خبر : القرآن لم يعد من تحت الطاولة/بقلم: تسفي برئيل/هآرتس 3/9/2012

الإثنين 03 سبتمبر 2012 10:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
القرآن لم يعد من تحت الطاولة/بقلم: تسفي برئيل/هآرتس  3/9/2012



قبل خمس سنوات انتقلت زينب، زوجها ايدين وطفليهما من مدينة كونيا الى اسطنبول. فهي تنظيم مناسبات في شركة خاصة وهو محاضر في الجامعة في اسطنبول، حيث يتعلم ابنيهما. مؤخرا وصل الاثنان الى وجبة عشاء في مؤتمر عن "آثار الربيع العربي في الشرق الاوسط". كلاهما مسلمان. زينب، ترتدي ملابس فاخرة وعلى رأسها حجاب من الحرير، اكتفت بعصير البرتقال، أما ايدين ففضل النبيذ الابيض. وحسب زينب، مع فوارق المناهج تجاه الدين في البيت فانهما ينجحان في تدبر أمرهما دون أي مشكلة، "أنا محافظة، وهو أقل". وحسب ايدين، الابنان أيضا محافظان، كلاهما بطريقته: "نحن غير متزمتين، الاسلام عندنا منفتح"، اضاف. في وقت لاحق تبين أنه عندما كانوا يسكنون في كونيا، المدينة التي تقع جنوبي العاصمة أنقرة – تعلم الابنان في مدرسة "إمام عاطف" – مدرسة دينية، تصنف في تركيا كـ "مهنية" – وحتى قبل بضع سنوات استصعب خريجوها في الحصول على قبول للتعلم في الجامعات. "اهتمامنا بارسالهما الى "إمام عاطف" لم يكن دينيا بالذات"، تشرح زينب. "اردنا أن يكونا انسانين افضل. اكثر تربية. في واقع الامر، اردنا ان على الاقل في المرحلة التي يمكننا فيها أن نؤثر عليهما، ان يبتعدا عن الفظاعة التي نراها اليوم على الانترنت وفي الشارع". وعن الصعوبة في القبول بعد ذلك في الجامعة فكروا بالتغلب عليها بارسالهما الى الدراسة في الخارج، "ولكن الان لم تعد حاجة. اردوغان رتب الامر". حسب القانون الذي كان ساري المفعول حتى العام 2009 كان احتساب علامات خريجي "إمام عاطف" للقبول في الجامعة – مثل رفاقهم في المدارس المهنية – يتم بشكل يميز نسبيا خريجي المدارس العلمانية. وكان هذا النظام جزءً مما يسميه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان "بالثورة ما بعد الحديثة"، التي وقعت في العام 1997. في حينه، أجبر الجيش رئيس الوزراء الاسلامي نجم الدين اربكان على الاستقالة من منصبة بعد أن طرح عليه سلسلة مطالب من ناحيته كانت متعذرة.ومع اعتزاله، أمر الجيش، الذي كان ممثلوه في مجلس التعليم العالي – أن تكون مدارس "إمام عاطف" مدارس ثانوية فقط، الامر الذي سيضمن ان يتعلم كل التلاميذ على الاقل ثماني سنوات متواصلة نقية من الدين. هذا النظام الى جانب الاحتساب المميز للعلامات، يستهدف تقليل عدد التلاميذ المتجهين الى المدارس الدينية، تقليص قدرة خريجي هذه المدارس على تعليم مهن غير دينية في الجامعة، وعلى أي حال تقليص عدد الخريجين المتدينين الذين يرغبون في تولي وظائف حكومية.  