لم أكن ارغب في الكتابة معلقا على تصريحات الدكتور فياض التي ادلى بها لعدد من الصحافيين منذ ايام في رام الله لولا ما كتبه الصحفي ناصر اللحام اليوم على موقع معا التي يرأس تحريرها، معتبرا ماقاله الدكتور فياض بأن غزة رويدا رويدا تأخذ طابع كيان مستقل بأنه "كلام صحيح وواضح وجرئ" واصفا الدكتور فياض وما صرح به بأنه "الوحيد الذي جرؤ على هذ القول."يأتي تعليق اللحام على وقائع اللقاء الذي عقده الدكتور فياض رئيس الحكومة في رام الله، مع عدد من الصحافيين في رام الله يوم الأربعاء 8/8/2012، ونظرا لما وصف به تلك التصريحات بأنها جريئة وواضحة وبأن الدكتور فياض لديه جرأة استثنائية أورد بعضا منها مثل أنه "بعد انقضاء ما يزيد عن 5 سنوات على الانفصال السياسي، فان كل يوم يمر بدون خطوات عملية باتجاه إعادة الوحدة إلى الوطن ومؤسسات الشعب الفلسطيني ، يتشكل واقع يرسخ بشكل اكبر أن غزة يوما بعد يوم تكتسب سمات كيان قائم بذاته" ويضيف قائلا "" إذا حماس لا تسمح بإجراء الانتخابات في قطاع غزة فعندها تجري الانتخابات التشريعية حيثما أمكن في الضفة الغربية ، الأساس يكون الطرح انتخابات رئاسية وتشريعية في كافة أنحاء الوطن وإذا وصلنا إلى نقطة رفضت فيها حماس أن تغير موقفها فيما يتعلق بإجراء الانتخابات في قطاع غزة فشخصيا اعتقد أن هناك منطق بان نجري انتخابات تشريعية ونرجيء موضوع الانتخابات الرئاسية إلى فترة لاحقة"."ماورد من تصريحات منسوبة للدكتور فياض يثير حزنا وأسى كبيرين، واتفق مع اللحام بأن هذه التصريحات من الوضوح والجرأة لا تحتمل معها أي لبس او غموض. فبعد خمس من السنوات يطالعنا الدكتور فياض بأن غزة تتحول لكيان مستقل، وهذا يثير سؤالين اساسيين اولهما مالذي حول غزة إلى كيان مستقل (عن الضفة)؟ وثانيهما إذا كانت غزة تتحول إلى كيان مستقل، وهذه حقيقة نتفق مع الدكتور فياض فيها، فهل بقيت الضفة على حالها؟؟ الم تتحول بدورها إلى كيان آخر مستقل (عن غزة)؟وما الغريب، وفقا لوقاحة الحقيقة والمعطيات في الواقع، في تحول غزة إلى كيان مستقل والضفة إلى كيان مستقل آخر؟ وأي جرأة في ان يبيع الدكتور فياض همنا لنا واكتشاف ماهو مكتشف؟ عامل الزمن دائما عامل حاسم في خلق الشرعيات والكيانات وخلق حقائق جديدة. ان التسامح مع الانقسام لخمس سنوات والذي كان سببه طرفي الانقسام كان سيؤدي حتما وبالضرورة ليس فقط إلى تفتيت النظام السياسي بل إلى حالة جديدة من الاستقلالية بين الضفة وغزة وقد كان لديناميات الانقسام ومافرض من عزلة على القطاع حصارا واغلاقا وللحقائق المرة التي لها علاقة بإدارة السلطة لملف القطاع أثر كبير على تلك الاستقلالية المزعومة. لقد ساهمت الإدارة البائسة من قبل السلطة الوطنية لملف القطاع بعد سيطرة حماس عليه إلى تحولها إلى سلطة ضفاوية، ومن بين أشياء أخرى، لم يتم توظيف ولو غزاوي واحد منذ خمس سنوات في السلطة الفلسطينية كما وأن الوظائف العليا التي كان الراحل ابو عمار يخلق حالة من التوزان بين الضفة والقطاع لملئها، قد تحولت بالتدريج من خلال عملية احلال منظمة إلى الضفة، فمن يتقاعد من اصحاب تلك الوظائف العليا من غزة يجري استبداله بآخر من الضفة.