ساد الدولة شعور بالضياع ممزوج بالذعر في يوم الاحد. فقد نُحي الجنرال المصري حسين طنطاوي عن عمله. لو ان حسني مبارك هو الذي نحى وزير دفاعه لانشغلت العناوين الصحفية الرئيسة كما يبدو بأمر هامشي كالتهديد الايراني أو ربما بأسعار الشقق – لكن حينما نفذ محمد مرسي "الأخ المسلم" ما هو من حق كل رئيس مصري ان يفعله، انفجر الرعب الى الخارج. فالى من سنتحدث الآن؟ ومن يحارب عنا في سيناء؟ ومن نستطيع ان ندير السياسة معه منذ الآن؟. هذا هو نفس الشعور بالذعر الذي نشأ حينما تبين ان رئيس وزراء تركيا، رجب طيب اردوغان، دفع أكثر فأكثر قيادة الجيش التركي الى خارج السياسة واعتقل في نهاية الامر جنرالات وأدميرالات كانوا ذات مرة شركاء سر لاسرائيل. يصعب على اسرائيل ان تقبل حقيقة ان تركيا ومصر انتقلتا من نظام حكم عسكري أو شبه عسكري الى نظام حكم مدني. وظنت في الحالتين ان سياسة الغمز التي أدارتها مع قيادة الجيش أبدية وان نظم الجنرالات محتاجة اليها إما لصلاتها بالولايات المتحدة وإما بسبب المصالح الامنية. أما الجمهور بالنسبة لاسرائيل فليس ذا شأن. كان حال اسرائيل في تركيا مريحا أكثر من حالها في مصر. لأنه حتى حينما تولت الحكم فيها حكومة دينية في 1996 وبعد ذلك ايضا، حينما فاز حزب العدالة والتنمية بأكثرية كبيرة في 2002، كانت اسرائيل تستطيع ان تشجع نفسها (برغم أنها بادرت الى قول ان تركيا تتجه الى الاسلام) بأن الجيش التركي بقي له الحق في الحسم. فالجيش التركي سيكون معادلا للاسلام السياسي كما قدّرت اسرائيل بصلفها. وفي مصر في المقابل لم تكن حاجة تقريبا الى اجراء حوار مع الجيش لأن مبارك كان قائد الجيش بالفعل. كان السلام مع مصر باردا في الحقيقة وسُمع انتقاد شديد لاسرائيل من كل جهة، لكن حينما يكون الجانب الامني للسلام عند اسرائيل هو سبب ونتيجة علاقاتها بمصر، فمن ذا يهمه ما الذي يفكر فيه الجمهور المصري أو كم من السياح المصريين يأتون الى اسرائيل. مبارك وجيشه معنا وهذا يكفي. لأن مجتمعا عسكريا كاسرائيل يصعب عليه ان يحادث مجتمعات مدنية، وهذا المجتمع العسكري يحتاج الى شركاء على صورته لا يتأثرون بالمس بحقوق الانسان؛ ويُعرفون مصطلح الارهاب مثله؛ ويسخرون من "حسان النفوس"؛ والخدمة العسكرية عندهم مفتاح للتقدم في المجتمع المدني وفي السياسة. وكانت الديمقراطية في الثلاث خطرا شديدا. ان مصطلح "التشابه في الرؤية" ميز بصورة كاملة منظومة العلاقات بين اسرائيل وتركيا ومصر ما بقي الجيش فيها كلها إما مباشرة وإما على صورة متنكرة باستخدام ساسة مدنيين هو الذي يقرر السياسة ويحدد العدو. وكان ذلك حلفا اعتمد ايضا على رؤية الاسلام عدوا. فقد عرّف المجلس العسكري الأعلى في تركيا في تسعينيات القرن الماضي الاسلام بأنه عدو التصور الكمالي للدولة العلمانية ولهذا تنبغي محاربته؛ وفي مصر سُلب الاخوان المسلمون حقهم في انشاء حزب لأن "كل حزب على أساس ديني يُعرض الدولة المدنية للخطر"، كما قضى مبارك الذي كان هو نفسه يبغض ويُضعف المجتمع المدني. بقيت واحدة الآن من الثلاث. فقد تحولت تركيا الى دولة مدنية مع قيادة عسكرية منهكة جرى عليها "تطهير سياسي"، وفي مصر أُعيد الجيش من القصر الرئاسي الى معسكراته، وفي اسرائيل وحدها ما يزال الجيش يقرر صبغة الدولة وصورة حياة مواطنيها. فلا عجب ان يصعب على اسرائيل في البيئة الجديدة التي نشأت في تركيا ومصر ان تجد مكانها. فلم يعد الاسلام فجأة – وليس القصد الى منظمات ارهاب اسلامية يحاربها مرسي واردوغان حربا لا هوادة فيها – العدو المشترك الذي يمكن ان يوحد الشركاء معا. ان اسرائيل التي بقيت يتيمة تنطوي على مخاوفها من نظم الحكم "الاسلامية" وتقنع نفسها بأنه لم يعد من تُحادثه في المنطقة. بيد ان العودة الى تركيا ما تزال ممكنة وقد يتطور الحوار مع مصر الى اتجاهات جديدة. وشرط ذلك ان تدرك اسرائيل ان ليس ميل اردوغان ومرسي الديني هو الذي يقف في طريقها بل سياستها.