كان فلسطينيو غزة من أكثر الناس حماساً للثورة المصرية التي أطاحت بنظام حسني مبارك. المسألة بالنسبة لهم لا تتعلق بالبعد التاريخي للعلاقة بين الشعبين- الفلسطيني والمصري- حيث عاشت غزة تحت الإدارة المصرية حتى الاحتلال الإسرائيلي لها العام 1967 مما أوجد روابط اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة بينهما، ولكن لأن العلاقة مع نظام مبارك كانت عبئاً على غزة. النظام المصري القديم شارك في حصار غزة، وضيق الخناق على أهلها، وقيل على لسان الصحافة الإسرائيلية، إنه كان من أكثر المتحمسين للحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في نهاية العام 2008. هذا "الحماس" لإخضاع غزة وإنهاء حكم "حماس" لها كان حاضراً في الساعات القليلة التي كان يتم فيها فتح معبر رفح لحركة الأفراد، وفي الجدار الفولاذي الذي كان يبنى تحت الأرض على حدود غزة مع مصر، وفي شكل العلاقة الأمنية مع قيادة "حماس" والتي أخضعت بالكامل لدائرة المخابرات العامة. على الرغم من ذلك، كانت قيادة "حماس" حريصة على عدم انتقاد نظام مبارك خشية من أن يؤدي ذلك الى المزيد من الإجراءات العقابية بحق "حماس" وقيادتها وبحق الفلسطينيين في غزة بشكل عام. فرحة غزة إذاً بسقوط مبارك، هي فرحتهم بقرب سقوط عصر الحصار الذي فرض عليهم. غير أن محبة غزة للنظام المصري الجديد وفرحتها به، لا تعني بالضرورة نهاية عصر الحصار. فالنظام الجديد يأتي مكبلاً بملفات داخلية وخارجية، ستفرض نفسها عليه لوقت طويل، وستعكس نفسها بالضرورة، على شكل علاقته مع غزة. هذا يعني بأن التغيرات في العلاقة بين مصر وغزة ستكون محدودة وأقل بكثير مما تأمله قيادة "حماس"، لكنها في نفس الوقت ستكون عميقة في أبعادها الإنسانية. بدايةً، لن يكون بإمكان النظام الجديد غض الطرف عن الأنفاق بين غزة ورفح المصرية خصوصاً بعد مذبحة الجنود المصريين في سيناء، وسيعمل النظام الجديد على إغلاقها حتى لا تتحول غزة الى ملاذ آمن للحركات الجهادية، تنطلق منها باتجاه مصر، أو باتجاه إسرائيل من الأراضي المصرية، بما يورط الدولة المصرية في أزمات سياسية ويفرض عليها مواقف سياسية لا تريدها. أيضاً، لن يتساهل النظام الجديد مع عمليات تهريب السلاح لغزة من سيناء. على عكس سورية التي كانت تجاهر بدعمها "حزب الله" بسبب استقلالها الاقتصادي النسبي، مصر تجري مفاوضات مع الغرب ومع البنك الدولي لجلب استثمارات وللحصول على قروض تمكن الدولة من تحرير أكثر من نصف الشعب المصري من وطأة الفقر التي يرزح تحتها. وقيادة مصر الجديدة لذلك، لا تستطيع، وليس من مصلحتها أيضاً، إدارة ظهرها للغرب. ومقابل القروض والاستثمارات، ستقدم القاهرة التزامات وتعهدات، جزء منها سيتعلق بالعمل على منع وصول شحنات أسلحة لغزة. لذلك في الجزء المتعلق بدعم المقاومة بالسلاح في غزة- عن طريق الأنفاق أو عبر وسائل أخرى- لن يكون هنالك تغير يذكر على السياسة المصرية. على العكس، المتوقع أن يكون النظام الجديد أكثر حزماً من سابقه في العمل على إحباط تهريب السلاح لغزة لإثبات مدى جديته للدول الغربية التي ينتظر منها القروض والمساعدات