الناظر للواقع الذي نحياه بكل تفاصيله يلحظ عدد كبير من الفروق والفجوات بين ما يقال وما ينفذ، بين المأمول والمعمول، وذلك على مختلف الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، القومية والوطنية والدينية، الداخلية والخارجية، الحكومية والشعبية، الحزبيين والمستقلين، ويطال كذلك مختلف مجالات الخدمات كالبلدية والصحية والتعليمية...الخ.من يردم الفجوة..تساؤل لن نستطيع إيجاد الإجابة عنه إلا إذا تمكنا من إبراز هذه الفروق وهذه الفجوات لأصحابها والمسئولين عن إيجادها والمنوط بهم ردمها كي يعملوا على ردمها بالفعل.ولن يتضح المقال إلا بالمثال:منظمة التحرير..لا للمقاومة نعم للتمريرففي السياسة وتحديدا في البعد الوطني نرى مثلا فجوة عميقة تفصل منظمة التحرير التي أقيمت لتكون عنوان لمشروع التحرر الفلسطيني ومظلة لجميع حركات التحرر الفلسطينية وناظم لجميع الجهود الوطنية لانجاز مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، وبين واقعها الذي أصبحت فيه عراب للمشروع الصهيوني وبوق للأجندة الصهيونية، وعصا غليظة على قوى وحركات المقاومة ومشرعنة لكيان العدو حتى وصل الأمر حدا غير معقول بخروج رئيس المنظمة محمود عباس ليقول وبالفم الملآن ودون خجل أو وجل ليعلن على الملأ أن "إسرائيل" وجدت لتبقى، فمن يردم الفجوة بين المنظمة التي وجدت لترعى وتنظم عملية تحرير الوطن وبين واقعها الذي باتت فيه ترعى فيها كيان العدو تنافح عنه وتحميه على الأرض بالتعاون الأمني وفي المحافل الدولية المختلفة من باب أن العدو وجد ليبقى..!!أما في بعد الانقسام الوطني الذي بات أحد الثوابت في قاموسنا الوطني نرى عجبا.هل بات الانقسام قدر ..!!فإذا قصدنا بالانقسام الخلاف السياسي بين برنامجين سياسيين الأول تقوده حماس وينادي بالمقاومة، والآخر يقوده محمود عباس وينادي بالمفاوضات فهناك انقسام فعلا ولكن فئة محدودو من أصحاب المصالح في قيادة وكوادر في فصيل هو حركة فتح.لكن إذا أردنا بالانقسام أن شعبنا منقسم على نفسه بناء على التأييد لهذا البرنامج أو ذاك فانا اعتقد انه لا يوجد انقسام، إذ أن المحازبين لكلا الفصيلين مهما كان عددهم فهو قليل قياسا بعدد أبناء شعبنا، كما لا اعتقد أن فلسطيني شريف يمكن أن يؤيد التنازل عن ثلاثة أرباع الوطن كما في أوسلو، أو يمكن أن يتنازل عن القدس عاصمة للدولة المنشودة، أو يمكن أن يقبل أن يكون حق العودة لمناطق السلطة ولعدد محدود من اللاجئين كما يريد عباس، أو يمكن أن يرضى أن تلاحق المقاومة ويجرم المجاهدين وان ينبذ المناضلين وان يعذب المخلصون الشرفاء، أو أن يرضى أن نكون مجرد جنود في كتيبة صهيونية ننفذ ما يريدون نحمي حدودهم كما يفعل عباس في الضفة.فشعبنا غير منقسم بل ويجمع على ثوابته، ولا نرى انقساما سوى مع متنفعين كل منهم ينافح عن مواقعه قائدا للمشروع الفلسطيني والفرق الوحيد بينهما حماس وفتح أن أحدهما حول مشروع التحرر الوطني إلى مشروع للتربح وتحقيق المصالح فيما الآخر يقدم روحه ودمه في سبيل الوطن، فمن يردم هذه الفجوة التي هي في الحقيقة فجوة في الانتماء والتمسك بالثوابت الوطنية..!!ونبشر أنفسنا ببدء ردم هذه الفجوة بضعف وبداية تلاشي فريق التسوية والتنازلات والحياة مفاوضات لصالح خيار المقاومة هي الحل والطريق الوحيد في ظل التغول الصهيوني المجنون ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، وفي ظل العمالة المكشوفة مع الاحتلال والتنسيق الأمني المخجل من فريق المقاطعة الذي يبدوا منعزلا منبوذا ضعيفا، وما الحراك في الضفة إلا بدايات الزوال لهذا الفريق الاوطني..