ولكن في تموز 2009 سجل اردوغان لنفسه انجازا هاما إذ نجح في أن يلغي مفتاح احتساب العلامات ومن هنا فتح الطريق الى خريجي المدارس الدينية للتعلم في كل دائرة يرغبون في الجامعات. وأحدث التغيير انعطافة دراماتيكية في عدد تلاميذ الثانوية ممن توجهوا الى المدارس الدينية. فقد ارتفع عددهم من نحو 65 الف في سنوات 2002 – 2003 الى أكثر من ربع مليون في سنوات 2011 – 2012، من 2.6 في المائة من عموم تلاميذ الثانوية في تركيا الى أكثر من 7 في المائة. وكان هذا التغيير مجرد البداية في الاصلاحات التي يتطلع اليها اردوغان. فهذه السنة دخل الى حيز التنفيذ اصلاح دراماتيكي آخر في جهاز التعليم: بدلا من التوزيع الى ثماني سنوات في التعليم الابتدائي، نقية من تعليم الدين، وبعد ذلك أربع سنوات يمكن فيها التعليم في "إمام عاطف"، قرر البرلمان تقسيم سنوات التعليم الى ثلاثة أقسام: أربع سنوات في الابتدائي، أربع سنوات في الاعدادي وأربع سنوات في الثانوي، بحيث يمكن بدء التعليم الديني في الاعدادي، قبل أربع سنوات مما هو الان. "علينا أن نبني جيلا جديدا، محافظا وأكثر تدينا"، شرح أردوغان قبل بضع اشهر. اما رفيقه في حزب العدالة والتنمية، عضو البرلمان علي بواءة، فقد صرح الشهر الماضي بان "علينا أن نزيد عدد مدارس "إمام عاطف". لدينا فرصة لتحويل كل المدارس في الدولة الى "إمام عاطف" بعد أن أدخلنا تعليم القرآن الى كل المدارس". واضطر بواءة الى ان يشرح كيف يتعلم حفيده بالذات في مدرسة فرنسية يتقرر فيها المنهاج التعليمي من قبل الحكومة الفرنسة. والسبب في ذلك هو أنه صهره دبلوماسي.  وقصد بواءة النظام الاضافي الذي جاء في أعقاب الاصلاح وبموجبه ابتداء من هذه السنة سيدخل الى المنهاج التعليمي في كل المدارس دروس اختيارية في القرآن وفي السيرة النبوية. وفي هذه الاثناء سيكون هذا بحجم ساعتين اسبوعيتين فقط ودون أن يطالب التلاميذ بان يجلبوا القرآن الى الصف – فهم سيقرأون نصوصا قرآنية من الكتب التعليمية التي أعدتها وزارة التعليم، ولكن هذا ليس سوى بداية الطريق. اليوم في مدارس "إمام عاطف" ايضا، 40 في المائة  فقط من البرنامج التعليمي يرتبط بالدين. في الباقي يتعلم التلاميذ كل شيء، من الفن والرياضيات وحتى اللغات الاجنبية والفلسفة، فيما أن القيم الديني من البرنامج يخضع لرقابة وزارة التعليم. ولكن في الاسابيع الاخيرة تجري في تركيا مناقشات بين ممثلي حزب السلطة وبين أحزاب المعارضة على صيغة الدستور الذي الذي سيحل محل الدستور الذي وضع في 1980 بعد الانقلاب العسكري. أحد المواضيع المركزية موضع الخلاف هو صياغة البنود المتعلقة بالدين والطابع العلماني للدولة المحدد في الدستور وبالطبع أيضا مكانة التعليم الديني.  في رئاسة لجنة صياغة التعديلات المقترحة يقف رئيس البرلمان جميل تشتشك، رجل حزب العدالة والتنمية، الذي يدفع نحو تغيير المادة في الدستور التي تقول: "تعليم الدين والاخلاق في المدارس سيكون برقابة الدولة". حسب أردوغان يسعى الى أن يقرر بان تعليم الدين في المدارس سيكون بمسؤولية "الجماعات الدينية" أي ينتقل الى رجال الدين. ويدفع أردوغان أيضا بحيث يكون تعليم الدين في المدارس جزءً من المواضيع الالزامية ولا يبقى موضوعا اختياريا. اما الحزب الوطني المعارض فيؤيد بالذات