اتابع باهتمام منذ احداث رفح(مقتل الجنود المصرين في عمل متطرف ) ما يخرج علي لسان بعض القيادات التابعة لحركة حماس عن المطالبة بانشاء منطقة حرة بين غزة ومصر وتارة اخري تجارة حرة بين مصر وغزة وثالثة فتح معبر رفح للافراد والبضائع. ما يدور من تصريحات وتفاهمات في الظل، ما هو الا تعبير حقيقي عن الواقع الحالي في فلسطين بتعقيداته وتداخلاته المحلية، الإقليمية والدولية، ومن احنلال اسرائيلي؛ يمعن بجرائمه، سطوته، جبروته، وسعيه المستمر إلى إذلال وإهانة وإخضاع الشعب الفلسطيني، وقتل إرادة الحياة لديه فهو يتحمّل المسؤولية الأساسية عن جميع الازمات التي يتخبط فيها قطاع غزة، بشكل خاص واراضي السلطة الفلسطينية بشكل عام والانهيار التام في القطاعات الاقتصادية والحياتية المختلفة؛ من صحة، تعليم، زراعة، صناعة ورفاه اجتماعي. الغريب أنه بينما تقر إسرائيل -نفسها- بأنها ما تزال محتلة لقطاع غزة ولو بشكل غير مباشر عبر تحكّمها بحدوده البرية والبحرية، كما بسمائه وأجوائه فإن أصوات ومواقف تصدر عن حركة حماس المتحكمة بغزة بفعل الانقسام السياسي والجغرافي تحاجج وتجادل بأن القطاع بات محرّراً ذا سيادة، وهو ما لا يستقيم لا مع الوقائع وطبائع الأمور، ولا حتى مع المصلحة الفلسطينية العليا.ناهيك عن فشل القوي والفصائل الفلسطينية عن بلورة استراتيجيات وسياسات موحدة في مواجهة الاحتلال . وهنا يجب التدقيق جيدا في هذه التصرحات التي تنادي باقامة منطقة حرة او منطقة تجارية حرة او فتح المعبر للافراد والبضائع والوقوف امامها بمسؤلية وطنية وليس من باب المزايدات الفصائلية الضيقة وساحاول ان اوضح هنا سلبيات واجابيات هذه السيناريوهات علي المشروع الفلسطيني وربما علي القضية الوطنية الفلسطينية في ثلاث محاور اساسية وهي التي تناولتها هذه التصريحات : اولا المناطق الحرة : المتعارف عليها أن المنطقة الحرة تقام على مساحة من الأرض ذات سياج وتقع داخل الحدود الجمركية الوطنية، وأنها في الغالب تجاور أو تدخل في نطاق ميناء بحري أو جوي، وتستقبل السلع والمنتجات دون إخضاعها للإجراءات الجمركية العادية التي تخضع لها السلع المستوردة إلى داخل البلاد، فلا تحصل عن تلك السلع والمنتجات رسوم إلا سحبت كواردات للسوق المحلي سواء ظلت على حالتها عند إدخالها المنطقة الحرة أو إتخذت هيئة أخرى بما أجرى عليها من عمليات تشكيلية أو تحويلية صناعية. فهل تملك قيادات حماس الرؤية الشمولية لاقامة مثل هذه المنطقة الحرة ؟ وما هو شكل الاستثمارات التي سوف تستثمر في هذه المنطقة ؟ وان كانت حركة حماس تملك من الاموال التي تجعلها تمول هذه المنطقة اما كان الاجدر بها ان تستثمر في السوق الغزاوي من خلال اقامة استثمارات انتاجية مستدامة تحقق تنمية حقيقية للمجتمع الفلسطيني في غزة هدفه تعزيز وتقوية الاقتصاد الفلسطيني (الذي هو اشباه هياكل اقتصادية ) الاقتصاد الفلسطيني في غزة اقتصاد استهلاكي يعتمد علي رواتب الموظفين اي انه معتمد بالدرجة الاولي علي القطاع العام وتحديدا علي رواتب الموظفين الذي يصرف من السلطة في رام الله وعندما تتاخر الراواتب يدخل قطاع التجارة في غزة في مرحلة الركود ، حيث ان عدد الذين يتلقون دخلا من سلطة الوطنية في رام الله ما يقارب من 75 الف موظف ، بينما عدد الموظفين الذين يتقاضو رواتب من حكومة حماس حسب تصريحات المتحدثين باسم حكومه 34 الف موظف بالاضافة الي ما يقارب من 10 الاف موظف يتقاضون رواتبهم من وكالة الغوث وتشغيل الاجئين (الامم المتحدة ). اما رؤوس الاموال المستمثرة علي شكل مشاريع كبيرة او متوسطة تكاد تكون معدومة اما مشاريع صغيرة الحجم فهي تعد علي الاصابع اليد الواحدة . اذن فالاجدر علي حماس ان تتحدث عن مشاريع وطنية او عربية في غزة هدفها انتاجي يعزز بناء اقتصاد وطني يعتمد علي الذات . اما كان الاجدر بالسلطة