الشعب في خدمة الموظفوفي البعد الحكومي نرى فجوة عميقة بين الحكام والمحكومين، ففي الوقت الذي يعين فيه الوزير والوكيل والسفير والمدير وطابور طويل من المسميات الوظيفية لخدمة الوطن والمواطن، نرى أن هذا الموظف مهما علت مرتبته من وزير ونازل يعمل على تسخير المقدرات الممكنة لخدمة نفسه، والأدهى والأمر أن الحكومة تعينه على ذلك أحيانا.ظ ففي الوقت الذي لا يكاد يجد فيه المواطن ما يركبه نجد مع الموظف سيارة آخر موديل لتكون تحت تصرفه وأسرته في الطشات والنزهات، وفي الوقت الذي يجهد فيه المواطن لتحصيل خدمة من أي مصلحة حكومية ويعاني من حر الشمس والرطوبة والعرق ومن طابور طويل من المعاملات الروتينية المقرفة نجد الموظف مكيف في غرفة باردة ومكيفة مع ما لذ وطاب من المشروبات ويتعامل في غالب الأحيان بفوقية ونزق مع المواطنين ومعاملاتهم وكأن المواطن في خدمة الموظف وليس العكس، وبدلا من أن يسهر الموظف على راحة الموطن بات على المواطن أن يجهد نفسه لخدمة هذا الموظف وينفذ طلباته المرهقة.وإذا أردنا عمل حسبة بسيطة كم يكلف هذا الموظف النزق على الحكومة والشعب من نفقات مقارنة مع ما يقدمه من خدمات نجد أنه يشكل في غالب الأحيان عبئ كبير على الشعب والحكومة في آن خصوصا إذا حسبنا تكلفة السيارة والراتب والمكتب والمكيف والنثريات والأذنة والمرافقين وخلافه من الميزات، فمن يردم هذه الفجوة ويعيد الأمور المقلوبة إلى نصابها ليعود الموظف في خدمة المواطن وليس العكس..!!الفصائل في الجنة والشعب إلى الجحيمأما في البعد الفصائلي والحزبي، فان جميع حركات التحرر والمقاومة الفلسطينية وجدت من أجل غاية نبيلة وانتمى إليها أبناء شعبنا لتحقيق هذه الأهداف المشروعة في الحرية والتحرر، إلا أنه ومع مرور الزمن تبدلت هذه الأهداف وهذه الغايات فرأينا بعض حركات التحرر الفلسطينية تبيع نفسها لهذا النظام أو ذلك، وباتت هذه التنظيمات ستارا خادعا تتشرف به بعض الأنظمة العربية، وفوق ذلك باتت بعض الأنظمة تستخدم حركات التحرر الفلسطينية كأدوات لتدافع عن نفسها وفي وجه من في وجه شعوبها تماما كما نرى في الواقع السوري مثلا، فمن يردم الفجوة بين أهداف تنظيماتنا الفلسطينية وبين واقعها غير المشرف أحيانا..!!وفي الواقع الداخلي لحركات التحرر نرى أيضا أن هناك فجوة بين شعاراتها التي ترفعها كالحرية في التعبير وكالعدالة في التوزيع وكالشفافية المالية وكالمساواة في الحقوق والواجبات..الخ من هذه الشعارات الكبيرة، بيد أنا نرى واقعا مخالفا يعيش في ظله قادة بعض أحزابنا وحركاتنا الفلسطينية معززين مكرمين، فإذا أرادوا العلاج ففي أرقى الدول وعلى حساب التنظيم، وإذا أرادوا تعليم أبنائهم ففي أرقى الجامعات وبمنح من التنظيم أو عبره، وإذا أرادوا التنزه والتزهزه فعلى حساب التنظيم وبغطاء المهمات الوطنية، وإذا نظرت إلى بيوتهم لن ترى فيها واحدا بيته مسقوف بالاستبستوز أو الزينكو، وإذا دخلت بيوتهم سوف ترى كل الاحتياجات متوفرة ومن نوعيات باهظة وان بدا مظهر البيت من الخارج متواضعا، ولن تراهم يعانون من المياه المالحة التي تغزوا بيوت الفقراء فإنهم لا يستخدمون في دورات المياه إلا الماء المقطر المفلتر، فمن يردم الفجوة بين شعارات التنظيمات وواقع زعمائها الذين يعيشون مستوى أكبر بكثير من الذين يبيعون عليهم هذه الشعارات..!!