هذه المبادرة. كبار المعارضين لذلك يأتون من الحزب الجمهوري الذي يخشى من توسيع الطابع الديني للتعليم. هذا الحزب، الذي أقامه كما أتاتورك هو الذي فتح مدارس "إمام عاطف" في العام 1949، لنيل اصوات المتدينين في انتخابات 1950. في حينه كان المتدينون يعتبرون حلفاء الحزب ضد اليسار والشيوعيين. صياغة التعديل للدستور في موضوع التعليم هو جزء لا يتجزأ من النقاش في مسألة الطابع الديني للدولة. كل الاحزاب توافق على صيغة تقضي بان "لكل مواطن الحق في الحرية الدينية، الحرية في أن يعيش معتقده، الحق في تغيير دينه والحق في عدم الايمان على الاطلاق. هذا فارق جوهري بالنسبة للقوانين المتبعة في الدول الاسلامية. الجدال العنيد هو حول مسألة هل يمكن للمواطنين أن يقيموا الفرائض الدينية كجماعة أو كأفراد في أمكان مفتوحة أو مغلقة كما يطلب حزب السلطة، أم يسمح لهم بان يقيموا فقط "طقوس دينية في أماكن مفتوحة ولكن ليس صلوات عمومية"، كما تطلب المعارضة. بالنسبة للتعليم، السؤال هو هل سيراعي جهاز التعليم ارادات الاهالي والمجتمعات التي يسكن فيها التلاميذ – يسمح بملاءمة الجهاز مع المجتمعات الدينية – أم سيبقى بشكل مطلق تحت اشراف الدولة. ولكن بينما تدور مناقشات لجنة الدستور ببطء، تحث الحكومة برامج تعليم تساعد على تحقيق تطلعاتها. فهي مثلا تسمح ابتداء من هذه السنة باقامة مدارس "تعاونية" هي مثابة مدارس خاصة يمكن للتلاميذ فيها أن يتعلموا حسب برنامج تعليمي خططه الاهالي باشراف وزارة التعليم. الاذن بفتح مثل هذه المدارس لا يعطى الا ذا كان هناك ما لا يقل عن مائة طلب من المجتمع المحلي. من جهتها ستمنح الحكومة الارض والبنية التحتية. هذه المدارس، بشكل عام، ستخدم مجتمعات دينية محلية ليس لها في الاطر القائمة ما يكفي من تعليم الدين، أو التعليم في إطار مدارس "إمام عاطف" لا يكفيها. واضافة الى ذلك، عين في الاسبوع الماضي مفتي من وزارة الاديان ليكون امين عام مجلس التعليم العالي، المسؤول ضمن امور اخرى عن اقرار مناهج التعليم وتعيين البروفيسوريين والعمداء في الجامعات. هل ستصبح تركيا دينية أكثر؟ "الدين هو جزء من هويتنا الوطنية وتعلم أسس الدين لا يجعلنا مسلمين متزمتين بل أتراك اكثر كمالا"، تشرح زينب. وفي أقوالها بالفعل تعكس ايضا أفكار آباء الامة بل وأقوال كما أتاتورك، أبي الدولة التركية الحديثة، العلمانية، الذي بنفسه عقد أحيانا تحالفات مع حركات دينية كي يقاتل ضد أعداء سياسيين. قمع الدين وتعريف "التطرف الاسلامي" كتهديد وطني، مثلما فعل مجلس الامن القومي في تركيا قبل عقدين، ساهم بنفسه في صعود حزب العدالة والتنمية. ما يحاول هذا الحزب عمله الان هو خلق توازن بين القمع الديني وبين إرادة قسم كبير من المواطنين. والتخوف هو، كالمعتاد، من مغبة اجتياز الحدود. عندما لم يعد يشكل الجيش كابحا متينا في وجه تطوير المؤسسة الدينية، وعندما لا يكون البديل السياسي لحزب أردوغان ظاهرا في المستقبل القريب، فمن شأن الجيل التالي لتركيا أن يكون أكثر محافظا وتدينا.