وبالمقابل وبما قامت به حماس في القطاع في ظل الواقع الصعب والمعقد في القطاع بنية مسبقة احيانا ومضطرة له احيانا اخرى قد ساهم بدوره في تعميق الانقسام وخلق سلطة غزاوية بامتياز. وبعد ان يؤكد لنا الدكتور فياض بأن غزة تتحول لكيان مستقل يذهب الى ماهو ابعد واخطر بالدعوة لانتخابات في الضفة كمخرج لازمة النظام السياسي ولحالة الانقسام. إن خطاب الانتخابات يثير سؤالين أساسيين: ألا تساهم الانتخابات إذا اجريت في جزء من الوطن دون غيره في تكريس الانقسام وتقنين الاستقلالية بين الضفة والقطاع وإعطائها الشرعية المطلوبة؟ وهل الانتخابات حتى لو أجريت، في ظل الازمة القائمة دون معالجة القضايا الوطنية الكبرى، في الضفة والقطاع ستشكل بالضرورة مخرجا للازمة؟ ان الانتخابات التي تجرى في وقت الازمات هي نوع من الهروب للامام بالنظر إلى عدم وجود الارادات السياسية لانهاء الانقسام حيث انها قد تشكل تعميقا للازمة وليس مخرجا لها ولنا في الانتخابات الماضية دروس وحكم وكذلك في الانتخابات التي اجريت في لبنان والعراق وفي مصر حديثا امثلة اخرى التي لم تساهم الانتخابات في تفكيك ازماتها الداخلية بل زادتها عمقا. أي انتخابات تجرى في الضفة دون القطاع والقدس دون معالجة أسباب الانقسام ودون توافق وطني، لن تساهم الافي تعميق الانقسام وتكريسه واقعا مشرعا وهو ما ينطوي على خطورة حقيقية ليس في تكريس الانقسام واقعا يصعب الفكاك منه بل على وحدة الهوية الوطنية، وهو أخطر ما يهدد الفلسطينيين في الوقت الحالي.ما يلفت النظر، على سبيل المثال لا الحصر أن مئات الطلاب من القطاع كان يدرسون في جامعات الضفة، وانا من بينهم حيث كنت طالبا في جامعة بيرزيت في اوائل الثمانينات، وكانت تلك الجامعات دائما خيارا امام طلبة القطاع والآن فإن عدد طلبة القطاع لايتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة إن وجد أحد منهم اصلا، وقد اسقطت جامعات الضفة كخيار من وعي وتفكير الطلبة وعائلاتهم في القطاع. الا يستحق أن تمنح السلطة منحا لطلبة القطاع للدراسة في جامعات الضفة وتسهل لهم الاقامة فيها وهم يستطيعون ذلك او على الأقل لنخوض تلك المعركة معا. يجب ان لا يسقط خيار جامعات الضفة من وعي الطلبة في القطاع، وهكذا اجراء من قبل السلطة غير مكلف امنيا او سياسيا. ان المطلوب اجراءات من هذا النوع في الوقت الحالي وهناك الكثير الكثير منها بدلا من التفكير باجراء انتخابات في الضفة والتباكي على تحول غزة أو الضفة إلى كيانات مستقلة لتبرير انتخابات تجرى في الضفة بما يعمق الانقسام على نحو خطير ولايمكن له ان يشكل مخرجا للازمة بأي حال من الأحوال. إن المطلوب هو تعظيم الاشتباك المعزز للعلاقة الموحدة بين الضفة والقطاع، وأي اجراء نقيض ذلك هو تكريس للانقسام ويخدم الاحتلال الذي ارسى البنية التحتية له على مدى سنوات لنقوم نحن باستكمال ارادته وتحقيق نبوئته، بدفع غزة جنوبا إلى مصر وتفتيت الضفة وتحويلها إلى كانتونات معزولة. وقتل الحلم الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وكي وعيهم الوطني وحقهم ف نقرير مصيرهم بتفتيت وحدة أراضيهم ونظامهم السياسي.إن الفلسطينيين قد اقتلعوا من ديارهم في العام 1948 ولكنهم بقوا محافظين على هويتهم، والآن نشهد خطرا حقيقيا يهدد وحدة الفلسطييين ووحدة هويتهم ويعرضها للتفتيت بشكل مأساوي.