إن الاستنكار الفلسطيني الشديد للجريمة البشعة ضد الجنود المصريين في رفح، قد يفهمه البعض أنه من باب إزاحة التهمة، سيما أنه تردد من الساعات الأولى لوقع الجريمة أن الغزيين لهم ضلع فيها. لكننا نؤكد أن هذا فهم خاطئ، فحجم الفعاليات المنددة التي نُظمت في غزة، هي من باب شعور أهاليها بالكبد لهذه الجريمة التي راح ضحيتها جنود مصريين، تربطهم بهم أواصر الجوار والعروبة والإسلام، بل وفوق كل ذلك الدم الذي سال واختلط في الحروب كافة التي خيضت مع الكيان الصهيوني. لقد تسارعت العديد من الجهات، وسائل إعلام، سياسيين، محللين، كتاب ومن الوهلة الأولى للزج بغزة وأبنائها في الضلوع بهذه الجريمة، وأصبحوا يتحدثوا بِغل كامن في صدورهم عن العبء الفلسطيني الدائم على المصريين، وأن الغزيين بالتحديد يشكلون تهديداً حقيقياً للأمن القومي المصري. لدرجة أن البعض دعا وبشكل مبطن للقصاص من غزة وأهلها، فها هو عماد أديب وفي مقاله الذي نشر أمس الأربعاء في صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان "ظاهرة الشقيقة العدو"، قال حرفياً "يجب ألا يدفع أي شعب عربي فاتورة أوضاع أو ظروف أي شعب آخر.... أكتب ذلك بعدما يفتح الإعلام المصري ملف ذلك العبث والجنون الذي نتج عن دخول قوة إرهابية مسلحة عبر الحدود الفلسطينية من غزة إلى الحدود المصرية وارتكاب جريمة ومجزرة ضد جنود كانوا يتبادلون طعام إفطارهم في هذا الشهر الفضيل.... إن العين لتدمع وهي تشاهد بالأمس آلاف المصرين وهم يشيعون في لوعة وحسرة وإيمان بقضاء الله وقدره جثامين شهداء الواجب في سيناء. وكان الهتاف: " القصاص..القصاص". متسائلاً أديب في نهاية مقاله قد يأتي الرد: "من القتلة يا سيدي"؟، فيأتي رد أديب مبطناً الحقد على أهل غزة، ومظهراً مراعاة الجيرة والأخوة "للأسف، القتلة جيران وأشقاء"!. وكأن أهل غزة هم من قتلوا الجنود المصريين يا سيد أديب، وتناسيت أن الإرهاب لا دين ولا وطن له، وحتى في حال أثبتت التحقيقات تورط بعض العناصر الإجرامية من غزة بهذا الحادث، فلماذا ينسحب الحكم على الغزيين بمجملهم؟ متنافياً مع أبسط أبجديات التفكير المنطقي الذي يخطئ التعميم. على العموم، فقد وصلت رسالتك التحريضية على غزة وأهلها، إلا أنك لن تنال أنت وأمثالك مرادكم بالوقيعة بين الأشقاء، فشعب مصر أكثر وعياً مما تعتقدون، ولن ينظر يوماً إلى غزة كعدو. إن أهالي غزة الذين عانوا الويلات من الاحتلال الإجرامي، وضاقوا مرارة القتل والتشريد والتجويع، بل والأقسى من ذلك غدر القريب وخذلانه بل وتواطئه مع الاحتلال على حصار غزة وإذلال أهلها. وخير مثال على ذلك الحصار الذي فرضه النظام السابق في مصر على غزة وإغلاقه شبه المستمر لمعبر رفح، وحالة الإذلال المقصودة التي كانت تمارس ضد الغزيين عند المرور عبره، إن إغلاق هذا المعبر نتج عنه الكثير من المعاناة لأهالي غزة، فقد حال دون علاج المرضى في الخارج متسبباً في موت العشرات منهم، ومنع الطلبة من الالتحاق في جامعاتهم، وحال دون التواصل العلمي مع العالم الخارج عبر المشاركات العلمية المختلفة، بالإضافة لقطع التواصل الاجتماعي بين الأسر الغزية في الداخل والخارج، وغيره الكثير مما كان له بالغ الأثر السيئ على الأوضاع في القطاع. رغم ذلك فإن أهالي غزة كانوا ولا زالوا على الدوام كلهم تقدير وإجلال ومحبة وإخلاص لمصر وشعبها وجيشها الحر، ولم تدفعهم يوماً ممارسات النظام السابق، إلى حمل ضغينة لمصر.إن غزة لم تشكل يوماً تهديداً للأمن القومي المصري، بل هي عوناً وسنداً لكل المصريين، وحتى في حال أثبتت التحقيقات ضلوع غزيين في هذا الحادث المجرم، فهم بالمحصلة إرهابيين يخدمون أجندة إرهابية، ويجب ملاحقتهم ومعاقبتهم. فكفى تحريضاً على غزة وأهلها، لأن ذلك أصبح جلياً للجميع أنه لا يخدم إلا أجندة منفذي الهجوم الغاشم ومن يقف ورائهم من الصهاينة الأكثر إفادة من الوقيعة بين مصر وغزة، بالإضافة لذيول النظام السابق وفلوله التي تصب في صالحهم حالة عدم الاستقرار في مصر.