خبر : لماذا لا يسقط النظام السوري ؟ ..حسين حجازي

السبت 18 أغسطس 2012 12:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا لا يسقط النظام السوري ؟ ..حسين حجازي



لماذا لا يسقط النظام السوري من تلقاء نفسه، وينهار كأعمدة من الكرتون تحت هذه الضربات الموجعة التي ينهال بها أعداؤه عليه، من كل حدب وصوب. كيف يمكن للنظام السوري ان يصمد ولا ينهار، وقد احتشدت ضده اميركا وهي اميركا، وأوربا، واكثر من مائة وثلاثين دولة، وما يزيد على مائة وستين قناة فضائية، ومثلها صحف ورقية، وأخرى إلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي "تويتر " و " فيس بوك "، ومعهم حتى لا ننسى منظر بوزن الدكتور عزمي بشارة. وتم فصل النظام من عضوية الجامعة العربية، وبعد ذلك منظمة التعاون الإسلامي. وحورب هذا النظام، اقتصادياً في ليرته، وتصدير نفطه، وسلعه الغذائية، كما حورب عسكرياً، داخل كل مدنه وأريافه، في حرب استنزاف لم يسبق لها مثيل، رصدت لها الأموال، المؤللة والطائلة، وجند لها وقود وأدوات من كل أصقاع دول الأرض، جهاديين إسلاميين ومقاتلين آخرين، في تحالف يصهر التناقضات الأيدلوجية، في عجينة واحدة، على نحو قل نظيره. اميركا والقاعدة معا، الغرب والإسلام والإرهاب والكباب، في حلف واحد مشترك خلاق وجميل. يا لسورية قدرها ان تجمع، تؤلف، وتوحد، حتى في العداوة ضدها. اعلام، ودبلوماسية، واقتصاد وعسكر، وتحالف اممي، لماذا اذن لا تسقط ايها النظام السوري؟ هيا اذاً نضحك، حين نرى الجانب الساخر من الموضوع . فهل نتحقق اليوم من حقيقة ان النظام السوري، إنما هو في الواقع اقوى نظام حكم ليس في المنطقة، وإنما في العالم؟ اذ دُلني على نظام سياسي حاكم، واجه مثل هذا الحشد الهائل من الأعداء الأقوياء والشرسين، مالياً وإعلاميا. استطاعوا أيضاً أن ينقلوا حربهم ضد نظام دولة أخرى في العالم ، داخل كل بيت على شاشات التلفاز، بل ويحاربون فعليا بجنود متعددي الجنسيات داخل حدود دولة العدو وعلى ارضه. يقول لنا الخبير الاستراتيجي في قناة الجزيرة صفوت الزيات، ان الجيش السوري يحارب من درعا جنوبا على الحدود مع الأردن، حتى دمشق عاصمته، وحمص في الوسط، وحلب وادلب شمالا، على الحدود مع تركيا. ويقول لنا رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، ان الجيش منهار عسكريا والدولة منهارة اقتصاديا، اذن لماذا يتأخر سقوط النظام، اذا كان النظام فعلاً لا يسيطر إلا على 30 % من أراضيه، وهو في حالة انهاك يرثى لها ؟ في الواقع أنا أقول ان كل هذا ليس إلا هراء. لأن أسباب منعة النظام عن السقوط حتى الآن، توجد في مكان آخر، في مكان غالبا لا يتم الإشارة اليها، ويرغب الجميع، جميع أولئك الرغبويين الذين يحيلون رغباتهم بديلا عن الواقع، وما برحوا يعطون جداول زمنية، ومواعيد لإسقاط النظام، وهي مواعيد يتبين في كل مرة انها في عقولهم، وليست في الواقع. اذ قُلي هنا على سبيل المثال ما الذي يقلق ايهود باراك من خفة وسرعة مرونة الجيش السوري في النقل التكتيكي لقواته، بهذه الطريقة التي أدهشت البنتاغون والمراقبين الغربيين والإسرائيليين على حد سواء، وفي قدرته على انتهاج استراتيجية تقوم على توجيه النيران بصورة تكاملية، كنوع من التدعيم المتبادل في وقت واحد . هذا المكان الآخر