الحاكمة في غزة (حركة حماس ) حماية المنطقة الصناعية المؤهلة التي كانت في ايرز من النهب والسرقة من قبل بعض الافراد المحسوبين عليها بالاضافة الي منع اطلاق الصواريخ عليها والعمل علي تطويرها وتنميتها لانها استطاعت هذه المنطقة ان تكسب اسواق جديدة بالاضافة انها جذبت العديد من رؤس الاموال واستطاعت ان تنافس مثيلتها في الاردن ومصر واستطاعت ان تدخل للسوق الفلسطيني العملة الاجنبية وترفع من مستوي الناتج القومي الفلسطيني من خلال قدرات انتاجية حقيقية ، لا من خلال عمليات غسيل الاموال !!! ثانيا : الحديث عن منطقة تجارة حرة فمنطقة التجارة الحرة اقتصاديا هو نوع من التكتل التجاري بين دولتين أو أكثر، ببن مجموعة محددة من البلدان التي وافقت على إلغاء التعريفات الجمركية والحصص والتفضيلات على معظم (إن لم يكن كل) السلع والخدمات المتداولة بينهما. فهل تعلم قيادات حماس التي نادت بهذا النوع من التكتل الاقتصادي انه بالفعل هناك منطقة تجارة حرة عربية كبري دخلت حيِّز التنفيذ وتم تطبيقها مع عام 2005 وان فلسطين ومصر جزء من هذه الاتفاقية اي ان السلع والخدمات ذات المنشا المصري يمكنها ان تدخل السوق الفلسطيني بدون فرض تعريفة جمركية وكذلك السلع والخدمات الفلسطينية والسؤال هنا للقيادة في حماس ما هي السلع والخدمات التي يمكن لنا ان نصدرها للسوق المصري ؟ وهل تطلب قيادات حماس ان نعتمد اعتماد كلي علي المنتج المصري في الاستهلاك وتغيب كامل للمنتج الفلسطيني الغير موجود اصلا ؟؟؟ وهل الحديث عن منطقة اخري للتجارة الحرة هو عدم الاعتراف بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبري ؟؟؟ ثالثا : فتح معبر رفع للافراد والبضائع (جوهر التصريحات والغاية التي تسعي لها حركة حماس منذ الانقسام ) لا يمكن النظر الي فتح معبر رفح للافراد والبضائع بمنعزل عن اتفاقية المعابر التي وقعتها اسرائيل مع السلطة الفلسطينة والولايات المتحدة الامريكية ولا يمكن النظر لهذه الاتفاقية بمنعزل عن انسحاب اسرائيل احادي الجانب من قطاع غزة وسط ترحيب وتاييد امريكي . عمدت اسرائيل من خلال ذلك توفير واقع افضل يتيح لها التحكم الميداني في قطاع غزة من خلال حدوده وقدره علي تحويلة الي معتقل كبير ، كما يمكن اسرائيل في سياق متصل تثبيت والتفرغ للاستيطان في الضفة الغربية والهاء الاعلام والمجتمع الدولي بقطاع غزة كما تحاول التلاعب بالوضع القانوني لقطاع غزة فإسرائيل بانسحابها أحادي الجانب من قطاع غزة أجرت مقاربة في صالحها، يمكن أن تحاول تكرارها في الضفة، بتجاهل مبدأ الوحدة الجغرافية لكل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، واعتبار القطاع وحدة جغرافية منفصلة عن الضفة والقدس، للتنصل من الالتزامات التي يفرضها عليها القانون الدولي كقوة احتلال وتبرئة نفسها من المسؤليات القانونية التي يترتب عليها في القانون الدولي كدولة احتلال حيث ان الاحكام الواردة في القسم الاول والثالث من الباب الثالث من اتفاقية جنيف عام 1949 يرتب علي اسرائيل كدولة احتلال العديد من المسؤليات من بينها حماية السكان وتامين احتياجاتهم المختلفة من صحة وتعليم وبني تحتية وبيئة ...الخ. كما أن خروج قوات الاحتلال من باطن قطاع غزة لا يعني انتهاء الاحتلال، حيث أن القانون الدولي لا يعطي لدولة الاحتلال الحق بإعلان إنهاء احتلالها ما لم يترتب على ذلك ممارسة الشعب المحتل لحقه في تقرير المصير، وثبوت أن دولة الاحتلال لم تعد لديها قدرة على ممارسة السيطرة الفعالة على الأرض. كان سابقا مقدمة لا بد منها للتطرق الي اتفاقية المعابر التي وقعتها اسرائيل عام 2005 كدولة محتلة مع السلطة الفلسطينية الطرف الشرعي والممثل للشعب الفلسطيني في الداخل حيث انه من خلال هذه الانفاقية تم وضع الشروط والضوابط والمعايير التي تنظم حركة