ثورة 25 كانون الثاني، التي أطاحت بحسني مبارك، اقتربت أمس جدا من خط الهدف. صحيح ليس بالضبط الى الخط الذي تخيله الشباب الليبراليون والعلمانيون من منفذي الثورة، ولكن حتى هم سارعوا امس الى مباركة الخطوة الدراماتيكية التي اتخذها محمد مرسي بصفته من "نفذ ارادة الشعب". وسبب ذلك هو أن مرسي ليس فقط أطاح بالقيادة الامنية والعسكرية التي عينها مبارك، بل سار شوطا أبعد من ذلك إذ صادر من الجيش المكانة الخاصة التي كانت له منذ بداية الثورة كمن وجه خطى مصر في الايام العاصفة بل ونزع منه الصلاحيات الخاصة التي أخذها الجيش، أي المجلس العسكري، لنفسه في الاشهر الاخيرة. وتضمنت هذه الصلاحيات ضمن أمور اخرى صلاحيات التشريع ("الى ان ينتخب البرلمان الجديد") وصلاحيات تنفيذية واسعة. هذه الصلاحيات، التي في يد الجيش، جعلت مرسي مثابة رئيس دمية ليس أكثر. ومع انه الرئيس المنتخب، فهو لا يحق له، مثلا، الشروع في الحرب دون موافقة الجيش، وكذا في شؤون ميزانية الدولة وشؤون اخرى يوجد للجيش الكثير مما يقوله. مرسي سكت وتجلد. على مدى بضعة أسابيع منذ انتخابه، خلق الانطباع بان في هذه المرحلة لا يتجه نحو المواجهة الجبهوية مع الجيش. المرة الوحيدة التي خرج فيها الى مواجهة علنية مع الجيش كانت عندما قرر جمع البرلمان، رغم أن هذا حل باسناد الجيش بدعوى أن انتخابه لم يكن قانونيا. غير أنه كان واضحا للجميع بان هذا الوضع في عصر مصر الجديدة، والذي يكون فيه الجيش عمليا شريكا للقيادة السياسية وليس خاضعا لها لا يمكن له أن يستمر لزمن طويل. وانتظر مرسي بهدوء الى أن وقعت في طريقه فرصة مريحة. العملية ضد جنود الجيش المصري في سيناء لم تكشف فقط عن قصور المخابرات العامة بل وقصور الجيش باسره أيضا، الذي لم يكن منصتا للاختيارات ولم يحبط العملية. واستغل مرسي ذلك واتخذ خطوة من مرحلتين. في البداية نحى رئيس المخابرات العامة ومحافظ سيناء. بعد ذلك خرج لزيارة سيناء مع وزير الدفاع ورئيس الاركان، وأمس نحاهما هما ايضا. تنحيتهما وتنحية ضباط آخرين هي قول واضح من مرسي: مع نهاية عصر مبارك وانتخاب رئيس جديد بدلا منه انتهت ايضا المكانة الخاصة للجيش، وانتهى ايضا تدخل الجيش في السياسة. دور الجيش الوحيد هو "حماية الوطن"، وعليه ان يعود الى ثكناته وأن يمتثل لتعليمات القيادة السياسية. اذا لم الجيش المصري بذلك ولم يحاول الاعتراض على التخفيض لمكانته فسيكون لمرسي، رجل الاخوان المسلمين، وعن حق التباهي في أنه حقق في يوم واحد ما استغرق الاسلاميين في تركيا بضع سنوات الى أن سحبوا الجيش الى الوراء وأعادوه الى "حجومه الطبيعية". ولكن القصة لا تنتهي هنا. فضلا عن الصلاحيات التي اخذها لنفسه وفقدها أمس، حظي الجيش المصري على مدى كل سنوات مبارك وكذا قبله بامتيازات اقتصادية هائلة، وضباط كبار يستثمرون بعشرات في المائة بالاقتصاد المصري. اذا حاول مرسي أن يأخذ منهم هذا ايضا، فينبغي أن نرى اذا كانوا هذه المرة ايضا مستعدين لان يتنازلوا بسهولة. اتخذ مرسي أمس خطوة هامة اخرى في الطريق الى تثبيت مكانته كـ "رئيس كل المصريين": فقد عين له نائبا قاضٍ وشخصية محترمة، لا تتماثل مع اي من التيارات السياسية. ولكن في الطريق الى كسب ثقة معارضيه، في الطريق الى خط الهدف، عليه ايضا أن يتجاوز عائق الدستور، الذي لم يصغ بعد. فهل سيحاول استغلال مكانته المتعزز وابعاد الجيش كي يلون الدستور بألوان اسلامية قوية، بروح الاخوان المسلمين؟ أم أنه هنا ايضا سينجح في ايجاد صيغة مقبولة على الجميع؟ تغيير القيادة الامنية والعسكرية في مصر ستفترض من اسرائيل ان تفتح قنوات حوار مع الاشخاص الجدد، وليسوا كلهم وجوها معروفة لنظرائهم في اسرائيل. ولكن المشكلة الاساس في علاقات اسرائيل – مصر في عهد مرسي كانت ولا تزال رفض القيادة السياسية أن تقيم معنا أي علاقات، باستثناء التعاون على المستوى العسكري.