العملية القاسية في كرم سالم تشير الى تدهور خطير في الوضع الامني في سيناء، ولكن آثارها يجدر فحصها في السياق الاوسع للصراع على لجام الحكم في مصر وعلى تصميم سياستها بالنسبة لاسرائيل. في السنة والنصف السابقتين منذ اسقاط نظام مبارك حقق المجتمع المدني المصري انجازات بارزة، ولكنه اضطر الى التصدي لمشاكل وتحديات حادة، وعلى رأسها التدهور غير المسبوق في وضع الامن الداخلي وتفاقم الازمة الاقتصادية. في الساحة السياسية تدور رحى صراعات قوى في اوساط الاحزاب، وبينها وبين المؤسسة الامنية القوية. وفي هذا السياق يؤدي، لاول مرة، الرأي العام دورا ذا مغزى. فالمجلس العسكري يواصل الاحتفاظ بصلاحيات سلطوية واسعة والتأثير على التطورات في مجالات عديدة. وفي الانتخابات للرئاسة فاز مرشح الاخوان المسلمين، ولكن لجنة صياغة الدستور التي يفترض ان تحدد صلاحياته لم تنهي عملها بعد. على هذه الخلفية يجري صراع مركب على اعادة تصميم السياسة المصرية في جملة من المجالات، بما في ذلك الامن القومي الذي يشكل فيه اتفاق السلام مع اسرائيل عامودا فقريا. وكرر زعماء مصر التزام بلادهم باتفاق السلام. اما عمليا، فيتبلور تغيير في سياسة القاهرة تجاه الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية، ولا سيما بالنسبة لقطاع غزة وحركة حماس. منذ اداء الرئيس المصري اليمين القانونية امتنع مرسي عن تصريحات سياسية في الموضوع الاسرائيلي. ومع ذلك، فانه يتخذ سلسلة من البادرات الطيبة تجاه حماس، ومؤخرا أعلن بان مصر ستفتح قريبا معبر رفح امام الحركة الحرة لسكان قطاع غزة. ونالت هذه التصريحات ردود فعل مختلطة. فقد ادعى خصوم الرئيس مرسي السياسيون بان سياسته بالنسبة لحماس تشهد على التزامه بجدول أعمال حركة الاخوان المسلمين. انتقاد اشد انطلق في اثناء جنازة قتلى العملية في الاستحكام على الحدود المصرية. فقد ادعى سياسيون مختلفون علنا بان مواقف الاخوان المسلمين والرئيس المصري تخدم مصالح حماس وتضر بمصالح مصر. وتتعاظم في الايام الاخيرة في مصر الدعوة الى اعادة فتح الملحق العسكري لاتفاق السلام، الذي يقرر شروط تجريد من السلاح متشددة في سيناء. وعلى مدى السنين ادعى المصريون بان هذه الشروط تشكل مسا بالسيادة المصرية ولا تسمح بالتحكم وبالامن في أرجاء شبه الجزيرة. وكان تقرر في المداولات التي جرت في السنوات الاخير في اسرائيل في هذا الموضوع الاستجابة الى طلبات مصرية لتعزيز قواتها في مناطق معينة ولفترات زمنية محددة والاعتراض المبدئي على المفاوضات على شروط الملحق العسكري. في أعقاب الضربة الشديدة التي تعرضت لها مصر هذا الاسبوع، يبدي زعماؤها تصميما على العمل بشكل غير مسبوق للقضاء على الجماعات الكفاحية التي وجدت لها مواقع سيطرة في وسط شبه الجزيرة بالاساس. هذا العمل كفيل بان يستغرق زمنا طويلا وسيستدعي استخدام قوات بحجم استثنائي اكثر مما تقرر في الملحق العسكري لاتفاق السلام. في الظروف السائدة اليوم في مصر يمكن لهذه الحملة واسعة النطاق ان تؤدي الى واقع أمني جديد في سيناء. ينبغي الافتراض بان القيادة المصرية الحالية ستجد صعوبة في الظروف القائمة لان تأمر باخراج القوات من سيناء في نهاية عملها. فلا بد أن الرأي العام سيطالب بابقائها كتعبير عن السيطرة المصرية على كامل اراضيها السيادية. كبديل، يمكن لاسرائيل أن تعلن منذ الان عن استعدادها لفحص وتعديل الترتيبات الامنية في سيناء بالتوافق المتبادل مع المصريين، بموجب المادة 4 من اتفاق السلام. تحقيق توافق متجدد بالنسبة لحجم القوات المصرية في سيناء، انتشارها وتسليحها كفيل بان يتبين كبديل افضل لوضع تقف فيه اسرائيل امام حقيقة ناجزة، من شأنها أن تضعضع احد العواميد الفقرية لاتفاق السلام بين الدولتين. مركز حاييم هيرتسوغ لبحوث الشرق الاوسط والدبلوماسية في جامعة بن غوريون