العميق لمنعة النظام السوري عن السقوط، بالرغم من كل هذه الحرب الكونية على سورية، انما تنبع أو تستمد من تقاليد الدولة السورية والجغرافيا السورية نفسها باعتبارها الموقع الجغرافي الطبيعي لفكرة العروبة. هذه التقاليد التي لا يعيرها عزمي بشارة وآخرون ولا سيما الدوائر الاستخباراتية الغربية التي تقود الحرب على سورية أي اهتمام، وهي التقاليد التي حاولنا هنا على مدى شهور الأزمة السورية، مقاربتها وشرحها. فسورية لا يمكنها ان تكون الا دولة مركزية، تتماهى جغرافيتها مع فكرتها عن نفسها، وفكرتها هذه تستعصي على اختراق لها، أو كسرها من الخارج، حتى لو تسلح هذا الخارج، بقوى من الداخل السوري نفسه، فسورية هنا ليست العراق ولبنان، التي يسهل بالتحالف، التواطؤ مع أي من أمراء طوائفها، اسقاطها. وبهذا المعنى فان التماسك المدهش الذي يبدو عليه النظام قياسا بقدرته، على مواجهة هذه الحرب، كل هؤلاء الأعداء، انما يجب ان نعزيه بالدرجة الأولى الى قرينته الأساسية، أي تماسك البنية المجتمعية السورية بالدرجة الأولى، من حول فكرة سورية الدولة، نفسها عن نفسها، هنا في هذا المفصل الحاسم، لم ينجح التحالف، المعادي للنظام السوري، في تقويض بنية النظام والدولة . لقد استطاع أعداء النظام ان يرسلوا جنودا ويمدوهم بالسلاح والمال والإعلام، لكنهم فشلوا في تأمين بيئة حاضنة لهؤلاء المسلحين، لان شرط الثورة الداخلية بالأساس لم يكن متحققا. في تأملاته عن الحرب، لاحظ المنظر الحربي الصيني صن تزو، الذي عاش خمسمائة عام قبل الميلاد، في عبارة تختزل كل جماع الأزمة السورية اليوم، انه في الحرب، ينتصر كل فطين على عدو غبي، وهذا ما يحدث اليوم. وهكذا من تفوق على من ؟ في هذه الدراما السورية المجبولة بسفك الدم السوري، يا للأسف، والجواب واضح . كل يوم يمر ولا يسقط النظام السوري، فان أعداء هذا النظام هم الذين يخسرون، ولا يبدو في الأفق، ان هؤلاء سوف ينجحون . ان قياس جدارة النظام في التفوق على أعدائه، إنما يكمن هنا بالضبط في ذكائه وحيلته، في كشفه حقيقة أعدائه أمام شعبه. فما هي هذه الثورة التي تخطف وتذبح وحليفها إبليس نفسه؟ ما هي هذه الثورة التي تستبدل الاستقرار، بالفوضى وسفك الدم؟ بل ما هي هذه الثورة التي يكون ثمنها الانتحار؟ هنا نجح النظام في كشف وتعرية خصومه حينما شعروا أخيرا بالذعر ممن؟ من روايته الاعلامية، فلم يترددوا بتفجير قناة الإخبارية السورية، وخطف وقتل الصحافيين والإعلاميين السوريين. فهل الإعلام السوري، إعلام النظام قوي وخطر الى هذا الحد ؟ نعم لان الصراع من البداية كان على الرواية، وكان الإعلام الحربي الموجه ضد سورية هو الأداة الرئيسية لهذا الحلف، وقد سقطت هذه الأداة كما نلاحظ، ومعها العقوبات الاقتصادية بعد ان ربط النظام ليرته السورية بالعملة الروسية، بدلا من الدولار. بعد ان انتصر استراتيجيا في الحرب الأخطر، المعركة الدبلوماسية، وتأمين مظلة وازنة من التحالفات. واليوم يربح المعركة الإعلامية والسياسية، اذا كان أعداؤه يظهرون كمن يحاول إسكاته، وساعده غباء أعدائه في إظهار الثورة على انها جزء من المؤامرة، من مؤامرة لعبة امم قذرة، تستهدف تدمير الدولة السورية، وان ما يحدث هو دفاع عن الوطن ضد إرهاب تدعمه قوى خارجية. كاتب صحفي فلسطيني عن الايام