يفترض ان تُبين العملية القاتلة أول أمس قرب المعبر الحدودي كرم سالم والتي قتل فيها 16 شرطيا مصريا، لمصر ان اسرائيل ليست المشكلة بل هي الحل خاصة. يجب ان يكون واضحا للسلطة الاسلامية الجديدة في القاهرة ان لمصر واسرائيل مصلحة مشتركة في الحفاظ على حدود هادئة في وجه منظمات ارهابية اسلامية لا تحجم عن اطلاق النار على أخ مسلم يتناول فطور صومه. استطاع الرئيس المخلوع مبارك وجنرالاته ادراك هذا جيدا. فلم يفعلوا ذلك حبا لاسرائيل بل حبا لمصر. والحفاظ على مصالح مشتركة بين الدولتين وتقويتها أكبر تحدٍ يواجه اسرائيل ومصر اليوم، وليس هذا أمرا سهلا في الوقت الذي أصبحت فيه الرياح التي تهب من القاهرة منذ كانت الثورة باردة جدا. وتسهم في ذلك حقيقة ان محمد مرسي ينتمي الى حزب يرى اسرائيل، من جهة عقائدية، نبتة غريبة. يجب على الرئيس المصري ان يدرك ان الحدود الهادئة تعني أقل قدر من الحوادث وان أقل قدر من الحوادث يشجع السياح بخلاف يوم يكون فيه عدد الأهرام أكبر من عدد السياح، والسياح يعيدون المستثمرين الاجانب، والمستثمرون الاجانب يعيدون بناء الاقتصاد وكل ذلك مهم لمستقبل مصر التي يجب عليها ان تُطعم 85 مليون فم. أعلن محمد مرسي أمس ثلاثة ايام حداد في أعقاب قتل الشرطيين المصريين ووعد أمام عدسات التصوير بأن يدفع المسؤولون ثمنا باهظا عن أفعالهم. ويجب على مرسي فوق ذلك في الأساس ان يختار أي جانب يقف فيه: أجانب الارهاب أم جانب من يحاربه. ويفترض ان تفتح الحادثة عيني مرسي، فالعلاقة الغرامية الجديدة بين مصر والقطاع لا تمنح مصر منعة. قال وزير الداخلية المصري الجديد، جمال الدين، في يوم السبت ان "الوضع في سيناء لم يكن قط أكثر أمنا"، ورأى ان الانذار الاسرائيلي هو محاولة فقط للتشويش على سياحة بلده. ورأوا العملية أمس في حركة الاخوان المسلمين مؤامرة من الموساد للمس بمصر. ويصعب مع رد كهذا ان نتوقع ان يوبخ مرسي وزير داخليته بسبب المقابلة الصحفية الهاذية التي أجراها مع صحيفة "أخبار اليوم" يوم السبت. ولم يُلق الاخوان المسلمون وحدهم أمس المسؤولية عن القتل على الموساد، فقد بُثت في مقابلات صحفية في التلفاز المصري ردود لمواطنين مصريين ألقوا المسؤولية على الجارة اسرائيل، ومن المؤكد ان هذا لا يعدنا بمستقبل وردي. يوجد في الحادثة الشديدة الوقع التي جربناها أول أمس جميع العناصر السلبية بالنسبة لاسرائيل، فهناك ارهاب اسلامي لا في قطاع غزة وحده بل في شبه جزيرة سيناء ايضا، وسلطة مصرية جديدة هي أقرب اليوم الى غزة من القدس، وجيش مصري يعزز شبه جزيرة سيناء الذي هو اليوم في أيدٍ مسؤولة بل صديقة لكن ليس واضحا ما الذي سيكون في الغد. وقد تكون هذه أكثر النقاط اقلاقا في هذا الامر: فاسرائيل تتوقع من مصر ان تعالج ما يجري في سيناء وان تعيد لنفسها السيطرة على شبه الجزيرة، بل انهم في القدس ينتظرون تغييرا استراتيجيا في التوجه المصري من كل ما يتعلق بسيناء. لكن لا يعلم أحد ما هو المرتقب بعد ذلك وما الذي يمكن ان ينشأ في المنطقة التي أصبحت تتحول الى برميل من المواد المتفجرة. ربما كنا نعزي أنفسنا في فترات اخرى أو مناطق اخرى بحدود شمالية أكثر دفئا وألذ. لكن ما نراه على الحدود السورية غير مشجع. وهناك لا يوجد على الأقل اتفاق سلام بين الطرفين والامور واضحة جدا. التزم الاخوان المسلمون ألا يرشحوا مرشحا في انتخابات الرئاسة ولم يفوا بوعدهم. وكان من الواضح انه سيكون من الصعب عليهم اعادة بناء اقتصاد بلدهم، فخبرتهم تتلخص في اعادة بناء أحياء لا دول، وبعد اسابيع من دخول مرسي قصر الرئاسة ما يزال يواجه معضلة صعبة وهي كيف يحل مشكلة أمنية صعبة. وتوجب العملية أول من أمس على مرسي ان يكشف عن أوراق لعبه في وقت أبكر كثيرا مما خطط له. قد يأتي خلاص مرسي من الجيش كما كانت الحال بالضبط في ايام ثورة التحرير، ويا للمفارقة. فهو قد يعطي جيش مصر "العمل القذر" وهو التعاون مع اسرائيل، هذا الى كون الامر من عمله، وسيكون من الممكن في الغد الاعتماد على الجيش المصري، ولا أحد يعدنا بالشيء نفسه بعد غد.