رام الله سما قال رئيس الوزراء سلام فياض، إن الخيارات المتاحة أمام السلطة الوطنية للحد من ارتفاع الأسعار محدودة للغاية جراء الوضع المالي الصعب، مشيرا إلى أنه على استعداد للرحيل إذا كان ذلك يفتح الباب أمام حل الأزمة. وأضاف ’الحكومة تبذل كل جهد ممكن لمعالجة الأزمة الناشئة عن ارتفاع الأسعار والتخفيف من حدتها، وان الأمر سيكون صعبا إذا لم يصلنا مساعدات وتمويل وخاصة من أشقائنا العرب. جاءت أقوال فياض في اللقاء الذي جمعه مساء أمس مع الكتاب والصحفيين في مكتبه، وحدد فيه موقف الحكومة من احتجاجات الشارع على خلفية الغلاء في أسعار المحروقات وطرق التعامل مع الأزمة. وعن رده لمن يقولون له ارحل، قال كل الاتهامات التي توجه لي تؤلمني، ولو كان الرحيل يحل المشكلة لن أتردد في ذلك. وأكد أن الحكومة تعمل بشكل متواصل على حل الأزمة قبل الاحتجاجات التي شهدها الشارع، وهي تسعى دائما لخلق استقرار في الأسعار، وأضاف ’رغم كل الجهود ما زال البعض يشكك بحقيقية أن السلطة تواجه أزمة مالية حادة، وهذا غير معقول، ففاتورة الرواتب هي الأهم ليس فقط بالنسبة للموظفين، بل لحوالي مليون مواطن وهي التي تحرك الاقتصاد الوطني. وشدد فياض على ضرورة عدم إغفال الاحتجاجات الجارية في الشارع، وقال:’نحن في حالة بحث جدي للتخفيف من حدة الأزمة، وأن حكومته تتحمل المسؤولية بالكامل، مشيرا إلى أن الوضع المالي الصعب للسلطة قد يكون الأخطر والأكثر صعوبة في تاريخها، ولكن ذلك لا يعني عدم الوفاء بالتزاماتها، بل سيأخذ كل صاحب حق حقه من الحكومة’. وقال ’نحن في عنق الزجاجة، وصحيح أيضا أن الأزمة عنوانها الغلاء لكن مصدرها متشعب، وارتفاع الأسعار الشرارة التي فجرتها، والشعارات المطالبة برحيلي لا أفكر بالرد عليها بقدر ما أفكر في حل الأزمة انطلاقا من المسؤولية الملقاة على عاتقي بكل صراحة ووضوح ومكاشفة’. وفيما يخص الربيع الفلسطيني، قال فياض ’هناك ربيع فلسطيني قائم منذ النكبة ويظل قائم طالما بقي الاحتلال، والربيع الفلسطيني سبق بعقود الربيع العربي ولا يجوز لنا أن نستنسخ الحالة، والهم الأكبر لدينا هو إنهاء الاحتلال’. وشّخص فياض مشكلة الاحتجاجات بأنها قائمة فعليا ولها علاقة بتراجع قدرة المواطن الشرائية، وان المستوى العام للأسعار مرتفع بالقياس لمستوى الدخل، والقدرة الشرائية للمواطن محدودة، مشيرا إلى الارتفاع الملحوظ لأسعار السلع الأساسية في شهر الماضي، وان شكوى الشارع تركزت في هذا السياق وهي ليست جديدة بل مستمرة منذ عدة أشهر. ولفت فياض إلى انخفاض مؤشر غلاء المعيشة منذ بداية العام حتى شهر تموز بنسبة 0.5% بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، مذكر أن ارتفاع الأسعار عالمي وليس محلي. وقال فياض إن ’قدرة الحكومات على التعامل بشكل عام مع الصعوبات الناشئة عن الارتفاعات في الأسواق العالمية محدودة، ولا يوجد أدوات يمكن اللجوء إليها لسلطة تقبع تحت الاحتلال’. ولفت إلى كثرة الاجتهادات في طرح حلول للأزمة المالية. وعن إمكانيات دعم السلطة لبعض السلع، قال ’هذا ممكن ولكن له سلبياته، ويمكن القيام به في حال توفر الموارد لتثبيت الأسعار عند سقف معين، ولكن الإنفاق على بند معين يعني التقليل بالصرف على بنود أخرى’. وأضاف ’الدعم من خلال الاقتراض ممكن، لكنه خيار صعب بسبب المديونية العالية للبنوك على السلطة الوطنية، وان هامش المناورة قل في ظل الأزمة المالية الحالية، إذ أن هذه الأزمة أضرت بالاقتصاد وأسهمت بالتباطؤ الاقتصادي، ومن المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي إلى 5% لهذا العام، إضافة إلى تضرر القطاع الخاص بسبب وقف بعض المشاريع الممولة دوليا وعدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها’. وعن احتكار الحكومة لمشتقات النفط، قال ’السلطة لا تربح من شراء المحروقات وشراءه خسارة لها، إذ أن دعمه يقتطع جزءا من الضرائب المفروضة عليه’. وأشار فياض إلى أن السلطة الوطنية ومنذ نشأتها هي الجهة الوحيدة التي تقوم بشراء البترول، إضافة إلى بعض السلع الاستهلاكية، لان احتكارها يوفر فرص الحصول على أسعار أفضل. وعن إمكانية استيراد المحروقات من الخارج، أوضح فياض أن ملحق اتفاقية باريس الاقتصادية، يوفر إمكانية استيراد المحروقات من الخارج، لكن لن يكون هناك فرقا كبيرا في الأسعار لان ارتفاع أسعار المحروقات عالمي. وفيما يخص المطالبة بإلغاء اتفاق باريس الاقتصادي، قال: ’المشكلة ليست في الاتفاق، وإنما تطبيقه في إطار تحكمي وتعسفي من قبل الاحتلال وهو جزء من اتفاق سياسي، وان الخطابات النارية المطالبة بإلغائه لن تحل المشكلة’. ورد فياض على تساؤلات الصحفيين التي ركزت على ضمان حرية التعبير من جهة والحفاظ على انسياب الحركة في الشوارع، وما قد يخلفه سلوك المتظاهرين من مشاكل اجتماعية في ظل غياب لدور الشرطة في الشارع. وأكد فياض على أن الحكومة ستواصل احترام الحريات خاصة حرية التعبير، ستواصل التعامل بأريحية مع الاحتجاجات، مقابل عدم تجاوز القانون بالاعتداء على حقوق وممتلكات الغير، متسائلا ماذا يضيف إغلاق الطرق ومنع سيارات الإسعاف من الحركة؟ وأهاب فياض بالمحتجين عدم تجاوز القانون قائلا ’لا نريد لحرية الرأي أن تخرج عن الحد المقبول وتلحق الأذى بالغير، موضحا أن القضية تحتاج إلى جهد كبير حتى نجد الصيغة المناسبة لخلق توازن بين حرية التعبير وممارساتها’. وأشاد فياض بأداء المؤسسة الأمنية خلال الفترة الماضية، التي لم تسجل خلالها أي حالة واحدة بالرغم من زيادة الأمور عن حدها في بعض اللحظات. وأعرب فياض عن أمله أن تستمر الاحتجاجات دون تعطيل حركة السير وإغلاق الطرق، مهددا بحال استمرارها بتدخل الشرطة للقيام بدورها وتحمل المسؤولية لجهة احترام الحقوق والواجبات. وأشار فياض لتنظيم جلسة للحوار الاقتصادي الاجتماعي يوم الأحد المقبل، لفتح الباب أمام حوار مجتمعي والتفكير بالأزمة. ولفت فياض في معرض رده عن الدور الذي يمكن لصندوق الاستثمار الفلسطيني أن يلعبه في التخفيف من هذه الأزمة إلى أن الصندوق يساهم في تمويل السلطة بحكم التكوين وبحكم القانون، وانه ساهم هذا العام بحوالي 30 مليون دولار، وموجودات الصندوق يمكن استخدامها في الأوقات الصعبة أما باستخدامها مباشرة، أو رهنها للحصول على قروض وهذا أمر مرسناه في عام 2005 بالاستدانة من الصندوق ورهن جزء من ممتلكاته والاستدانة عليها. مذكرا أنه في الحصار المالي بين شهر آذار عام 2006 وآذار عام 2007، مول الصندوق بشكل مباشر السلطة الوطنية وعملها. وعن التشاؤم الذي يبديه خبراء دوليون تجاه الوضع الفلسطيني، قال: ’نزعة التشاؤم لدى المحللين والخبراء الاقتصاديين امتدت إلى الخبراء الدوليين، وهذه دعوات تشكيكية فالاقتصاد الفلسطيني في الضفة وغزة ينمو، ربما بنسب أقل من السنوات الماضية لكنه ينمو. وأضاف ’هناك فرق بين الجاهزية ووضع الاقتصاد، ومواجهة ازمة مالية لا يعني انه لا يوجد عندنا مقومات لإدارة أنفسنا بأنفسنا، ولا يوجد تعارض بينهما، واقتصادنا نما بالرغم من ممارسات الاحتلال’.