يوجد في المبدأ – لكن في المبدأ فقط – تشابه بين ايام العاصفة التي على خلفيتها كتب زروبابل جلعاد "حولنا تثور العاصفة" (وهو نشيد البلماح الذي كتب دافيد زهافي لحنا له حمّس الاستيطان العبري والدولة في بدء طريقها) وبين ما يجري هذه الايام "حولنا"؛ في سوريا ومصر في الأساس. فهل يوجد فينا ايضا باقي النشيد وهو "لكن رأسنا لن ينحني"؟. اذا أخذنا معنى الاستعداد التقني العسكري فالجواب نعم في شبه يقين، ودونما مقارنة ألبتة بالقدرة العملياتية وبالوسائل التي كانت في ايام الماضي الصعبة. لكن هل يكون ذلك في وحدة واتحاد؟. ان واحدا من الاسلحة الرئيسة التي مكّنت من النصر في حرب الاستقلال كان تصورا حقيقيا للواقع زيادة على الأمل والتضحية – بخلاف أهواء القلب التي أصبحت تشبه دينا يصاحبنا في عشرات السنين الاخيرة في نظرنا الى ما يحدث في العالم العربي. على مر السنين وبقيادة قيادات يعوزها العمق والشجاعة، فقدت الحكومات القدرة على استنتاج استنتاجات حقيقية مما يحدث حولنا. وأعمت أبصارنا نظريات سياسية لا أساس لها وقواعد داحضة للقانون الدولي. فأصبحنا عبيدا أذلاء لأحلام يقظة وأنكرنا العلامات التي حذرت بقوة وعلى الدوام من الزلازل التي قد تهز العالم حولنا وتصل الى أبوابنا حقا – ما نزال نبذل جهودا لا تكل للدفع قدما بدولتين للشعبين. قادت تيارات في العمق لا مُثل ديمقراطية ولن تزال تقود الانتقاض الحتمي للدول "القومية" المصنوعة التي انشأها المستعمرون الانجليز والفرنسيون في مطلع القرن العشرين. وكان هناك من تنبأوا وكان هناك من حذروا من انه لا وجود في الأمد البعيد لدول فيها قبائل متعادية وشعوب متصارعة؛ ولا مستقبل لدول فيها عداوة كبيرة بين تيارات متطرفة في الاسلام وبين مجموعات عرقية ايضا، فنهاية هذه الدول ستأتي إن عاجلا أو آجلا، لكن الآذان كان فيها وقر. وكان التفكير الغالب المقولب بأحكام مسبقة الذي صُرفت بحسبه سياسة اسرائيل الخارجية والامنية والسياسة الغربية بعامة هو ان القبائل قد صيغت وأصبحت شعوبا. ويعترف المجتمع الدولي بحدود وإن كانت رُسمت بصورة صناعية وخلطت أو فصلت الشعوب والقبائل والديانات المتعادية بعضها عن بعض، وهذا الاعتراف مثبّت بالقانون الدولي. وسيستوعب هؤلاء مع مرور الزمن قيما ديمقراطية غربية ايضا. بل ان فريقا كبيرا من صاغة تصور – أو الايمان اذا شئنا الصحة – أننا نعيش في شرق اوسط جديد (بل ان بعضهم دعوا الى سياسة سلمية هي "نهاية السلاح") ما يزالون موجودين مثل شمعون بيرس، في مواقع تأثير مركزية. وما يزال آخرون وهم في الأساس اعلاميون "مختصون" بالشؤون العربية، وأمنيون متقاعدون يدافعون عن سياسة تلطم ازاء أعيننا حقا اولئك الذين يقودونها. واذا لم تكن المصالح الاستعمارية التي جلبت الى العالم 22 دولة قومية أصيلة وناجحة ومبلورة فان تيارات مركزية في اسرائيل احتضنت شعبا آخر فلسطينيا موجودا منذ أقدم العصور، وهي تعمل بلا كلل في ان تمنحه ايضا دولة – على خلفية نمو الدول العربية الـ 22 الاخرى. التقى اسرائيلي ذو منزلة رسمية وذو صيت مع عربي رفيع المستوى ذا سلطة من واحدة من الدول العربية، فقال العربي: "اذا سلكتم كما سلكتم في 1967 فسيكون لكم مستقبل في المنطقة، واذا استمررتم في المقابل على السلوك كما تسلكون منذ ان انتصرتم انتصاركم الكبير في حرب اكتوبر 1973 فليس لكم مستقبل هنا".