لاقى قرار السلطات المصرية السبت 25/8/2012 بفتح معبر رفح ستة أيام أسبوعياً ارتياحاً كبيراُ في الشارع الغزي بمختلف مكوناته، بالنظر إلى ما يمثله المعبر من دلالة رمزية وحقيقة واقعة بالنسبة اليهم.وحسب بعض المصادر المصرية فإن القرار المصري بفتح المعبر يشير صراحة إلى أن قطاع غزة ليس المقصود من الاجراءات التي اتخذت باغلاق المعبر وانه لم يُقصد به معاقبة غزة، بل جاء لدواعي العملية العسكرية المصرية في سيناء إثر الجريمة التي راح ضحيتها شهداء الجيش المصري.شخصياً انتقدت قرار إغلاق المعبر، ولم يساورني شك بأنه سوف يُعاد فتحه خلال أيام، وأن القرار المصري يأتي انسجاما مع صوت المنطق والعقل وحقيقة أن غزة ليست مستهدفة بذاتها، وأن مصر وطنياً وأخلاقياً لا تقبل أن تعاقب غزة وهو ما كان يشكل مصدر اطمئنان وراحة كبيرين حتى عندما اتخذ قرار الاغلاق. وأود هنا أن أشير إلى عدد من القضايا أرى بوجوب النظر اليها بجدية لخلق رؤية جديدة فيما يتعلق بمعبر رفح :أولا: حال غزة والأراضي الفلسطينية حال هشة وهي أقرب إلى القدرية المفرطة في مختلف تفاصيل حياة سكانها، وسبق أن أشرت في مقال سابق الى أنها من الهشاشة بمكان بحيث أنه لايمكن لغزي أن يخطط لربع ساعة قادمة، فهي مفتوحة على كل الاحتمالات والتوقعات في أي لحظة. وغني عن القول أننا نحن من وضعنا انفسنا في هذا الوضع بقبولنا وهم السلطة التي أصبحت هماً مزمناً في ظل استمرار وبقاء الاحتلال بأشكاله المادية والقانونية وتحكمه في سمائنا ومعابرنا وبحرنا. ويثير إغلاق المعبر وإعادة فتحه سؤالاً عن احتمالات قد تكون نسبتها ضئيلة جداً أو كبيرة نسبيا بإمكان اغلاق المعبر مرة أخرى، فالحال الهشة في غزة يقابلها حال هشة أيضاً في سيناء.وعلى رغم أن لمصر حق سيادي أصيل، حتى لو كان استثناء، في أن تغلق معابرها وتعيد فتحها وفقاً لمتطلبات حماية أمنها القومي وسلامة أراضيها ومواطنيها، فإن عليها الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الانسانية لسكان القطاع في ظل معاناتهم المتواصلة. ثانياً: معبر رفح على أهميته بالنسبة الينا في غزة، فإنه ليس أكثر أهمية من المعابر الخمسة التي تربط القطاع بالاحتلال، والاصرار على فتح معبر رفح يجب بالضرورة أن يقابله اصرار مؤكد وواضح على فتح بقية المعابر بما يضمن رفع الحصار الظالم وغير المسبوق منذ العام 1967 الذي تفرضه سلطات الاحتلال على قطاع غزة، والتأكيد على أنه أرض محتلة وجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن الاحتلال مسؤول وفقا لقواعد القانون الدولي عن تأمين الحاجات الأساسية للسكان المدنيين في الأرض المحتلة من كهرباء وطعام ودواء ..الخ.كما أن الاصرار على فتح المعابر هو تحصين لقطاع غزة بدفعه شمالاً، وليس جنوباً نحو وحدته الطبيعية مع باقي الأراضي الفلسطينية.ثالثاً: على رغم أن اتفاق اوسلو والاتفاقات اللاحقة الموقعة بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال لم تعرّف الأراضي الفلسطينية على أنها أراض محتلة، فإنه إذا ما كان هناك أي حسنة في اوسلو فهي تكمن في مادة يتيمة تؤكد على وحدة الاراضي الفلسطينية وعدم جواز المساس بسلامتها الاقليمية.نقيضاً لذلك قام الاحتلال ولا يزال يعمل بشكل منظم على تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية، ومن بين ما اتخذ من اجراءات كان الانفصال الاحادي الجانب عن غزة في العام 2005، في محاولة لإنهاء المسؤولية عنها ودفعها جنوباُ نحو مصر والقائها في حضنها وتحميلها المسؤولية عنها وعن سكانها، وهذه الحقيقة مدركة جيداً لدى السلطة الفلسطينية وحركة حماس وحكومتها في غزة وجمهورية مصر العربية.وعلى رغم أن ما يهدف اليه الاحتلال هو فعل موعىً به ومدرك من الجميع إلا أنه ،أي دفع غزة جنوبا، لايخضع في سيرورته لموقف هنا أو هناك بالنظر إلى حال الدفع الموضوعي للقطاع تجاه مصر الذي يتخذ شكل الاعتمادية المتواصلة لغزة على مصر في كثير من تفاصيل حياة سكانها. إن هذه الحقيقة يجب أن يقابلها فعل واع ومنظم لتعظيم الاشتباك السياسي والقانوني مع الاحتلال، بما يضمن التصدي بكل الحزم والقوة الممكنة لإفشال ما يهدف اليه الاحتلال، وبالتالي العمل على دفع غزة شمالاً نحو وحدتها الطبيعية مع باقي الأراضي الفسطينية.إن إدراك المخاطر شيء ومواجهتها بعمل واع ومنظم وليس انفعالياً شيء آخر.إن فتح معبر رفح وانتظام العمل فيه يجب أن يكون في إطار رؤية جديدة ومختلفة تضمن التخفيف على الغزيين وتسهيل مرورهم الآمن والكريم، وفي الوقت نفسه تعظيم الاشتباك مع الاحتلال سياسياً وقانونياً، بما يعزز حقيقة أن غزة أرض محتلة وجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة يجب الحفاظ على وحدتها وسلامتها الاقليمية. إن في ذلك تأكيداً على حيوية المشروع الوطني والسعي نحو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كل الأراضي التي احتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس، ويصحح العلاقة مع مصر، ويحافظ على أمنها القومي. واهم من يعتقد أنه يمكن الفصل بين أمن مصر وأمن غزة، فأمن غزة من أمن مصر، والعكس مؤكد وصحيح، فهذه حقائق التاريخ والجغرافيا ووحدة الدم.