خبر : عن الانقلاب المضاد على المجلس العسكري! ...محمد ياغي

الجمعة 17 أغسطس 2012 04:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن الانقلاب المضاد على المجلس العسكري! ...محمد ياغي



في الوقت الذي كان ينتظر فيه المتابعون للشأن المصري انقلابا من المجلس العسكري على الرئيس المنتخب، فاجأ الرئيس مرسي الجميع بجملة من القرارات التي أطاحت بسبعة من من رموز المجلس العسكري ـ من أهمهم، المشير طنطاوي، رئيس المجلس، وسامي عنان، رئيس هيئة الأركان. كيف تمكن الرئيس المنتخب في أقل من شهرين من القيام بذلك، هو مثار تساؤل وبحث من قبل جميع المراقبين والمحللين السياسيين للشأن المصري. الجيش المصري، وحتى وقت قريب، أُعتُبِر مؤسسة مستقلة، سلطاتها وصلاحياتها الفعلية أعلى من سلطة الرئيس المنتخب. المجلس العسكري كان قد قام في 17 حزيران الماضي، وقبل إعلان فوز الرئيس مرسي بأيام قليلة، بإحداث إعلان دستوري مكمل، جرد فيه الرئيس المنتخب من صلاحياته، بما في ذلك، تلك المتعلقة بالجيش وقياداته. الإطاحة بالعسكري من قبل الرئيس مرسي، ستبقى لبعض الوقت لغزاً محيراً. النظريات التي تفسر الحدث متعددة، ومنها أن الرئيس استغل حادثة سيناء والخلاف الذي جرى بشأنها بين أعضاء المجلس العسكري للإطاحة بهم. بعض المواقع الإلكترونية ادعت بأن بعض أعضاء العسكري كانوا على علم بهجوم سيناء ولم يفعلوا شيئاً بهدف إحراج الرئيس مرسي وتحميلة المسؤولية تمهيداً للانقلاب عليه، وهذا أثار حفيظة القيادات الأخرى التي رأت أن الأمن المصري ودم الجنود خطوط حمر لا يجب اللعب بها وهو ما سهل على الرئيس اتخاذ قراراته. البعض أيضا قال بأن القرارات نسقت مع الجانب الأميركي ويدللون على ذلك بتصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية التي قالت بأن إدارتها لم تفاجأ بالتغير الذي حدث، وهو ما يعني أن القادة الجدد للعسكر قد حصلوا على ضوء أخضر من الولايات المتحدة لمنع المشير الطنطاوي والفريق عنان من الاحتجاج على القرارات. وهنالك آخرون قالوا بأن العسكري لم يكن لديه منذ البداية النية للاحتفاظ بالسلطة، وأن قبول أعضائه لقرارات الرئيس بإحالتهم للتقاعد هو تأكيد على نية العسكري تسليم السلطة التي وعد القيام بها سابقا. هذه النظريات جميعها محتملة وممكنة.. لكنها لا تفسر قدرة الرئيس على إجهاض انقلاب عسكري محتمل في بضعة أيام، ولا تفسر كيف تحولت مؤسسة الصقور العسكرية الى مؤسسة حمائم في ليلة وضحاها. الثابت أن العسكري كان يريد تكبيل أيدي الرئيس عبر الإعلان الدستوري المكمل. والثابت أن العسكري كان يريد رئيسا بلا صلاحيات. والثابت بان الرئيس لم يستطع تشكيل حكومة خاصة به بدون مباركة العسكري وتدخله. الوزارات السيادية على الأقل في حكومة هشام قنديل، قام العسكري بتعيين وزرائها (تم الحفاظ عليهم من التشكيل الوزاري القديم). الأخبار الواردة من مصر أيضا كانت تتحدث أيضا عن نية للانقلاب على الرئيس في نهاية الشهر الحالي، حيث إن