أن العملية العسكرية الأمنية التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية باشتراك أجهزة الأمن والشرطة في سيناء والتي أطلق عليها "العملية نسر"، أطلقت العنان لإعادة التأكيد على ضرورة مراجعة وتقييم اتفاق "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، على الأقل لجهة البنود المتعلقة بحجم القوات المصرية المصرّح لها بالتواجد على أراضي سيناء، ووفقاً لهذه الاتفاقية، فإن مصر طلبت من إسرائيل زيادة قواتها الجوية والبرية لمواجهة الانفلات الأمني في سيناء، والذي أدى في إحدى أكبر عملياته إلى استشهاد 16 عسكرياً مصرياً، إلا أن مصر، وبعد أقل من أسبوع على بدء العملية "نسر" زادت من حجم قواتها البرية والجوية لمواجهة ومطاردة عناصر التمرد والإرهاب في سيناء من دون أن تستأذن وتطلب موافقة إسرائيلية على هذه الزيادة، الأمر الذي دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في رسالة موجهة إلى الرئاسة المصرية عبر البيت الأبيض، إلى أن تتوقف مصر عن إدخال قوات عسكرية إضافية إلى سيناء دون تنسيق مسبق مع إسرائيل. ومع تواصل "العملية نسر" في سيناء، وزيارة وزير الدفاع المصري الجديد الفريق عبد الفتاح السيسي إلى سيناء للإشراف على العملية عن قرب، إلاّ أن مصر، لم ترد حتى الآن على الاحتجاج الإسرائيلي، بل يمكن القول، إن القاهرة معنية بتجاهل هذا الاحتجاج، كبالون اختبار لردود الفعل الإسرائيلية على الخطوة المصرية، ولإظهار عدم تردد مصر في اتخاذ الخطوات الضرورية لحماية أمنها القومي، وسدّ الثغرة الأمنية في شبه جزيرة سيناء، ولإدراك القاهرة، وهذا هو الأهم في هذا السياق، ان إقدام مصر على لجم تطور الحركة الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، يخدم الأمن الإسرائيلي بالدرجة الأولى، لذلك فإن القيادة المصرية، تدرك حجم ومدى هذا الاحتجاج بحيث لن تتخذ إسرائيل أية خطوة جدية بهذا الصدد، خاصة وأن الدولة العبرية باتت تواجه جبهات ساخنة في حربها المحتملة مع إيران، سواء من جنوب لبنان أو قطاع غزة، وهي لن تفتعل ما من شأنه فتح جبهة جديدة مع مصر، خاصة بعد ما أفرزته الثورة المصرية من متغيرات داخلية ستعكس نفسها على علاقة مصر مع الدولة العبرية، ولعلّ هذا العامل، ما يشجع القاهرة على تجاهل الاحتجاج الإسرائيلي حول زيادة القوات في سيناء من دون العودة إلى تل أبيب. العملية الأخيرة في سيناء، هي الأكثر أهمية من كافة العمليات الإرهابية السابقة من حيث إنها فتحت المجال أكثر من أي وقت مضى، حول ضرورة إعادة تقييم اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وأخذ الجدل حول هذه المسألة احتداماً أكثر بين الساسة وأصحاب الرأي والباحثين المصريين، وهناك دعوات عديدة إلى ضرورة عقد مؤتمر دولي يهدف إلى الضغط على إسرائيل لتعديل اتفاق السلام، بحضور روسيا والصين والهند والبرازيل إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لممارسة أكبر ضغط ممكن لتحقيق هذا الهدف في ظل مناخ شعبي واسع في مصر سيساعد القيادة المصرية على التوصل إلى مثل هذا الهدف، وبينما يرى بعض الداعين إلى مثل هذا المؤتمر الدولي، ان الاتفاقيات الدولية تقوم على أساس تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة للدول الموقعة عليها، يرى آخرون أن الاتفاقات الدولية تقوم على أساس موازين القوى بين الدول الموقعة عليها أكثر من أن تشكل توازناً حقيقياً بين هذه الأطراف، ولعل في البنود المتعلقة بتوزيع القوات المصرية في سيناء وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد يشير إلى عدم التوازن باعتبار أن ميزان القوى من الناحية العملية هو الذي فرض مثل هذا التوزيع. إلاّ أن أصحاب هذا الرأي الأخير، يشيرون عن حق إلى أن اتفاقيات السلام تتسم عادة بالثبات، إلاّ أن العرف الدولي والسوابق التاريخية تشير إلى أن المستجدات المهمة والخطيرة تستلزم إعادة النظر بالاتفاقيات السابقة وتعديلها وفقاً لمتغيرات ميزان القوى، وفي المثال المصري ـ الإسرائيلي، هناك انهيار للدولة الليبية، الأمر الذي أدى إلى توسيع عمليات تهريب السلاح إلى مصر وخاصة إلى سيناء، إضافة إلى ضعف الوجود الأمني المصري في سيناء بتأثيرات ونتائج ثورة 25 يناير، ناهيك عن سيطرة حماس على قطاع غزة وتأثير ذلك على الأمن القومي المصري خاصة في شبه جزيرة سيناء، يضاف إلى ذلك، الملف النووي الإيراني والذي تعتبره إسرائيل تهديداً لوجودها، الأمر الذي يفرض متغيرات على ميزان القوى الذي يفرض بدوره إعادة النظر باتفاقية كامب ديفيد بعد ثلاثين عاماً من التوقيع عليها. وخلافاً للآراء الداعية إلى مؤتمر دولي لإعادة النظر باتفاقية كامب ديفيد، تطرح بعض الأوساط معارضتها لهذه الآراء، باعتبار أن مؤتمراً دولياً سيفتح المجال أمام التدخل الدولي في شؤون مصر الداخلية، خاصة وأن هناك دعوات خارجية تطالب بإرسال قوات سلام دولية تنتشر على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية داخل سيناء لحماية الحدود من الهجمات على إسرائيل الأمر الذي يهدد السيادة المصرية في الصميم، وعوضاً عن مؤتمر دولي، يقترح أصحاب هذا الرأي الاتصال بالجانب الإسرائيلي وبدعم أميركي من أجل مباحثات ثنائية تُفضي إلى تعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد، خاصة تلك المتعلقة بالملحق الأمني المتعلق بإعداد وتسليح القوات المسلحة المصرية في سيناء. وليس من المرجّح أن تستسلم إسرائيل بسهولة لإعادة النظر باتفاقية كامب ديفيد، رغم مصلحتها في تعديل بعض بنودها حفاظاً على أمنها، ذلك أن الدولة العبرية تدرك بدورها هشاشة الوضع الأمني في سيناء بالنسبة للأمن القومي المصري، وأظهرت العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء، مدى الدور الذي تلعبه إسرائيل في هذا السياق، يضاف إلى ذلك أن فترة عدم الاستقرار الحالية في جمهورية مصر العربية جراء تداعيات ثورة 25 يناير، ووصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، لا تخول لحكام مصر الجدد اتخاذ خطوات جدية قد تعارضها الولايات المتحدة في ظل صراع الجمهوريين والديمقراطيين للوصول إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يفرض على رئاسة أوباما، أن تأخذ بالاعتبار أكثر من أي وقت مضى المصالح الإسرائيلية، وإشارة بعض أركان البيت الأبيض، والمستشار السياسي السابق للرئيس الأميركي، دينس روس إلى أن على مصر أن لا تعبث باتفاقية كامب ديفيد، وان ذلك قد يؤدي إلى وقف المساعدات الحالية الأميركية إلى مصر، إشارة واضحة للدور الأميركي المتوقع في هذا المجال. Hanihabib272@hotmail.com