المرور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال هذه المعابر وهذه الاتفاقية تنظم العمل في معابر الافراد والبضائع في الضفة والقطاع . فالغاء هذه الاتفاقية من طرف حكومة حماس في غزة والدفع باتجاه فتح معبر رفح للافراد والبضائع سوف يوؤدي الي اغلاق كافة معابر البضائع والافراد في قطاع غزة مع اسرائيل ـ ونجاح اسرائيل في دفع الفلسطينينين في غزة لإلغاء هذه الاتفاقية تاكيدا من اسرائيل للمجتمع الدولي بان غزة اراضي ليست محتلة وبالتالي اسقاط جميع الالتزامات الدولية الواقعة علي اسرائيل كدولة محتلة اتجاة قطاع غزة . كما سيعطي اسرائيل المبرر المنطقي امام العالم لوقف كامل لتسديد الضرائب والمقاصة الي السلطة الفلسطينية والتي تعطيها اسرائيل علي استحياء حيث انه اسرائيل من خلال سيطرتها علي المعابر التجارية في الضفة والقطاع ووفق اتفاقية باريس الاقتصادية التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل تقوم اسرائيل بجباية هذة الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطنية وتقوم بسدادها للسلطة بعد استقطاع نسبة اسرائيل حيث بلغت اجرائات المقاصة التي تسددها اسرائيل الي السلطة الفلسطينية ما يقارب 130 مليون دولار شهريا . كما ينهي الحلم الفلسطيني باقامة دولة فلسطينية مترابطة بين الضفة والقطاع ويتقزم الامر الي دولة فلسطينية في غزة، وهي علي ما اعتقد خطوة لاحقة ستسعي حماس لتحقيقها وترحب بها لتحقق حماس من خلالها اكتساب الشرعية الدولية والقانونية ككيان قانوني حاكم لقطاع غزة كما يضعف من رئيس السلطة الفلسطينية دوليا لأن الاتفاقيات الدولية هي من مسؤليات الرئيس، كما اعتقد ان مصر لن تسمح لنفسها كدولة ذات سيادة ان تقوم بتجاوز قانوني واضح وفاضح كهذا .. كما انها لن تضع نفسها موضع سخرية بعقدها اتفاقيه بهذا الحجم مع حكومة مقالة او مع تنظيم سياسي كما انه لو تم توقيع هذه الاتفاقية بين غزة ومصر(فتح معبر رفح للافراد والبضائع ) ستكون حماس هي الممثل عن ذلك وهي مقدمة لشرعيات اخري تسعي لتحقيقها !!! سوف يؤدي ذلك إلى حصول القطاع على احتياجاته المختلفة عبر الحدود مع مصر فقط، مما يجعل من قطاع غزة واحتياجاته عبء علي الكاهل المصري ولعلنا امام تبعيه تامة تقع علي عاتق جمهورية مصر العربية ، كما انه سوف يجسد بشكل فاضح الانفصال السياسي والجغرافي بين غزة والضفة ويجعل من حماس تمعن في انفصالها ومن ثم موت فعلي لعملية المصالحة الوطنية ربما يدفع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الي اعلان غزة كيان متمرد وبالتالي قطع رواتب الموظفين وايضا وقف الانفاق العام علي قطاع الصحة والتعليم والبني التحتية. كما هذا سوف يؤدي الي دخول البضائع من خلال جمهورية مصر العربية بالاسعار الدولية اي ستقوم مصدر بتوريد احتياجات قطاع غزة من السلع والخدمات بالاسعار الدولية وليست بالاسعار المدعمة بالاسعار المصرية ، فهل سيكون بمقدور المواطن الفلسطيني بغزة الذي يعاني ما يقارب من 60% منه من فقر ويبلغ دخله اقل من دولارين ان يشتري هذه السلع بهذه الاسعار مع اضافة التعريفة الجمركية التي ستفرضها حركة حماس وبالتالي سوف يوؤدي الي ارتفاع كبير في مستوي هذه الاسعار، كما يجعلنا نتسائل كيف ستسمح حماس حتي وان فتح معبر رفح للبضائع والافراد باغلاق الانفاق (ما يزيد عن 1200 نفق) والذي يساهم بتمويل موازتة حكومة غزة بما يقارب 20%. اخيرا اعتقد أنه على حركة حماس ان تراجع نفسها جيدا قبل الاقدام علي هذه الخطوة واعتقد انه من الواجب الوطني علي الحكومة المصرية ان لا تقوم بهذا الامر اما على المستوي الفلسطيني يجب على السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني ان يقف موقف صلب لمنع ذلك والاجتماع الحقيقي لوضع استرانيجية فلسطينية مقاومة يكون اول اهدافها (فلسطين فوق الجميع ) .