معارضي الإخوان كانوا يعتزمون القيام بسلسلة تظاهرات في 24 آب ضد ما سمّوه سياسة "أخونة الدولة". لذلك يعتبر نجاح الرئيس في عمل انقلاب مضاد على العسكري، ضربة إجهاضية لانقلاب محتمل ضده. على الرغم من شح المعلومات المتوفرة بشأن كيفية الإطاحة بالعسكري، إلا ان هنالك بعض المؤشرات التي يمكن الاستعانة بها لفهم ما جرى، ومنها: أولا: أن من المستحيل تطويع المؤسسة العسكرية بدون إرادتها- المؤسسة العسكرية المصرية تمتلك تقريبا ثلث الاقتصاد المصري، ولا يمكن اتخاذ قرارات بشأن مستقبلها بدون موافقتها. وهذا يعني أن هنالك صفقة بين الإخوان وجزء من أعضاء المجلس العسكري قد عقدت وأن معالمها قد تكون واضحة- حصول الرئيس على كامل صلاحياته التنفيذية مقابل حفاظ المؤسسة العسكرية على استقلاليتها. وهذا يتضمن عدم محاكمة أيٍ من قادة المؤسسة العسكرية على أخطاء او تصرفات قام بها قادة الجيش خلال عهد مبارك او خلال الفترة الانتقالية التي إشتملت على أحداث راح ضحيتها العشرات من الثوار قتلاً واعتقالاً والاتفاق يتضمن حفاظ المؤسسة العسكرية على مصالحها الاقتصادية. وهنا لا نتحدث عن بضع مؤسسات اقتصادية تابعة للعسكري، بل عن منظومة إنتاجية كاملة إبتداءً من المخابز ومعامل المعكرونة ومزارع الخضار والفواكه والقرى السياحية وصالات الأفراح، وإنتهاءً بالطرق السريعة والإعفاءات من الرسوم الجمركية والأسعار التفضيلية وإنعدام الضرائب. ثانيا: يمكن الإدعاء بأن بعض التعهدات قد قطعت للإدارة الاميركية لمنعها من عرقلة التغيرات في المؤسسة العسكرية- وهذه التعهدات ربما قدمها الإخوان مباشرة، وربما قدمها قادة الجيش الجدد نيابة عن الإخوان، ومنها الحفاظ على إتفاقية كامب ديفيد بدون تغير، ومنها بقاء العلاقات مع إيران شبه مقطوعة، وأن سياسة مصر الخارجية بالمجمل، لن تكون معادية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. لهذا التفسير لما جرى ما يبرره- الجيش من جهه يريد العودة لوضعة السابق كفاعل اقتصادي بعيداً عن الأضواء، تماما مثلما كان وضعه في السابق في عهد مبارك. لقد فرضت ظروف الثورة على الجيش الإنكشاف للجمهور المصري بطريقة أضرت بسمعته ومكانته خصوصا بعد حدوث الصدام بين الثوار والجيش في اكثر من مكان، سواء في ماسبيرو، أو محمد محمود أو العباسية. الاميركيون همهم الوحيد بعد الثورة هو أن تنكفئ مصر على نفسها بعيداً عن السياسة الخارجية. مصر مبارك كانت حليفا وذخرا إستراتيجيا للولايات المتحدة وإسرائيل. مصر الثورة لن تكون حليفا إستراتيجيا كما كان الوضع في السابق. لكن يمكنها أن لا تكون لاعبا معيقا للمصالح الاميركية في المنطقة ويمكنها أن تغض النظر- على الأقل- عن محيطها بذريعة الإهتمام بالشأن الداخلي. الواضح أيضاً أن أولوية الإخوان هو الإقتصاد والسيطرة على مفاصل الدولة العميقة. أهداف الاطراف الثلاث- الجيش، الإخوان، والاميركان، إلتقت في لحظة فارقة، وهذا سهل على الرئيس مرسي اتخاذ قراراته وضمان تنفيذها دون معارضة.