مقاومة ...كل من في إيده الهوفي المقاومة نرى أيضا فجوة بين ما أعلنته رائدة المقاومة في فلسطين حركة حماس عبر دعايتها الانتخابية 2006م وبين ما تلا ذلك من سلوك سياسي وميداني، فما وعدت به حماس في 2006م وعلى لسان قادتها هو أنها ستعمل على توحيد حركات وفصائل المقاومة وأجنحتها العسكرية في إطار ناظم يوحد جهودها في إطار تكاملي تنشأ بموجبه غرفة عمليات مشتركة لإدارة المعركة مع الاحتلال بما يحقق المصلحة الفلسطينية ويوجع العدو في آن، الأمر الذي لم نجد له ترجمة له على الأرض، حيث أن كل فصيل يغني على ليلاه، ولكل منهم له معسكراته الخاصة وتدريباته المستقلة وأطره التطويرية البشرية والتسليحية التي تختلف كل واحدة منها عن الأخرى في اطار غير تنافسي ولا تكاملي، وكأننا هواة تكرار أنفسنا تحت مسميات مختلفة، وكأننا في فرقة موسيقية يعزف كل واحد من أفرادها مقطوعته الخاصة بما يشوش على الآخر ويخلق في النهاية اصواتا نشازا تؤذي أذن السامع الذي هو في حالتنا شعبنا الذي يعاني من هذه الفرقة حتى في المقاومة.كما نلحظ ذات الفجوة في طبيعة الاستعداد لمقاومة العدو الذي بات ينحصر في إجراءات الدفاع عن النفس تدريبا وتسليحا وتمترسا وقبل ذلك تخطيطا، وغاب عن فكر المقاومة المبادرة بالهجوم لتحرير الوطن شبرا شبرا وقطعة قطعة وكأنه وقر في قلب المقاومة أنه لا قبل لها بقوة العدو ولن ينجز التحرير إلا قوة من خارج فلسطين علما أن المقاومة الفلسطينية وانتفاضاتها المتتالية والحرب الذي تعرضت لها غزة والحصار المتواصل هو الذي حرك الضمير العربي الذي قاد ما يسمى بالربيع العربي وألهمه القوة والمبادرة لإسقاط أنظمة الظلم والانبطاح، الأمر الذي بات يطرح تساؤلات ملحة من قبيل:- أين المقاومة الفلسطينية من المبادرة لإسقاط النظام الرسمي الفلسطيني الذي يجرم المقاومة ويتنازل عن الأرض والشعب ويسبب مزيد من المعاناة له سياسيا بالارتماء في أحضان المفاوضات مع العدو وتثبيت الانقسام بين غزة والضفة، واقتصاديا بتدني مستوى المعيشة وبالارتهان للمال الأجنبي وبزيادة الأسعار واستفحال البطالة، واجتماعيا بدعم ورعاية الممارسات والأخلاقيات الفاسدة، وأمنيا بالتعاون الأمني مع العدو...الخ.- أين المقاومة وعملياتها الإستشهادية من التصدي للتغول الاستعماري في القدس وطول وعرض الضفة المصادرة.- أين المقاومة من التقنيات الحديثة كشبكات التواصل الاجتماعي والاستفادة منها لتجنيد شعبنا أولا وشعوبنا العربية والإسلامية لنصرة القضية الفلسطينية سياسيا وإعلاميا واجتماعيا وفي فضح الممارسات الصهيونية وانتهاكاتها لقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان وكسب الدعم الدولي لقضيتنا العادلة.- أين المقاومة من استغلال طاقات الشباب الذين هم رواد مواقع التواصل الاجتماعي ، وتوجيههم و تفعيل دورهم في المقاومة وعدم قصر المقاومة على المقاومة المسلحة.- أين المقاومة بكل أبعادها وأين حكومة المقاومة من المناورات العسكرية والمدنية لتهيئة مجتمعنا وشعبنا للحرب التي تتوعدنا بها "إسرائيل" كل يوم.المقاومة في حالتنا الفلسطينية وبعد أكثر من ستون عاما من اللجوء والنكبات أصحبت حالة شعبية تجعل الجميع شركاء في المسؤولية في المقاومة وفي المعاناة، وتفرض على الجميع الحق في التمتع بخيرات الوطن وعدم قصرها على فئة أو لون أو حزب.