تمر إسرائيل بأوقات صعبة يحكمها عدم اليقين بكل ما يتعلق بالحرب القادمة التي يروج لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على اعتبار أنها حرب إجبارية ترتبط بمستقبل إسرائيل واستمرار وجودها، والحديث هنا يتعلق بإيران ومشروعها النووي المستقبلي. فمن جهة يبدو نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك أكثر تصميماً على شن الحرب ويحاولان تجنيد الرأي العام الإسرائيلي حتى السعي لإقناع الحاخامات بدعم فكرة الحرب باعتبار أنها وجودية لإسرائيل كما حصل مع الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحركة "شاس" الذي أرسلوا له جنرالات كبارا لشرح موجبات ومبررات الحرب لكي يؤيدها. ويسعيان للضغط على الولايات المتحدة الأميركية لتجنيدها لدعم القرار الإسرائيلي في حال اتخاذه. ومن جهة ثانية هناك أوساط سياسية وأمنية وازنة في إسرائيل ترفض الفكرة وترى أن الترويج للحرب الآن قبل أن تفعل العقوبات الاقتصادية فعلها في إيران لثنيها عن مواصلة تخصيب اليورانيوم وصولاً إلى امتلاك السلاح النووي. بل إن الإدارة الأميركية ترفض الفكرة بتاتاً في هذه المرحلة وتدعو إسرائيل للتريث لأنها لا ترى أن إيران تجاوزت الخطوط الحمر، وأنها ستعلم متى تبدأ ببرنامجها العسكري. وأكثر من ذلك شككت بقدرة اسرئيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني وفي أحسن الأحوال تستطيع إعاقته حسبما ورد على لسان أكثر من مسؤول أميركي وعلى الخصوص رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية دمبسي. وبين الذهاب للحرب أو التريث حيثما تنضج الظروف لصالح توجيه ضربة عسكرية لإيران تعيش إسرائيل أجواء حرب حقيقية من الناحية النفسية والمعنوية. الصفعة الكبرى التي تلقاها نتنياهو من الساسة الإسرائيليين لم تكن من المعارضة بل من رأس الدولة أي من الرئيس شمعون بيرس الذي عارض شن حرب على إيران بصورة علنية واعتبرها كارثة على إسرائيل. وهذا هو لسان حال بعض العقلاء الذين يشككون في صدق نوايا وتقديرات نتنياهو خاصة مع معارضة رجالات أمن مهمين. وهناك من يعتقد أن نتنياهو مستعد لجر إسرائيل لحرب غير محسوبة دون غطاء دولي وأميركي بالذات فقط من أجل أن ينجو بنفسه من هزيمة ممكنة في الانتخابات القادمة بعدما تراجعت شعبيته كثيراً في أعقاب انسحاب حزب" كاديما" من الائتلاف الحكومي على ضوء نقض عهوده بشأن تعديل قانون الخدمة العسكرية المسمى قانون "طال" بما يفرض الخدمة على المتدينين والعرب. وأيضا بسبب الاحتجاجات الاجتماعية التي ستكون الأولوية في الحملات الانتخابية القادمة. وهذا كله سيكون سريعاً في حال تقديم موعد الانتخابات العامة في إسرائيل والمرجح إجراؤها في الربع الأول من العام القادم في حال فشلت الحكومة في تمرير موازنة العام 2013 حتى نهاية هذا العام. من جانب آخر تشير بعض التقديرات إلى أن نتنياهو يريد ابتزاز الولايات المتحدة حتى يحصل منها على أعلى ضغط ممكن على إيران وتقصير أمد العقوبات وتكثيفها والحصول على دعم عسكري استراتيجي للجيش الإسرائيلي بما في ذلك أحدث القنابل الذكية المتخصصة بالأنفاق والمواقع المخفية تحت الأرض وفي الجبال. ولكن لو كان هذا صحيحاً فهل ينجو نتنياهو من هزيمة محتملة؟ من الواضح أن نتنياهو مستفيد من خلق أجواء الذعر والخوف لدى الجمهور الإسرائيلي الذي بات يفكر ليل نهار في كيفية الوصول للملاجئ أو اقتناء الكمامات الواقية من الغازات وغيرها من وسائل الحماية والوقاية وذلك بسبب الإعلانات المتكررة لقادة الجبهة الداخلية بالحصول على الكمامات وتفقد اقرب مواقع للملاجئ والنقاشات الصاخبة في وسائل الإعلام حول ماذا يمكن أن يحصل لو هاجمت إسرائيل إيران وما هو الرد الإيراني وعدد الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل وإلى أي مواقع، وكم عدد القتلى والمصابين المحتمل في أسوأ أو أفضل الحالات، وكم يلزم للبلديات لفتح الملاجئ تجهيزها للمواطنين بعد أول هجوم صاروخي إيراني. وهل صحيح أن إسرائيل تعتزم نقل مئات الآلاف من المواطنين إلى الضفة الغربية في حال تعرض وسط إسرائيل أي منطقة تل ابيب لقصف مكثف. وفي ظل أجواء كهذه يبدو نتنياهو هو الزعيم الأقوى القادر على التعامل مع خطر إيران وما يمكن أن ينجم عنه من حرب او صراع جديد. لكن هذه الأجواء قد تتبدل إلى النقيض تماماً لو لم تجرؤ إسرائيل على شن حرب خلال الخريف القادم وهو الموعد الأسوأ للولايات الأميركية التي تستعد للانتخابات الرئاسية. والتي لا تريد أن تفرض إسرائيل عليها حربا في هذا التوقيت الذي قد يترتب عليه تأثير مباشر على فرص المرشحين وخاصة الرئيس الحالي باراك أوباما. هنا قد يخسر نتنياهو لأنه سيواجه الحقيقة العارية التي تقول إنه فاشل في كل شيء وأن ما يهمه هو استمرار حكمه، وهنا لا يسجل له الجمهور والساسة ووسائل الإعلام أي انجاز يذكر. ومما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي الإسرائيلي الذي يعيش مرحلة من التدهور و لو بشكل بطيء سيكون على رأس سلم اهتمامات الناخبين، وهنا لا يوجد لنتنياهو ما يفاخر به، وهو الذي اهتم أكثر من أي شيء آخر بإرضاء اليمين والمستوطنين على حساب غالبية الشعب. أمام خطر السقوط الذي يواجهه إذا تراجع عن الحرب هل سيكون بمقدور نتنياهو أن يواجه المعارضة الداخلية والأميركية والدولية ويقدم على مغامرة أو مقامرة كبرى قد تضع إسرائيل أمام كارثة كما يقول إسرائيليون؟