خبر : حادث رفح وضعف الاستجابة الفلسطينية .. بقلم: د. عاطف أبو سيف

الإثنين 13 أغسطس 2012 11:15 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حادث رفح وضعف الاستجابة الفلسطينية .. بقلم: د. عاطف أبو سيف



لم تكن الاستجابات الفلسطينية على المجزرة البشعة التي حدثت في مصر على قدر التحديات التي فرضتها بل اتسمت بردة الفعل المدفوع بالصدمة أيضاً. وأمام نفي الاتهامات بضلوع أطراف من غزة أو عدمه ظل التدبر فيما حدث ضعيفاً عكس نفسه في المواقف الصادرة كما اتضح أكثر في عدم التفكير في العبر الهامة التي كان يمكن لحدث كهذا أن يعلمنا إياها. الحدث الأليم أخذ الجميع على حين غزة، فقتل جنود مصريين بدم بارد في اعتداء صارخ على السيادة المصرية وفي انتهاك لكل القيم يعتبر حدثاً غير مسبوق. بالطبع لا يمكن لفلسطيني حقيقي أن يقوم بمثل هذا الحدث البشع ولا يمكن لمن يعرف مصلحة فلسطين ويفكر فيها أن يجرؤ على التفكير في مثل هذا الأمر. ليس لبشاعته الأخلاقية، على أهمية ذلك، ولكن لأن مصر ورغم ما قد يحب البعض سوقه من انتقادات هنا وهناك لمصر في مراحلها المختلفة ظلت ومنذ فجر الأزمة الفلسطينية مروراً بنكبتها ونكستها وثورتها وانتفاضاتها الأكثر متابعة للقضية الفلسطينية بين الأشقاء العرب ولأنها دفعت الثمن الأكبر سواء في الدماء والشهداء أو المواقف. وربما مصر هي الدولة الوحيدة من دول الجوار العربي. هذه حقائق يعرفها الجميع كما أنها لا تخفى على القيادة المصرية فهي تعرف ذلك وأكثر وعليه لم يكن من شك بأن الفلسطينيين أبرياء من دم الجنود المصريين وأن الإعلام المشوه الذي حاول تقديم الأمر وكأنه نكران فلسطيني للجميل المصري ووحشية زائدة كان مدفوعاً بردة فعل أيضاً عميت عن الحقيقة وعن المصلحة القومية الكبرى. سيظل السؤال حول مدى مشاركة غزة بالعملية أمراً أمنياً وعسكرياً يجري البحث عن أفضل السبل لتجاوز تبعاته ميدانياً. هل خرج المشاركون من غزة؟ هل تدربوا في غزة؟ هل تلقوا السلاح من غزة؟ ودائماً تأتي الأنفاق بوصفها الممرات السحرية لإجابات ملغومة حول هذه الأسئلة التي من المنطق أن تثار في أزمة مثل تلك حيث إن وجود الأنفاق من شأنه أن يقدم مصوغات لإجابات مثل تلك. لكن هذا ليس باب القصيد. حتى النقاش الفلسطيني لم يرق لمستوى الحدث، فالأنفاق بالطبع جريمة كبرى وهي ليست حلاً للأزمة الاقتصادية بل تعميق لها، وهي وإن وجدت ربما في لحظات كحلّ ومخرج التفافي على الحصار إلا أنها أصبحت جزءاً منه حين أصبحت مصدراً للثروة والاغتناء على حساب الناس، فهي لم تساهم مثلاً في خفض الأسعار ولم تعمل على توفير السلع بشكل أكثر بل كانت جزءاً من لعبة إعادة ترتيب القطاع اقتصادياً بموازاة إعادة التشكيل النخبوي الحاكم. لكن في النقاش حول ما العمل فلسطينياً بعد مجزرة رفح فإن مستوى النقاش لا يجب أن ينحصر فقط في هذه النقطة. فمستقبل سيناء لم يكن يوماً بعيداً عن النقاش الإقليمي منذ النكبة وكان ينظر لسيناء دوماً بوصفها إحدى بوابات الحل للتخلص من الكم البشري المطرود من فلسطين، وكانت مشاريع التوطين منذ خمسينات القرن الماضي تنظر إلى سيناء بوصفها أرض الحلول السحرية لمساحتها الشاسعة وتعدادها البشري القليل. ودائماً يعاد التذكير بالفرصة التي تمثلها سيناء لمستقبل الشرق الأوسط. ولم يكن الفلسطينيون طرفاً في النقاش وكانوا يرفضونه. حين جاء الانقسام لم تنتبه "حماس" أن حالة قطاع غزة المعزول والمسلوخ عن سياقه الفلسطيني تساعد في تطوير وجهة النظر تلك. فحين تصبح غزة تواجه مصيرها وحدها بعيداً عن الكل الفلسطيني ويصبح على مصر واجب تقديم الحلول لكل أزمات غزة وتعفي إسرائيل من مسؤوليتها كقوة احتلال وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني فإن ثمة انزياحاً بطيئاً لكنه تراكمي نحو الحل الإقليمي الذي تحدثت عنه أطراف إسرائيلية كثيرة مؤخراً. يقع على مصر واجب قومي كبير نحو غزة ولكن واجب غزة نحو مصر أيضاً كبير بعدم المساهمة في تنفيذ ما ترغب به إسرائيل. "حماس" لم تفهم هذا وظلت تحتفظ بغزة بملكية مطلقة ورأت فيما فعلت انتصاراً وفتوحات وعجزت عن فهم التبعات الأخطر لذلك. ما حدث في سيناء لا يمكن له أن يقود إلى أي نتيجة إيجابية بالنسبة للفلسطينيين ضمن السياق الحالي. فبغض النظر عن الدور الفلسطيني غير الموجود أقله على صعيد الرأي العام الفلسطيني الرافض لهذه الجريمة فإن ثمة ترتيبات لن تساهم في تحسين وضع غزة بل تعقيده. فلسطينياً صدر موقفان يدلان على سوء تقدير وفهم لما جري واحد من "حماس" في غزة والثاني على لسان رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض. "حماس" التي كان يجب أن تفهم الدرس وتبحث في أدراجها عن أوراق المصالحة التي خبأتها تحت غبار الخلافات وتقول إنها جاهزة لإنهاء الوضع في غزة والبحث عن أفضل السبل من أجل إعادة الاعتبار للفكرة الفلسطينية الجامعة الموحدة. بدلاً من ذلك أخذت "حماس" تقدم تصورات تمعن أكثر في تعزيز الانقسام حيث قالت مثلاً إنها مستعدة لتشكيل قوة أمنية مشتركة مع مصر وجاهزة للتعاون الأمني والمعلوماتي حتى حول مستقبل الأنفاق. كان يجب البحث عن إخراج غزة من حالة الانسلاخ التي أوجدها فيها انقلاب "حماس" في حزيران 2007 وهو سبب المشاكل الكبرى التي تعيشها غزة والمرشحة لعيشها. أما سلام فياض فلم يكن بأكثر عمقاً حين تحدث فجأة عن انتخابات في الضفة الغربية يشارك فيها سكان غزة بالترشح أمام تعذر مشاركتهم بالتصويت بسبب تعطل المصالحة. للوهلة يظن المرء أن حلاً سحرياً جاء به الرجل على غفلة من جهل الناس. لست بصدد مناقشة مخاطر ذلك لكن النتيجة الوحيدة التي يمكن الاستدلال إليها من هذا الطرح بأن الانقسام يجب أن يستمر وأن غزة يجب أن تترك للمجهول ولا بأس من تشويه صورة الفلسطيني وحرق كوفية ياسر عرفات والثوار الفلسطينيين في سيناء على يد المحتجين لأن غزة تستحق ذلك. وغزة لا تستحق ذلك وهي تستحق أن تعود لتكون النواة الصلبة للمشروع الوطني وللوطنية الفلسطينية لا أن تترك لحالها. مازال حادث سيناء على مأساته يشكل فرصة فلسطينية لإعادة التفكير حقاً في إنهاء الانقسام حتى لا تحمل غزة ما لا تحتمل، وتقع على "حماس" المسؤولية الكبرى في ذلك.