لكن ممارستنا في المقاومة لا تنطلق من هذه الرؤيا وتمارس المقاومة كفرق وحارات وعصابات، وليس كمشروع جامع ينبغي أن ينخرط الجميع فيه كل حسب قدرته وعطائه ضمن خطة ناظمة تراعي كافة القدرات والإمكانات، فمن يردم هذه الفجوة في المقاومة ..!!الخدمات البلدية لناس ..وناس..وفي البلديات نرى فجوة في حجم الخدمات المقدمة للمخيمات وعلى وجه الخصوص الخدمات التي تقدمها بلديات لمخيمات اللاجئين، فبلدية غزة على سبيل المثال ماذا تقدم لنحو 90 الف من سكان مخيم الشاطئ الذي يقعون في فجوة عميقة بين وكالة الغوث التي تتخلى عن مسؤولياتها وتلقي بالمخيم في حجر البلدية، وبين البلدية التي تتنصل من المخيم وتلقي به في مهب الأنروا، وفي النهاية سكان المخيم يشكلون جزء كبير من سكان مدينة غزة يدفعون الضرائب للبلدية وفي المقابل لا يتلقون خدمات جيدة، فالمياه مالحة، وشاطئ البحر معدوم وملوث، والطرق تئن تحت عجلات السيارات، وإنارة الطرق شبه معدومة، وسوق المخيم وصفة مثالية للفوضى في الترتيب وفي النظافة..الخ، فمن يردم هذه الفجوة وومن ينقذ المخيم بتشكيل مجلس بلدي لتوفير الخدمات له ويعمل على تحصيل حقوق اللاجئين من رقبة وكالة الغوث ومن عنق البلدية..!!خطط الإصلاح ..بحاجة إلى إصلاحوفي الدعوة لإصلاح المجتمع التي قادتها الحركة الإسلامية من ستينيات القرن الماضي حتى اليوم نرى فجوة كبيرة بين منطلقات الحركة الإسلامية وواقع الدعوة لإصلاح المجتمع وأولى لبناته الفرد والأسرة، ونرى تقوقعا للحركة الإسلامية في المساجد، وحتى في المساجد نرى ركودا للدعوة والإصلاح والاستقطاب لبيوت الله وللحفاظ على العبادات اللهم إلا في المناسبات كشهر رمضان.كما نرى فجوة في ممارسة الحركة الإسلامية لإصلاح المجتمع بين خططها وممارساتها قبل وبعد تولي الحكم في غزة حكومة إسلامية، الأمر الذي يكشف بوضوح عدم استثمار تولي الحكم في غزة حكومة إسلامية ترعى وتحمي خطط الحركة الإسلامية لإصلاح المجتمع، وعدم ارتكاز الحركة الإسلامية على مواقع القوة التي تمثله الحكومة وخدماتها للشعب وانجازاتها للوطن والمواطن.كما نرى فجوة بين حاجة الحكومة في غزة لمجتمع صالح وبين جهودها التي تبذلها لإصلاح المجتمع سواء عبر وزاراتها المخلفة خصوصا الأوقاف والثقافة والتعليم وباقي الوزارات الخدمية، الأمر الذي يشي بغياب خطة استثمار جامعة للموقع الذي باتت تتبوأها الحركة الإسلامية وحكومتها التي باتت محط أنظار العالم اجمع، فمن يردم هذه الفجوة..!! النقابات بين القيادة والتبعية..لعبت النقابات المهنية في حاضرنا الفلسطيني دورا سياسيا بامتياز، وشكلت مواقع للمقاومة ومناكفة العدو المحتل.فيما شكلت النقابات المهنية في الدور المستقلة منابر لتحصيل حقوق منتسبيها الذي يشكلون في مجموعهم القاعدة الشعبية العريضة.لكن في واقعنا أصحبت النقابات مجرد كيانات تابعة للحكومات المتعاقبة، وتخلت عن دورها كمنافح عن حقوق المنتسبين، أو قائدا وموجها للقاعدة الشعبية لفعاليات تكفل تحصيل الحقوق.لذلك نرى من يقود الحراك الشعبي في الضفة المحتلة..إنهم الشباب والقاعدة الشعبية وليس النقابات..!!كما نرى ركودا غير محمود للنقابات في غزة في ظل تململ القاعدة الشعبية الأمر الذي يوجب على أولي الأمر إعادة النظر في الدور المرسوم للنقابات في هذه المرحلة لجهة تحريكها لتكون قائدا لأي حراك شعبي مطلوب لتحصيل قضايا مطلبية والتحكم فيه وتوجيهه ليكون خادما للشعب ومطالبه العادلة والحيلولة دون تسييسه بأي اتجاهات سلبية، ودون تحوله مطية لجهات ترمي للتخريب في واقع غزة. صحفي وباحث سياسي