الاقتصادية. في المقابل، ستعمل مصر الجديدة على فرض واقع جديد فيما يخص معبر رفح. مقابل إغلاق الأنفاق ومنع تهريب السلاح، ستقوم مصر بفتح معبر رفح بشكل دائم لدخول وخروج الأفراد والبضائع بدون وجود طرف ثالث. على عكس النظام القديم الذي كان يدعي بأن إغلاق معبر رفح سببه وجود اتفاق معابر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل- مصر الجديدة ستتصرف من واقع القانون الدولي. مصر ليست طرفاً في اتفاق المعابر، وحدودها مع غزة خاضعة، وحسب القانون الدولي أيضاً، لسيادتها هي. يضاف لذلك بأن النظام الجديد لا يسعه إدارة ظهرة للرأي العام المصري المعادي للحصار والرافض في الوقت نفسه لأنفاق التهريب. يقيناً بأن مصر الجديدة ستواجه ضغوطاً دولية لمنعها من فتح معبر رفح بشكل دائم لحركة الأفراد والبضائع- لكنّ هنالك إدراكاً عالمياً متزايداً بأن معادلة حصار غزة قد فشلت في إسقاط "حماس"، وأن النظام المصري الجديد منتخب وعليه الإصغاء لشعبه، وأن معادلة محاربة الأنفاق وتهريب السلاح مقابل رفع الحصار هي حل عملي وواقعي لمشاكل جميع الأطراف المعنية بمعبر رفح. هل هذا ما تريده قيادة "حماس" في غزة وقيادة السلطة الفلسطينية في الضفة؟ قادة "حماس" ربما يريدون من مصر أن تكون مثل سورية وإيران لحزب الله- المُسلِّحْ والمُمَوِّلْ والراعي الأمني. لكنهم في النهاية ليسوا الطرف المقرر في هذه المعادلة، وقادة مصر الجدد لا يرغبون في التورط عسكرياً مع إسرائيل، وأولوياتهم لا تتفق وأولويات قادة "حماس" في هذه المرحلة التاريخية. لذلك سيقبل قادة "حماس" أن يكونوا الحكام الإداريين لقطاع غزة، وسيعملون على الاستفادة من الفرص الجديدة للنهوض بغزة اقتصادياً وعمرانياً، دون أن يسعوا لتوريط مصر الجديدة فيما لا تريده. يضاف لذلك أيضاً، بان قادة "حماس" يعلمون جيداً بأن الصراع مع إسرائيل يدور حول مستقبل الضفة الغربية وليس حول مستقبل غزة التي أكثر ما تسعى له منذ استلام "حماس" لإدارتها هو رفع الحصار عنها. السلطة الفلسطينية في الضفة قد لا تكون راغبة بفتح معبر رفح لدخول الأفراد والبضائع حتى لا يشجع ذلك استمرار الانقسام- لكنها أيضاً تدرك أن مسألة استعادة الوحدة الوطنية لها اشتراطات عديدة، معبر رفح ليس إحداها. السلطة في النهاية ليست طرفاً مقرراً في ذلك، ومن مصلحتها، في نهاية الأمر، أن يتم رفع الحصار عن غزة حتى تتمكن من تخفيض حجم إنفاقها على غزة الذي يستهلك جزءاً مهماً من موازنتها. إحدى نتائج السياسة المصرية الجديدة المتوقعة تجاه غزة ستكون تغير الوضع الوظيفي لـ"حماس". الحديث عن المقاومة سيخفت شيئاً فشيئاً وستعمل "حماس" على إحكام سيطرتها الأمنية أكثر على قوى المقاومة الأخرى في غزة حتى لا تعطي ذريعة لإسرائيل بمهاجمة غزة، وهو ما قد يسبب إحراجاً لها ولقيادة مصر الجديدة. باختصار، العلاقة بين مصر وغزة ستتغير باتجاه يخدم كلاً من الشعبين الفلسطيني والمصري- سيتم رفع الحصار عن غزة من الجانب المصري، وسيتم تأمين حدود مصر بالعمل على إغلاق الأنفاق، لكن ذلك سيكون مقابل إلغاء أو تأجيل الدور المقاوم لقطاع غزة لسنوات عديدة قادمة.