بد من قيادات حكيمة تقنع شعوبها بحقائق المنطق



لندن / سما / اعتبر جراح القلب المتقاعد تيرينس انغليش ان التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين حول حل الدولتين لم يعد منطقيا، مؤكدا ان حقيقة التداخل الديمغرافي لم تعد تسمح بالبحث في امكانية الفصل بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي بالذات في الضفة الغربية. واشار انغليش الذي عمل مدربا في الاراضي الفلسطينية، الى ان الحقائق التاريخية لدى الشعبين تمنعهما من التازل كل منهما للاخر عن حقوقه في الارض الكاملة. ودعا في مقاله في صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية اليوم الثلاثاء الى ان تكون هناك قيادات حكيمة لدى الشعبين تقنع شعوبها بفكرة حل الدولة الواحدة والتعايش في اطار دستور يكفل الكرامة والحرية والعدالة لكليهما. وهنا نص التقرير: "كجراح متقاعد، انشغلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة في تقديم دورات حول علاج الصدمات لأطباء من غزة والضفة الغربية. وكانت زيارتي الأولى بعد الغزو الاسرائيلي للقطاع نهاية العام 2008. أصبت بالهلع عندما رأيت مدى التدمير للبنية التحتية، ومعاناة السكان نتيجة الحصار الذي فرض على القطاع منذ العام 2006. ولاحقا، شاهدت تغلغل المستوطنات الاسرائيلية في أعماق الضفة الغربية، والإذلال الذي يعانيه السكان المحليون عند الحواجز الاسرائيلية العديدة عندما يتنقلون، حتى لمسافات قصيرة، داخل وطنهم المحتل. وحتى في القدس الشرقية شاهدت عائلات فلسطينية تطرد من بيوتها التي عاشت فيها لسنوات كثيرة ليحل محلها مستوطنون اسرائيليون. وبعد التعرض لهذه التجارب، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل كيف يمكن لهذا الصدام بين ثقافتين مختلفتين وتطلعات قومية متنافسة أن ينتهي. ويمكن تفهم آلام الفلسطينيين على خسارة جزء كبير من الأرض التي كانت لهم ذات يوم، وحقيقة أن الكثيرين منهم يعيشون كلاجئين أو تحت الاحتلال والحصار في الأجزاء المتبقية. وهذه الأجزاء لم تعد متصلة وربما تمنع وصولهم إلى الأماكن المقدسة في القدس الشرقية والخليل. ومن ناحية ثانية، فالاسرائيليون يعتبرون أن الأرض كانت في وقت ما ملكا لأجدادهم- على الرغم من مرور ألفي عام- وهم فخورون لأنهم أوجدوا دولة عصرية توفر وطنا وملاذا سياسيا ليهود العالم. أنا لست سياسيا، لكن اعتقد ان هناك ثلاثة خيارات في ما يتعلق بحل للحالة التي لا تحتمل للأمور حاليا. الخيار الذي يتم دعمه على نطاق واسع هو حل الدولتين، الذي بموجبه تقام دولة فلسطينية مكونة من قطاع غزة وما يتبقى من الضفة الغربية بعد انتهاء الاحتلال الاسرائيلي. هذا الحل تم الانتقاص منه نتيجة للتوسع الذي لا يتوقف للمستوطنات منذ العام 1967. ونتيجة لهذا فهناك حاليا اكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، معظمهم سيقاوم بشدة إعادة إسكانه داخل الحدود المعترف بها دوليا لاسرائيل. وهناك مشكلة خطيرة أخرى في حل الدولتين هي مستقبل القدس. فأن تصبح المدينة كلها عاصمة لاسرائيل هو "أمر غير قابل للتفاوض" من جانب الاسرائيليين، بينما يعتبر الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة دولتهم الفلسطينية المستقلة. خيار آخر وهو مفضل لدى كثير من الصهيونيين، وهو أن على اسرائيل أن تضم فعليا كل الأراضي بين البحر المتوسط ونهر الأردن. وهذا يعني أن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية إما أن يتم تهجيرهم إلى الدول العربية المجاورة مثل الأردن، أو أن يقبلوا العيش في دولة يهودية كمواطنين من الدرجة الثانية. والظلم في هذا الخيار لا يخفى ولا يمكنني الاعتقاد بأن المجتمع الدولي سيسمح لذلك بالحدوث. والخيار الثالث الذي من المعتقد أن يحظى بالاعتبار أكثر من التقبل، هو خيار دولة واحدة ديموقراطية وتعددية وثنائية القومية. ومفهوم دولة واحدة يتقاسمها شعبان ربما يبدو غير مقبول بالنسبة لمعظم الاسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة. وعلى أي حال، ومع تحول حل الدولتين بشكل متزايد وإشكالي ليصبح غير قابل للتطبيق، فهناك حاجة للبحث بشكل ناقد نحو حل أكثر جرأة، وربما أكثر استمرارية. ولأنني نشأت في جنوب أفريقيا فقد وجدت صعوبة في تصور كيف يمكن الانتقال لدولة ديموقراطية بعد حكومة الأبارتهيد العنصرية وصعوبة تحقيقها من دون سفك دماء. وعلى أي حال فقد بوركت بزعيمين عظيمين هما مانديلا ودي كليرك الذين استطاعا إقناع شعبيهما، وناخبي كل منهما، بأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتقدم نحو الأمام. ومثل هذه القيادة هي التي تحتاج إليها كل من اسرائيل وفلسطين حاجة ماسة. وهناك حاجة كذلك للقادة من الجانب الاسرائيلي القادرين على الاعتراف بالمظالم في الوضع الحالي، ووضع حد لها وترديد المشاعر التي عبرت عنها غولدا مئير في خطاب أمام الكنيست عام 1970 عندما قالت: "نحن لم ناتي لنحرم العرب من الأرض، ولكن لنعمل معا من أجل السلام والرخاء، ولخير الجميع". من الجهة الثانية، فإن قادة الفلسطينيين ربما يحتاجون لإقناع شعبهم بأن الوقت حان لتقاسم الأرض التي يعتقدون أنها سلبت منهم، والعمل بسلام نحو حل يكون أفضل من دولة متشظية ومنقسمة خاصة بهم. ومن الواضح أن دستور دولة كهذه سيكون هو الأهم، بدءا بالحاجة لضمان المساواة الكاملة بين أبناء الشعب جميعا أمام القانون، والمحافظة في الوقت نفسه على الخصائص المميزة لكل شعب ودينه وتقاليده. ألم يحن الوقت للموجودين على الجانبين وللمجتمع الدولي، لبدء التفكير بجدية في حل الدولة الواحدة؟ ألن يوفر ذلك أفضل نتيجة للشعبين، فضلا عن تعزيز السلام والأمن، ليس فقط لاسرائيل ولكن للمنطقة والعالم كله؟".